fbpx

تعديلات قانون الأحوال الشخصية عام 2019.. إنصاف المرأة لا يزال غائباً

0 421

كان العام 2011 عاماً فاصلاً في حياة السوريين، فقد ارتفع الصوت بوجه الطغيان من أجل التغيير من دولة الاستبداد إلى دولة المواطنة المتساوية، حيث لا تمييز بين أبناء سوريا، لا على أساس الدين، ولا على أساس العرق، ولا على أساس الجنس، وحتى يومنا هذا لا يزال الحلم مستمراً رغم صعوبة تحقيقه في ظل واقع الشعب السوري والظروف الإقليمية والدولية الراهنة.

ومن هذه التغييرات التي يسعى إليها السوريون تغييرات في واقع النساء، بدءاً من القانون وانتهاء بوعي المجتمع.

بالنسبة لقضية المرأة، فهي واحدة على المستوى العالمي، مرتبطة بقضايا حقوق الإنسان، ولكنها تختلف في تفصيلاتها من بيئة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر، بجزئيات محلية لكل دولة ولكل منطقة.

ولأن اليوم قضية المرأة قضية عالمية، وليست قضية محلية فحسب، نرى أن السياسيين وخاصة السلطات الاستبدادية، تحاول الاستفادة منها وذلك من خلال تظهير صورتها على أنها داعمة لقضايا النساء، وفي حقيقة الأمر، الموضوع لا يتعدى الفلترة لصورة الاستبداد دون أن يكون هناك دعم حقيقي للنساء.

من هنا أتت تعديلات قانون الأحوال الشخصية السوري بالقانون رقم 4 لعام 2019، حيث يُعدُّ قانون الأحوال الشخصية من القوانين الأكثر حساسية بين القوانين، لأنه يمس الأفراد بشكل مباشر، ويتدخل في تنظيم حياتهم الخاصة، من زواج وطلاق وإرث وحضانة أطفال وغيرها من الأحوال الشخصية.

في عام 2019 تم تعديل 71 مادة من أصل 308 مواد في قانون الأحوال الشخصية رقم 59 لعام 1953، أبرز هذه التعديلات، كانت تغيير تسمية العقد من عقد نكاح إلى عقد زواج وربما هذا هو التعديل الوحيد الحسن.

على عكس ادعاءات المطبلين والمزمرين من أزلام النظام، بأن هذه التعديلات عالجت التمييز ضد المرأة، وسهّلت الإجراءات القانونية والقضائية، وأعطت مساحة أوسع للمرأة في بعض الجوانب، التي لم يكن منصوصاً عليها بالقانون سابقاً.

والواقع أن هذه التعديلات لا تعدو عن كونها ذر رماد في العيون، وتضليلاً عن الواقع الحقيقي لقانون الأحوال الشخصية السوري.

لقد نصّت المادة 14 على:

1 – لكل من الزوج والزوجة أن يقيد عقد الزواج بشروطه الخاصة التي لا تخالف الشرع والقانون.

2 – إذا قُيّد العقد بشرط ينافي نظامه الشرعي أو مقاصده الشرط باطل والعقد صحيح.

وهنا، أليس الشرع هو من أباح التعدد للزوج؟ هل تستطيع الزوجة أن تشترط عدم زواج زوجها؟ أم أن هذا الشرط ينافي الشرع، فمن ترفض زواج زوجها عليها أن تطلب فسخ العقد وفق البند الرابع من هذه المادة، حيث يقول: للمتضرر من الزوجين عند الإخلال بالشروط حق فسخ العقد، إذاً يمكن لعقد الزواج أن يقيد بشروط مقيدة.

وأيضاً لا تزال المرأة البالغة الراشدة بحاجة لموافقة ولي أمرها، وإذا لم يوافق ولي أمرها على زواجها أمكن للقاضي أن يأذن بزواجها وبشرط الكفاءة ومهر المثل، هذا وفق المادة، 20 إذ لازال القانون يعتبر المرأة البالغة غير قادرة على إدارة شؤونها الخاصة بنفسها، فلا تزال تعتبر مواطنة من الدرجة الثانية.

ورغم أنه أقر رفع سن الزواج إلى الثامنة عشر للشاب والفتاة في المادة 16، حيث تقول: “تكمل أهلية الزواج في الفتى والفتاة ببلوغ الثامنة عشرة من العمر”، إلا أنه أعاد فتح ثغرة في القانون من خلال المادة 18 حيث تجيز للقاضي تزويج الشاب والفتاة اللذين بلغا الخامسة عشر إذاً لم يتم منع زواج القاصر بشكل صريح وحقيقي.

وعلى الرغم من أن العمل حق لكل مواطن ومواطنة، وهذا في نص الدستور السوري، إلاّ أن هذا الحق بالنسبة للمرأة مقيد بموافقة زوجها، ولا تستطيع أن تنازع في هذا الحق، إلاّ إذا كانت قد اشترطت ذلك في عقد الزواج.

والتعديلات التي أُقرت، وتم التهليل من أجلها، لم تلغ الطلاق بإرادة منفردة، فالرجل يستطيع أن يطلق زوجته، وهي تستطيع في المقابل أن تنازع في حق النفقة ليس أكثر، فالقرار قراره هو، وثمن قراره مجرد نفقة تحصل عليها بعد دعوى، رغم أن الزواج ناشئٌ أساساً عن الإيجاب والقبول بين الطرفين، وما بُني على إرادة الطرفين، يجب ألا يهدم إلا بإرادة الطرفين، ولكن في قانوننا رغم تعديلاته، لم يلحظ إرادة المرأة واكتفى بتعويضها مادياً فقط، وهذا التعويض لن يكون رادعاً للطلاق.

في حين أنه لم يتم إلغاء المخالعة، ومن المعروف أن المخالعة هو افتداء المرأة لنفسها بالمال من أجل أن يقبل الزوج بطلاقها، وطالما حق الطلاق بيد الزوج وحده، فإنه يستطيع أن يجبر المرأة عن التنازل عن كامل حقوقها التي أقرها القانون، أيضاً يستطيع إجبارها على دفع المال مقابل حصولها على الطلاق، فأي قانون هذا ميزانه غير سوي، لا يرى مواطنيه بعين المساواة.

ورغم هذه التعديلات ونشرها على أساس أنها أُنجزت من أجل حماية النساء، إلاّ أنها في الحقيقة لا تغدو عن كونها محاولات لتزييف الواقع، الذي تعاني منه النساء السوريات، وحرمانهن من حقوق تُعتبر من البديهيات بالنسبة للمواطن الحر، حيث بقي الأهم من كل ذلك، وهو أن قانون الأحوال الشخصية مستمد من الفقه الإسلامي، الذي لا زال إلى اليوم يفرض على المسيحي الذي يريد الزواج من مسلمة أن يشهر إسلامه.

لذلك لا يوجد لدينا قانون يواكب الانفتاح والتنوع الطائفي لمكونات الشعب السوري، فعدم وجود هذا القانون يفرض على الطوائف الانغلاق على ذاتها، والمرأة التي تتزوج من غير دينها تبقى غير محمية قانوناً، وهنا الدولة تخالف الدستور، لأنها تفرض على المواطن خيارات محددة، بدل أن تقدم الحماية لكل مواطنيها لممارسة حريتهم الشخصية، خاصة من الناحية الأسرية لأن الأسرة هي الخلية الأولى في بناء المجتمع، وهذه الخلية التي تبنى بالإجبار والإكراه قطعاً لن تكون ناجحة، لأنها يجب أن تكون قائمة على الرضى والتفاهم بين العنصرين الأساسيين فيها، وهما الرجل والمرأة، لذلك لابد من تشريع الزواج المدني لمن يريد، ليكون الجميع ضمن حماية القانون، ولا أحد يخضع لابتزازات أو ضغوطات بسبب عدم وجود قانون يحميه.

أخيراً تبقى مسيرة النساء طويلة من أجل نيل حقها في وجود قانون حقيقي يشرع لحمايتها ومساندتها للوقوف في وجه العقبات التي تعرقل حياتها كمواطنة حرة لها كامل الحقوق التي يشرعها الدستور عندما يلغي أي تمييز بين أبناء الشعب الواحد.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني