fbpx

تسرّب الأطفال السوريين المدرسي وأثره على مستقبل سورية

0 229

ظاهرة التسرّب من التعليم ظاهرة عامة بالنسبة للدول الفقيرة عموماً، والتي ينتشر فيها التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ففي هذه المجتمعات، تكون الحاجة إلى توفير قوت الأسرة المهمة الرئيسية فيها، سيما إذا كان المعيل الرئيسي في حالة غياب لسببٍ ما، فيقع توفير القوت للأسرة على عاتق أبنائها، ولا سيما الأطفال فيها.

وكي لا يذهب ذهننا بعيداً في تحديد سن الطفولة، يمكننا أن نقول: إن الأمم المتحدة تعتبر أن سن الطفولة ينتهي لدى الأفراد من الجنسين لدى بلوغهم سن الثامنة عشرة من العمر.

وحين نريد تعريف معنى التسرّب المدرسي، يمكننا اعتبار ترك التلميذ لمدرسته، والامتناع عن متابعة تعليمه قبل أن يتم مرحلته التعليمية هو التسرّب المدرسي بذاته.

هذا التسرّب يبدّد انتفاع الطفل من المعارف والمهارات والخبرات اللازمة لنضجه وتكامل شخصيته، وبالتالي تهيئته في نهاية العملية التعليمية ليدخل سوق العمل، ويرفد التنمية الوطنية بكل جوانبها بقدراته العلمية والتطبيقية، ولذلك فإن التسرّب يؤدي إلى تعطّل مشاركته القادمة الفعّالة في مجتمعه.

التسرّب المدرسي ظاهرة يشهدها العالم، وبخاصة في الدول النامية، وتلك التي تعيش حروباً وصراعات داخلية، فيزداد التسرّب من التعليم، وتُعدّ سورية واحدة من تلك الدول التي تعاني وبشدّة من هذه الظاهرة. فقد أكّدت مصادر رسمية على لسان وزير التربية لدى الحكومة في دمشق عام 2022، أن نسبة التسرّب ارتفعت إلى 22% من إجمالي عدد الطلاب المسجلين في مرحلة التعليم الإلزامي، والحال ليس بأفضل في شمال وشمال غرب سورية.

هذه الظاهرة تعمّ سورية بسبب حالة الحرب التي تعيشها البلاد، فالتسرب المدرسي موجود بنسب مختلفة في كل المناطق السورية، وهذا ما يستدعي تسليط الضوء على هذه الظاهرة، لبيان نتائجها الكارثية على الفرد والمجتمع، حيث تزداد نسبة الأمّية في البلاد، وبالتالي تزداد نسبة الجهل والتخلف، وهو ما يؤدي إلى استمرار تراجع الوعي العلمي والمعرفي والثقافي لصالح سيطرة العادات والتقاليد، التي لا تنسجم مع التطور، ولا تخدم عملية تنمية البلاد على كافة مستوياتها (الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية، والعلمية، والفكرية. الخ).

ومن أبرز مظاهر تخلّف المجتمع شيوع ظاهرة الزواج المبكر، حيث يجد الأطفال وتحديداً الفتيات الصغيرات اللاتي أعمارهن دون سن الثامنة عشرة أمام مسؤولية بيت وأسرة وزوج وأطفال، فهل تربّي فتاة طفلة وليدها الطفل؟ إضافة لظواهر أخرى مثل استمرار النظرة الدونية للمرأة، والسيطرة الأبوية المطلقة، فيبقى المجتمع رهين انغلاقه وتحيّزاته وتعصباته.

أما على مستوى العمل، فالحرب التي تعاني منها سورية زادت من نسبة البطالة والفقر فيها، مما أدّى إلى ضعف البنية الاقتصادية الإنتاجية للمجتمع، بل وتوقف كثير من أنشطة الإنتاج الاقتصادي نتيجة غياب حالة الأمن والسلام، فلا أحد ينتج في ظلّ غياب الحفاظ على الحياة التي تهددها الحرب، بل أن الأخيرة تزيد من مشكلات إضافية على الأطفال المتسربين من التعليم المدرسي، ومن ذلك احتمال انحراف وجنوح المتسرّب نحو السرقة، أو القيام بالاعتداء على الآخرين، وربما يصل الأمر إلى خطورة شديدة في ظل هذا الانفلات الأمني والاجتماعي، مثل   حالة تعاطي الأطفال للمخدرات لاستغلالهم.

هنا يمكننا القول إن عوامل التسرب المدرسي عديدة ومختلفة، فمنها ما يتعلّق بالأسرة وضعف وضعها الاقتصادي، ولا سيما في ظلّ الحرب وما تفاقمه من أزمات، مثل غياب المعيل، ونزوح الأسر وخسارة ممتلكاتهم وأمنهم، فتضطر الأسر إلى دفع أبناءها على ترك المدرسة، من أجل العمل، لتوفير عائد مالي يسدّ حاجة رعاية أفراد الأسرة، والمساعدة في أعمال المنزل، فيصبح العلم في هذه الحالة رفاهية لا تحتاجها الأسرة.

وهناك أسباب تتعلق بالمدرسة، منها أن المدرسة لم تستطع أن تجذب التلميذ إلى مقاعد الدرس، بل على العكس من ذلك تلعب دور منفّر له، إما لصعوبة المواد المدرسية، أو لاستخدام المعلمين أو الإداريين فيها للعقاب المعنوي، أو البدني، أو التمييز بين الطلاب، فيتدنى تحصيل التلميذ الدراسي، ويجد صعوبة في التعلّم، فلا يهتم بدروسه، وتنخفض قيمة التعليم لديه، حين لا يجد من يساعده في المدرسة، أو الأسرة، على تخطي صعوباته.

ومن أجل مواجهة هذه المشكلة، يجب على السلطات التعليمية المحلية ومنظمات الأمم المتحدة العمل معاً لتوفير التعليم للأطفال السوريين، وتوفير الموارد اللازمة لتحسين البنية التحتية للمدارس، ويجب أن يكون هناك تركيز كبير على توفير التعليم للفئات الأكثر احتياجاً، بما في ذلك الأطفال اللاجئين والنازحين والأطفال الذين يعانون الفقر.

وبالإضافة إلى ذلك، يجب تشجيع العائلات على إرسال أطفالهم إلى المدارس من خلال توفير المزيد من الدعم المالي والموارد التعليمية، ويجب أن تكون هناك جهود مستمرة لتحسين جودة التعليم وتطوير المناهج الدراسية، وتحسين بنية المدارس والمعدّات التعليمية.

كما يجب أن يكون هناك تركيز على توفير الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال الذين تأثروا بالحرب والصراعات، والذين قد يواجهون صعوبات في التعلم والاندماج في المدارس.

بشكل عام، يُعتبرُ تسرّب التلاميذ في سورية مشكلة كبيرة، تؤثر على المجتمع والاقتصاد في المستقبل. ومن أجل مواجهة هذه المشكلة، يجب على الجميع العمل سوياً لتوفير التعليم للأطفال السوريين، وتحسين جودته لمواجهة المستقبل الذي سيكونون هم رجاله ونساءه وقادة المجتمع فيه، ومن ينهض بعملية تنميته الشاملة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني