النووي الإيراني “مشكلة” العالم والحرس الثوري “مشكلة” الشرق الأوسط
منذ اكتشاف البرنامج النووي الإيراني السري على يد المعارضة الإيرانية عام 2033، دأبت إيران على إحاطته بجو من الغموض، وتضخيمه أحياناً كثيرة لابتزاز العالم بمطالب أخرى، وقد توجت سلسلة العقوبات الأمريكية والغربية ومنها عقوبات أممية تحت الفصل السابع بالتوصل للاتفاق عام 2015، وخرجت إيران من الفصل السابع وتم تعويمها دولياً (وهي الدولة الوحيدة التي تدخل الفصل السابع وتخرج منه بلا حرب). وكانت خلال تلك الفترة تعمل على خططها المعروفة بتصدير الثورة والتغلغل في المجتمعات والدول التي تكون هدفاً لها، وتبني الميليشيات في بعض الدول، وكانت الولايات المتحدة تتغاضى عن أنشطتها تلك لعدم تعكير أجواء التفاوض (المباشر أو غير المباشر) ودفع إيران لمزيد من مضاعفة الأنشطة النووية (سواء ببناء محطات سرية محصنة وزيادة عدد وقدرة أجهزة الطرد المركزي ورفع نسبة التخصيب لنسب أعلى).
ووصل الأمر بإدارة الرئيس السابق باراك أوباما إلى إعطاء أمر عملياتي بمنع التصدي للاعتداءات الإيرانية على القواعد الأمريكية في سبيل إنجاح الاتفاق.
إيران تفاوض العالم على عدم امتلاك سلاح، وليس على عدم استخدامه
استغلت الاستراتيجية الإيرانية هذا الخوف العالمي من امتلاكها للسلاح النووي، وبدأت بتنفيذ مشروعها الإمبراطوري الديني، الذي لا يتطلب سلاحاً نووياً، بل تخادماً أمريكياً أو غض النظر عن الأنشطة المهددة لاستقرار الجوار.
بالتأكيد لم يكن العرب يملكون أي مشروع أو استراتيجية أو حتى رؤية واحدة للتصدي لذلك للمشروع، واقتصر الأمر على ردات فعل هنا وهناك.
وصل الأمر عشية خروج الرئيس ترامب من الاتفاق عام 2018، أن إيران تمددت في أربع دول عربية وسيطرت على القرار السياسي للعواصم الأربعة + غزة
تشابه التهديد الروسي لأوربة والتهديد الإيراني للشرق الأوسط
كان الموقف الذي اتخذته الدول العربية من الغزو الروسي لأوكرانيا، بالامتناع عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة مفاجئاً للإدارة الأمريكية، ومن ثم عدم تلبية الرغبة الأمريكية بزيادة الضخ اليومي للنفط من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بل وقوف أغلب الدول العربية على الحياد، والذي تجلى أيضا بإرسال وفد يمثل الجامعة العربية إلى موسكو لمحاولة القيام بوساطة بين طرفي الصراع، بمعنى التغريد خارج السرب الأمريكي لحلفاء مهمين للولايات المتحدة ساخطين على سياساتها.
تجلى ذلك السخط بزحمة القمم التي احتضنتها شرم الشيخ والعقبة والنقب، ومحاولة لملمة الصفوف وخاصة الانفتاح التركي على مصر والسعودية.
هدف هذه اللقاءات كان إرسال رسالة لواشنطن، مفادها أن المنطقة تعاني من خطر إيراني لا تدركه واشنطن أو لا تهتم له.
كان السخط على الولايات المتحدة بسبب قرب توقيعها لاتفاقها مع إيران الذي تجاهل وتجاوز مخاوف دول المنطقة وإلحاحها بأخذ ذلك بعين الاعتبار، ولولا الغزو الروسي لأوكرانيا لتم التوقيع كما كان مخططاً له، لأن أدق التفاصيل كان قد تم التفاهم عليها.
الأطماع الروسية الأيديولوجية والتاريخية في أوكرانيا وغيرها من دول القارة الأوربية تماثل الأطماع الإيرانية الأيديولوجية والتاريخية في المنطقة العربية.
وتعتبر روسيا أهم قوة نووية في العالم، ولم تستعمل في غزوها تلك الترسانة، إنما أسلحتها التقليدية، ومن المسلم به أنه لولا الدعم الأمريكي أولاً والأوربي ثانياً لكان هناك كلام آخر.
بمعنى لماذا انتفضت الولايات المتحدة واستنفرت كل قواها وحشدت ما يمكنها من الحلفاء لمواجهة التمدد الروسي، في حين أنها كانت قاب قوسين أو أدنى من توقيع اتفاق مع إيران، يرفع عنها معظم العقوبات ويضخ المليارات لخزائن الحرس الثوري الإرهابي، والذي بدوره سيحولها إلى أذرعه المنتشرة في المنطقة.
إن التمدد الإيراني في المنطقة (الذي أراه بعدم ممانعة أمريكية إن لم يكن أكثر) حصل ليس بفعل الأسلحة النووية التي تمتلكها إيران، ولا حتى بأسلحة تقليدية حديثة او ذات تقنيات عالية، بل بميليشيات تتسلح بسكاكين ورايات وعبوات ناسفة وسيارات مفخخة وأخيراً درونات غير عالية التقنية والصواريخ البالستية.
لا شك أن ما بعد الحرب في أوكرانيا ليس كما قبلها، وإن الرفض الأمريكي للشرط الإيراني المستفز للعالم كله برفع الحرس الثوري من لوائح الارهاب والعقوبات كشرط للتوقيع على الاتفاق الجديد والرفض الأمريكي لذلك الطلب، قد يكون المسمار الأخير في نعش هذا الاتفاق.
ضباب استراتيجي يخيم على العالم وعلى قلبه في الشرق الأوسط بانتظار جلاء الصورة بالحرب المحتدمة الآن في أوكرانيا بين الغرب وروسيا، وصوغ استراتيجيات أخرى، التي من المرجح أن تكون إقليمية بدعم غربي لمواجهة المشروع الإيراني العدواني واستمرار فرض العقوبات الأمريكية عليه، بل من المرجح عودتها إلى ما سمي بالاتفاق القديم آلية كبح الزناد “سناب باك”.