fbpx

المرأة السورية.. المساواة الغائبة والملتبسة في الشمال السوري

0 868

لا يمكن لأيّ من سلطات الأمر الواقع في الشمال السوري ككل، الادعاء بأن وضع المرأة السورية في أماكن نفوذها، قد اكتسب درجة متقدمة من ترسيخ حقوقها على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهذه الحقوق التي تتفق ولائحة حقوق الإنسان الدولية لا تزال غير ممكنة.

ولمعرفة درجة هذه المساواة، يتعين معرفة واقع المرأة في مناطق نفوذ كل من شرقي الفرات، وهي مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، ومناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، وهي مناطق تخضع لسلطة فصائل الثورة التابعة للحكومة المؤقتة، وكذلك في المناطق التابعة لهيئة تحرير الشام في محافظة إدلب.

في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، أصدرت سلطة الأمر الواقع عام 2014 ميثاق العقد الاجتماعي، الذي يعد بمثابة دستور محلي حيث حدّد تمثيل المرأة بنسبة 50% على الأقل، فيما زادت هذه النسبة في بعض المؤسسات إلى 70%، وهذا أكدّ عليه الميثاق، سيما بما يتعلق بدور المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كما أكدّ الميثاق على صون حرية المرأة وحفظ كرامتها.

والمساواة بين المرأة والرجل التي نصّ عليها العقد الاجتماعي، الذي أصدرته قوات سوريا الديمقراطية، كان يعتبر بمثابة ضربة قاضية للنظام العشائري السائد في هذه المناطق، إذ نظرت هذه العشائر إلى هذا العقد الاجتماعي على أنه تجاوز خطير للبنى الاجتماعية ذات الثقافة العربية والإسلامية الممتدة عبر التاريخ.

إلا أن واقع الحال مناقض تماماً لما تدعيه قوات سوريا الديمقراطية، إذ تعيش المرأة واقعاً مأساوياً، وهذا يدلّ على أن قوات سوريا الديمقراطية تستخدم النساء وقضاياهن للوصول إلى امتيازات سلطوية، فالنساء اللواتي يطالبن بحقهن في العمل وحرية الرأي يتعرضن لأنواع الاعتداءات والانتهاكات كافة، وربما يعود سبب ذلك إلى أن العمق الثقافي لدى سلطات الأمر الواقع ينهل من بنية المجتمع الراسخة، وهي بنية مجتمع عشائري منغلق، تنظر نظرةً دونية للمرأة، ما يؤثر سلباً على أن تكون المرأة أكثر فعالية.

أما في مناطق فصائل الثورة التابعة للحكومة المؤقتة، فيقدّر عدد السكان بـ 6 مليون نسمة بشكل تقريبي، قسم منهم يعيش في مخيمات نظامية، تخضع لإشراف بعض المنظمات الإنسانية، وقسم يعيش في مخيمات عشوائية، والنساء يشكّلن ما يقارب النصف من إجمالي عدد سكان المخيمات، وكلنا يعلم مدى المعاناة التي يعاني منها سكان المخيمات، بسبب الفقر وندرة الخدمات، إضافةً إلى الظروف المناخية الصعبة، التي يعيشون في ظلّها.

معاناة النساء هنا تكون مضاعفة، فهناك أمور قد لا يتم التنبه إليها، حيث تُعدّ المظاهر غير الأخلاقية من المظاهر التي بدأت تنتشر بوضوح في بعض المخيمات النظامية والعشوائية، وهذه المظاهر تتنوع بين حالات تحرش بالنساء وبالأطفال.

واقع الحياة التي يعيشها أهل المخيمات، وقلة فرص العمل، دفع كثير من النساء إلى العمل بأجور زهيدة، ما يعرضهن إلى الاستغلال في أحيانٍ كثيرة، وهنا تعتبر فئة النساء من الفئات الهشّة، وبالتالي يجب التركيز بشكل أكبر على واقع المرأة ومشاكلها، وإعطائها دائرة اهتمام أوسع، حيث نلاحظ أن المرأة لا تزال تواجه عقبات عديدة في الداخل السوري، وفي ظل هذه العقبات، فإن ضمان وجود المرأة في الحياة السياسية أصبح تحدياً يواجهها في هذه المناطق.

أمّا ما يتعلق بمناطق نفوذ هيئة تحرير الشام وهي فصيل يفرض رؤيته الإسلامية المتشددة على الحياة في مناطقها، فالأمر مختلف تماماً في هذه المناطق، فالوضع يعتمد على أساس الشريعة الإسلامية وفق فهم هذا الفصيل، وخصوصاً ما يتعلق بأوضاع المرأة، حيث تسعى هيئة تحرير الشام للتركيز على لباس المرأة وحشمتها وعفتها، فتطالب النساء بالحفاظ على ما تسميه اللباس الشرعي وعدم التبرّج، وهذا انتهاك صريح لحق من حقوق الإنسان، ونقصد فرض الزي الذي ترتديه المرأة في ظلّ سيطرة سلطة الأمر الواقع في إدلب ومناطقها.

لقد ذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها، أن المرأة السورية تعاني في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام من التمييز السلبي تجاهها، وتزداد معاناتها أضعافاً مضاعفة إذا كانت عاملة، أو تريد أن تعمل في الشأن العام، أو في منظمات المجتمع المدني، سواء كإعلامية، أو إغاثية، أو سياسية، فقد ذكر التقرير تعرضهن للتضييق والترهيب، وذلك من أجل دفعهن للتخلي عن عملهن.

وبالتالي، نرى هنا، أن المرأة السورية في كل المناطق سابقة الذكر لا تحظى بأي استقلالية في كل جوانب حياتها، لذلك يجب العمل على القضاء على كل أشكال التمييز بحقها، من خلال برامج توعية وأيضاً تنقية المناهج التعليمية والبرامج الإعلامية من كل الصور النمطية للمرأة، وتقديم الدعم لتغيير واقع حياة المرأة السورية في هذه المناطق، لتكتسب صورة أكثر حضارية للمرأة، كونها مواطنة فاعلة ومشاركة في صياغة مستقبل البلاد.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني