fbpx

اللّجان الأمنيّة ودورها في جرائم نهب ممتلكات السوريين

0 468

إجابةً على تساؤلات الكثير من الأصدقاء حول ماهيّة عمليّة الاستيلاء على مواسم الفستق الحلبي والزيتون والأراضي الزراعيّة “السليخ” من قبل عصابات أسد، ومدى شرعيّتها من النواحي الدستوريّة والقانونيّة والقانون الدوليّ لحقوق الإنسان والقانون الدوليّ الإنساني نبيّن ما يلي:

لم يدّخِر النظام السوري سبيلاً أو سلاحاً يُمكن استخدامه ضد الشعب إلّا واستخدمه ولم يكتفِ بالقتل والاعتقال والاغتصاب والتدمير والتهجير فحسب بل استباح أموالهم وممتلكاتهم وجعلها نهباً للميليشيات الطائفيّة عبر مجموعة من التشريعات العقاريّة الباطلة لمخالفتها أحكام الدستور، أو عبر ما يُسمّى محاكم الإرهاب والمحاكم الميدانيّة العسكريّة، أو عبر قرارات أمنيّة تصدر عن اللجان الأمنيّة في المحافظات، التي اجتاحت ما تبقّى من أرياف حماه وإدلب واحتلتها في عامي 2019 و2020 وبدأت عمليّة النهب الممنهج بعد أن فوضتها قيادة حزب البعث بإحصاء أراضي وممتلكات “المعارضين” تمهيدا لنهبها وتوزيع إيراداتها وعوائدها أو تسليمها للميليشيات الطائفيّة الرديفة لهم لزراعتها واستغلالها مكافأة لهم عن جرائمهم التي ارتكبوها بحق الشعب السوري، ويتم توزيعها عبر جمعيّة تعود لميليشيا الدفاع الوطني مٌرخصّة من مديرية الشؤون الاجتماعيّة بحمص باسم “مؤسسة الشهيد” والتي يرأسها قائد الدفاع الوطني صقر الرستم ويرأس فروعها في المحافظات رؤساء فروع ميليشيا الدفاع الوطني في المحافظات وزوجاتهم. ومديرية شؤون الجرحى والمفقودين التابعة لوزارة دفاع النظام.

وكان قرار القيادة المركزية لحزب البعث الذي تضمنه كتاب حزب البعث في حماه المعمم برقم “264” تاريخ 28/8/2019 إلى الشُعب والفرق الحزبية كافة في محافظة حماه، هو أول وثيقة رسميّة تصدر بهذا الخصوص، تم تنفيذه على مدى السنوات الأربع الماضيّة حيث بلغت مساحات الأراضي المنهوبة حوالي 400 ألف دونم مزروعة بالفستق والزيتون وأراضي سليخ.

تعتبر اللِجان الأمنيّة إحدى أدوات النظام المجرم القذرِة منذ انقلاب المقبور حافظ أسد هي أهم أدواته الأمنيّة والسياسيّة والقضائيّة والإداريّة في إدارة شؤون المحافظات وهي ذراعه الأكثر قُرباً والأسهل وصولاً إلى أي تهديد قد يشعر به حيث تمتلك كافة الصلاحيات العسكريّة والأمنيّة والسياسيّة والقضائيّة والإداريّة في القضاء على أي تهديد بالاستناد إلى “قانون الطوارئ” والتفويض الكامل من رأس النظام، فكانت تعتقل وتقتل وتحاكم وتصادر وتنهب وتهدم وتدمِّر برئاسة المُحافِظ، ولمّا اندلعت الثورة وألغي العمل بقانون الطوارئ مُنِحت صلاحيات مطلقة بالاستناد إلى قوانين “الإرهاب” والأوامر والقرارات المباشرة الصادرة عن رأس النظام، وانتقلت رئاستها إلى أعلى ضابط عسكري أو أمنيّ في المحافظة منذ عام 2011 حتى عام 2021 حيث أعيدت رئاستها الصوريّة للمحافظ للتحايل على المجتمع الدوليّ والالتفاف على التقارير الدوليّة.

هيكليّة اللِّجان الأمنيّة: تتشّكل القيادة المركزيّة للجنة العسكريّة من أعلى رتبة عسكرية أو أمنيّة في المحافظة ويُسمّى رئيساً للّجنة بمرسوم خاص من بشار أسد وعضويّة كل من: المحافظ وأمين فرع حزب البعث ممثل الجبهة الوطنية التقدمية، والمحامي العام، وقائد شرطة المحافظة، ورئيس فرع الشرطة العسكرية في المحافظة، ورئيس فرع الأمن العسكري ورئيس فرع المخابرات الجويّة ورئيس فرع المخابرات العامّة ورئيس فرع الأمن السياسيّ في المحافظة، وقائدي ميليشيا الدفاع الوطنيّ وميليشيا الدفاع المحليّ في المحافظة.

والتي قامت بتشكيل لجان فرعيّة مناطقيّة موزّعة على مراكز المناطق في المحافظات تتكوّن من المستويات الأدنى مما ذُكر أعلاه، من أمناء الشعب الحزبيّة ورؤساء المفارز الأمنيّة ورؤساء النيابات العامّة في المناطق وقادة قطّاعات ميليشيات الدفاع الوطنيّ والدفاع المحلّي ورؤساء الروابط والجمعيّات الفلاحيّة.

وتشكيل لجان مكانيّة مُصغّرة في كل قرية أو مدينة مؤلّفة من رؤساء البلديات وأمناء الفرق الحزبيّة ومدراء النواحي والوحدات الإرشاديّة والجمعيّات الفلاحيّة والمخاتير ومندوبين عن فروع ومفارز “المخابرات” ومندوبي ميليشيات الدفاع الوطنيّ والدفاع المحليّ، مهمتها “إحصاء الأراضي وتنظيم قوائم بأسماء مالكي العقارات وأرقامها ونوعها الشرعيّ والمساحات وفق ما هو وارد في السجل العقاريّ، وتشكيل لجان تقدير قيمة المحاصيل المستهدفة من “فستق حلبي وزيتون” ووضع الحدّ الأدنى لبدلات ما يُسمّى “الاستثمار”.

وتعتبر هذه الإجراءات التعسفيّة من قبل اللجان الأمنيّة من الناحية الدستورية انتهاكاً صارخاً للمادة الخامسة عشرة من الدستور التي تنص على منع مصادرة الأملاك الخاصّة وفق الأحكام التالية:

1- الملكيّة الخاصّة من جماعيّة وفرديّة، مصانة وفق الأسس الآتية:

  • المصادرة العامّة في الأموال ممنوعة.
  • لا تنزع الملكيّة الخاصّة إلا للمنفعة العامّة بمرسوم ومقابل تعويض عادل وفقاً للقانون.
  • لا تفرض المصادرة الخاصّة إلا بحكم قضائيّ مبرم.
  • ‌د-     تجوز المصادرة الخاصّة لضرورات الحرب والكوارث العامة بقانون لقاء تعويض عادل.

2- يجب أن يكون التعويض معادلاً للقيمة الحقيقيّة للملكيّة.

كما أنها مخالفة وانتهاك للمادة الثامنة والثلاثون من الدستور التي لا تجيز إبعاد المواطن عن الوطن، أو منعه من العودة إليه أو حرمانه من مواطن الحق بالتنقل في أراضي الدولة أو مغادرتها وبالتالي فهي تكريس لجريمة التهجير القسريّ والعقاب الجماعيّ لكل من عارض النظام وحرمانهم من حقهم بالتنقل في أراضي الدولة أو العودة الى ديارهم.

أما من الناحية القانونية: فتعتبر تعدّياً على حق الملكيّة المحمية بموجب نصوص القانون المدني وقانون العقوبات وقانون الإصلاح الزراعيّ، فحقوق المنتفعين مصانة وفق أحكام قانون الإصلاح الزراعيّ والقانون المدنيّ باعتبارها حق انتفاع تحميه أحكام الحيازة. وهي مخالفة وانتهاك للقانون رقم “61” لعام 2004 الذي نص على أن “يعد المنتفع من أراضي الدولة ’’إصلاح زراعيّ أملاك دولة خاصة’’ مالكا للأرض الموزّعة عليه من تاريخ اعتماد التوزيع من قبل لجنة الاعتماد في المحافظة وتّسجّل باسمه في السّجلات العقاريّة بناء على طلب من مديرية الزراعة والإصلاح الزراعيّ المختصة. وهذا يعني أن الأراضي المذكورة هي جارية في ملكيّة أصحابها حتى لو لم يقوموا بإجراءات تسجيلها في السجل العقاريّ وبالتالي فإن أي اعتداء على هذه الملكيّة هو مخالف “للدستور والقانون”.

أما من ناحية القانون الدوليّ لحقوق الإنسان والقانون الدوليّ الإنساني فتعتبر هذه الأفعال جرائم ضد الإنسانيّة لمخالفتها مبادئ العهد الدوليّ لحقوق الانسان التي تحمي حريّة الانسان في إبداء الرأيّ والمشاركة في الحياة السياسيّة وحماية حقه بالتملّك وحماية الأملاك الخاصّة أثناء النزاعات المسلّحة فهي انتهاكاً لـ ’’اتفاقيّة جنيف 4 المادة 33، والبروتوكول 2 المادة 2-4 ز’’. التي تحظِّر ” التدمير الشامل والاستيلاء على الممتلكات بطريقة لا تبرّرها الضرورة العسكرية وانتهاكًا جسيمًا لاتفاقيات جنيف ’’اتفاقيّة جنيف 1 المادة 50، واتفاقيّة جنيف 2 المادة 51، واتفاقيّة جنيف 3 المادة 130، واتفاقيّة جنيف 4 المادة 147’’.

وهي جرائم حرب لأنها إحدى أركان جريمة التهجير القسريّ والتغيير الديموغرافيّ وفقاً لأحكام نظام روما للمحكمة الجنائيّة الدوليّة المعروفة بجريمة الإبعاد والنقل القسريّ للسكان المنصوص عنها بالمــادة ’’7/د’’، وجريمة الحاق التدمير وجريمة الاستيلاء على الممتلكات وهي جريمة حرب منصوص عنها بالمادة ’’8 /أ’’.

وكما أنّها وبمقتضى اتفاقيّة جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافيّ الثانيّ والنظام الأساسيّ للمحكمة الجنائيّة الدوليّة، فإن هذه الأفعال تُشكِّل جريمة النهب التي عرّفها نظام روما الأساسيّ للمحكمة الجنائيّة الدولية بأنها: “نهب أي بلدة أو مكان حتى وإن تم الاستيلاء عليه عنوة” ويشكّل جريمة حرب في النزاعات المسلّحة الدوليّة وغير الدوليّة. وهي أيضاً جريمة “النهب” المحظورة بموجب القانون الدولي العرفيّ، وإعلان بروكسل، ودليل أكسفورد، وبمقتضى لائحة لاهاي التي تحظر النهب حظراً تاماً في جميع الأحوال، ويُعرّف النهب كذلك كجريمة حرب في تقرير لجنة المسؤوليّات التي شُكّلت بعد الحرب العالميّة الأولى، كما في النظام الأساسيّ للمحكمة العسكريّة الدولية ’’نورمبرغ’’ التي أنشئت عقب الحرب العالميّة الثانيّة، والمحكمة الجنائيّة الدوليّة ليوغوسلافيا السابقة، والمحكمة الجنائيّة الدوليّة لرواندا، والمحكمة الخاصّة لسيراليون، وهذا ما أكّدته لجنة التحقيق الدوليّة الخاصة بسوريّة في تقاريرها المُتعاقبة من عام 2020 حتى اليوم.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني