القيادة الأخلاقيّة
فساد العقل يؤدّي إلى فساد الدين وفساد الدين يؤدي إلى فساد الأخلاق، وسلامة العقل تؤدّي إلى صحّة الدين وصحّة الدين تؤدّي إلى سلامة الأخلاق، وحفظ العقل والدين والأخلاق من أهمّ الضرورات الشرعيّة التي تدور في فلك الشريعة الإسلاميّة، والشرائع السماويّة الأخرى.
يشهد هذا العصر صراعاً أخلاقيّاً غير مسبوق بين الرذيلة والفضيلة، ساعدت في تأجيجه وسائل التواصل الاجتماعي بما تعجّ به من غثّ المحتوى وسفالة الدرك على حساب السمين ورفيع الدرجة منها لدرجة أن يُصبح الحديث عن الأخلاق الحميدة أو التذكير بمكارم الأخلاق الإسلاميّة والانسانيّة مثار استهجان أو استثقال لدى طيف واسع من روّاد هذه الوسائل، وزاد بعضهم فوق ذلك بأن جعلوها محل خلافٍ وجدال فأصبح الحلال حراماً والحرام حلالاً، والمشتبهات من الأمور مرتع الضّالين، مما يُنذر بانهيار منظومة الأخلاق والقيم المجتمعية وانحلالها ودخول مجتمعاتنا في غياهب الفساد والرذيلة.
والقيادة الأخلاقيّة ليست حِكراً على الإمام أو القائد أو المدير أو الرئيس أو صاحب المهنة وحسب وإنّما هي واجب على كل من يعول فيمن يُعيل، وعلى كلّ تابعٍ فيمن يتبعه، وعلى كل صاحب رأي في مُريديه، وعلى كل رائد تواصلٍ اجتماعيٍ في أصدقائه أو فيمن يتابعه.
فالأخلاق هي إحدى المعايير ومحدّدات السلوك البشري حيث تلعب دوراً بارزاً على صعيدي توجيه السلوك أو على صعيد اتخاذ القرارات المتعلقة بمجالات الحياة عامّة وفي مجال العمل المهني خاصّة الذي يتطلّب قواعد أخلاقيّة خاصّة إلى جانب القواعد الأخلاقيّة العامة وهذه القواعد الخاصّة غالباً ما يتم تأطيرها في ميثاق العمل المهني يُطلق عليه عدة تسميات منها ’’قواعد السلوك‘‘ أو ‘‘ميثاق شرف العمل‘‘ أو ’’قانون تنظيم المهنة‘‘ أو غيرها من الأسماء، وتُعتبر هذه المنظومة الأخلاقية المهنيّة ركيزة أسياسيّة في الحفاظ على معايير النزاهة والمسؤولية أثناء العمل.
وقد احتلّت القيادة الأخلاقية مكانة رئيسيّة في مناهج إعداد القيادات والكوادر لأنّها من مستلزمات الإدارة الناجحة والإنتاجيّة العالية للمشاريع، فالنهج القيادي والإداري السليم يركز على إعداد وتوجيه الفريق أو المنظمة للتحلّي بالقيم الأخلاقية القوية.
السلوك والمسؤولية والنزاهة في بيئة العمل مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالقيم الأخلاقيّة التي تقوم عليها المؤسسة أو المنظمة أو النقابة، فالسلوك الأخلاقي القويم يؤدي إلى تعزيز الثقة والاحترام بين القادة والموظفين وتحقيق نجاح العمل واستمراره ورفع سوية الأداء والارتقاء بالمؤسسة ومشاريعها، وعلى العكس من ذلك فإن السلوك الأخلاقي ’’الدنيء‘‘ أو الفاسد يؤدّي إلى فقدان الثقة والاحترام بين القادة والموظفين وبالتالي انتشار الفساد وفشل العمل الذي ينتهي بالخسارة وانهيار أي مشروع.
قيم وأخلاقيات العمل: هي مجموعة المبادئ والقواعد الأخلاقية التي توجه سلوك الأفراد العاملين في بيئة ما التي يجب على الفرد الالتزام بها أثناء أدائه لوظيفته للوصول لتحقيق بيئة عمل إيجابية وصحية، وتعزيز التعاون والثقة بين الموظفين، وتعزيز سمعة المنظمة أو المؤسسة أو النقابة، تعتبر هذه المبادئ والقواعد من المبادئ الجامعة في كل بيئات العمل إلّا أن هناك بيئات عمل تتطلّب مجموعة خاصّة من المبادئ والقواعد الأخلاقيّة التي تفرضها طبيعة العمل والعلاقة بين ’’العامل‘‘ والآخر. وأهم المبادئ والقواعد الأخلاقيّة الجامعة التي يجب أن يتحلّى بها القائد أو الموظف: النزاهة، وحسنة النية، والاحترام، والعدالة، والمسؤولية.
فالنزاهة: تعني الالتزام بالأمانة والصدق في التعامل مع كل ما يخصّ العمل.
حسن الحسنة: ويعني أن تُتخذ القرارات وفقاً لميثاق او مدونة السلوك الخاصّة بالمنظمة أو المؤسسة أو النقابة بما يصبّ في نجاح العمل وتحقيق الأهداف.
الاحترام: ويعني معاملة الآخرين بأخلاقية واحترام حقوقهم.
العدالة: وتعني التعامل على قدم المساواة والنزاهة مع الموظفين.
المسؤولية: وتعني تحمل المسؤولية عن الأفعال والتزام الوفاء بالواجبات الوظيفية.
احترام السرية: حماية المعلومات الحساسة والسرية أمر أساسي في كل منظمة أو مؤسسة أو نقابة، ويجب على العاملين في هذه البيئات الامتثال لاتفاقيات السرية لضمان الثقة والخصوصية للعملاء والمؤسسة.
الشفافية: الشفافية في عمليات الأعمال، بما في ذلك التقارير المالية واتخاذ القرارات، هي مبدأ أخلاقي أساسي يعزز الثقة والمساءلة.
الأهداف والغايات من ميثاق أخلاقيات العمل المهني:
• يُعتبر الميثاق الإطار القانوني والأخلاقي لاتخاذ القرارات والإجراءات بشكل يتسق مع معايير السلوك والأخلاق.
• يخلق ويُعزِّز الحسّ بالمسؤولية والمساءلة الامر الذي يزرع الثقة لكل الأطراف بضمان حقوقهم أثناء التعامل.
• يحمي مصالح العملاء والمنظمات والجمهور عن طريق ضمان أن تتصرف القيادة أو العامل بطريقة تعزز العدالة والشفافية.
وتُستمدّ أخلاقيات المهنة من مصادر متنوعة وليس من مصدر واحد فقط، حيث يساهم كل منها في تشكيل ميثاق شامل منها
المتطلبات القانونية: من خلال القوانين واللوائح التي تُحدِّد معايير السلوك وتُحدّد الحقوق والواجبات والحدود التي يجب أن يلتزم بها جميع الأطراف.
قوانين المؤسسات والمنظمات والنقابات: لكل مؤسسة ميثاق داخلي خاص بها تصيغه في مجموعة من القوانين للأخلاق المهنية لتتناسب مع مهمتها وقيمها وأهدافها، ويمكن أن تكون هذه القوانين أكثر تخصيصاً لبيئة العمل وأهدافها.
المعايير الصناعية: يتم وضع هذه المعايير من قبل الجمعيات المهنية والجمعيات التجارية أو الهيئات الرقابية.
النظريات الأخلاقية: التي تساهم تحليل المشكلات الأخلاقية المعقدة واتخاذ القرارات المُثلى.
الأخلاقيات الأساسية وقواعد السلوك المهنيّة:
الصدق والنزاهة: يجب على الموظفين دائماً أن يكونوا صادقين ويتصرفون بنزاهة في تفاعلاتهم مع الزملاء والعملاء وأصحاب المصلحة، فالصدق في تعاملات العمل هو الأساس الحقيقي لبناء الثقة، وهي أساسية لأي علاقة مهنية.
ميثاق أخلاقيات المهنة: هو مجموعة من المبادئ والمعايير التي تحكم سلوك الأفراد داخل فريق العمل في بيئة عملهم الخاصّة، وهو معيار قياس أخلاقيّة القرارات التي تتخذها القيادة على صعيد النزاهة والمسؤوليّة وتأثيرها على الثقة بين أصحاب المصلحة، وفيما يلي أمثلة عن هذه المواثيق الأخلاقيّة للمهن الحرّة الأكثر شيوعاً في العالم:
آداب وأخلاقيّات مهنة المحاماة: لقد نصت جميع التشريعات المنظمة لمهنة المحاماة على وجوب توفر صفات خاصّة فيمن يمارس مهنة المحاماة، بل اعتبرتها التشريعات شرطاً من شروط مزاولة المهنة واستلزمت استمرار توفره، واتجهت إلى زوال الحق في ممارسة المهنة وأهمّها القدرة على ممارسة المهنة واستقلاله وهما شرطان جوهريّان لضمان نزاهة المحامي في ممارسته لمهنته.
وعلى المحامي أن يتحلى المحامي بجميع الصفات التي يلتزم بها القاضي من حيث النزاهة والحيدة والالتزام بالقانون والخضوع للضمير والاعتدال والأدب في عرض الموقف وفي القول والمرافعة والبعد عن التحيز والتعصب، ليس في ممارسته لمهنته بل في سائر شؤون حياته، لأن أول مقومات المحامي الالتزام الأخلاقي الرفيع الذي يضعه في انسجام مع دوره في أداء رسالة الدفاع المقدس ومشاركته وظيفة إقامة العدل
أخلاقيات المهنة الإعلامية: يمكن اختصار المعايير المهنية للإعلام في حال تغطيتها للأحداث والتحقق من المعلومات بما يلي:
قول الحقيقة، الالتزام بالعدالة، الحرية التضامنية ’’أي الشعور بالمسؤولية تجاه الآخر واحترام الكرامة الإنسانية‘‘، الدقة، الموضوعية والتوازن.
تجنب ما يمكن أن يؤدي إلى الجريمة والعنف والفوضى الاجتماعية، أو توجيه إهانات للأقليات.
الالتزام بتعدد المصادر وتنوع الآراء والالتزام بحق الرد والتنوع في المضمون بما يتيح فرصة الاختيار، وتجعل الفرد قادراً على تكوين آرائه واتخاذ قراراته بناء على معلومات كافية ووجهات نظر متنوعة.
اهتمام الوسيلة بالعمل على منع التشويه والتحريف وزيادة الالتزام بالموضوعية والعدالة في تغطية النزاعات العرقية.
خدمة الحقيقة والدقة والموضوعية: مما يتوجّب على الإعلامي: التناول الحريص لمصادر المعلومات. حماية الشرف للكرامة وعدم انتهاك الحياة الشخصية. عدم تلفيق المعلومات. تقليل الضرر إلى أدنى حد ممكن. تصرف الصحفي بشكل مستقل. أن يكون الصحفي متحررا من أي التزام لأي مصلحة عدا حق الجمهور. أن يتذكر الصحفي أنه معرض للمساءلة من قبل الرأي العام. تجنب القيام بأي عمل يمكن أن يشكل إساءة لسمعة المهنة وكرامتها.
الحفاظ على الأمن القومي: من خلال احتفاظهم بالبيانات والمعلومات السرية التي يمكن أن يؤدي نشرها إلى الضرر بالأمن القومي للبلاد أو الأمن الشخصي للمواطنين.
اللجوء إلى وسائل أخلاقية مشروعة: لدفع مصادر المعلومات للحديث أو الإدلاء بالمعلومات لأن غير ذلك لا يتفق مع القيم الأخلاقية للمهنة.
حظر قبول الرشاوي وقبول الهبات أو الامتيازات او المعاملة التفضيلية أو الرحلات المجانية أو أي شيء له قيمة ’’الفطائر المجانيّة‘‘ الرحلات مدفوعة النفقات والإقامة المجانية في الفنادق ودعوات على العشاء وتذاكر السينما والمسرح ونسخا من الكتب والأعمال الفنية الخ وهو ما يساعد الصحفيين على أداء عملهم ولكنه يؤثر بالتأكيد على ما ينتجونه من أخبار ومواد صحفية.
عدم استعمال المعلومات للحصول على منافع شخصية، مثل المضاربة في البورصة وشراء الأسهم والسندات وبيعها، والتجارة في العملات. وحظر تعامل الصحفيين مع أية جهات خارجية أو داخلية خاصة أجهزة المخابرات إلا في سياق التعاون في الحالات الإنسانية التي تستهدف إنقاذ حياة إنسانية وهي تدخل في باب الضرورات التي تبيح المحظورات. وحظر استخدام الصحفيين لأغراض التجسس، ويعتبر هذا السلوك من أخطر ما يؤثر على استقلال وسائل الإعلام والإعلاميين.
تجنب أي عمل يخل بمصداقية الوسيلة التي يعمل بها الصحفي أو يسئ إلى سمعتها وهو متروك لضمير الصحفي ولالتزامه الأخلاقي أن يحدد بنفسه الأعمال التي يمكن أن تخل بمصداقية الوسيلة التي يعمل بها الصحفي أو يسئ إلى سمعتها. وعدم إعاقة الزملاء عن أداء واجباتهم أو منعهم بأية وسيلة من الحصول على المعلومات إن العلاقات بين الصحفيين يجب أن تقوم على التوازن بين المنافسة العادلة والتضامن المهني وعدم كتابة تقارير عن الزملاء للأجهزة الحكومية وعدم تصفية الحسابات أو تسوية الخصومات بين الصحفيين عبر وسائل الإعلام حيث أن ذلك يؤدي إلى تناقص احترام الجمهور لهم وللمهنة، احترام الصحفي لكرامة زملائه وشرفهم وحقوقهم المهنية، عدم إلحاق أي ضرر أو أذى بزملائه مثل الكشف عن معلومات أعطوها له بشكل سري عن أنفسهم، مساعدة زملائه على تطوير قدراتهم المهنية، وفي الارتقاء بمعرفتهم وكفاءتهم ومساعدة زملائه عند تعرضهم لأية مشكلات عدم تغيير مضمون المواد الصحفية التي يقدمها زملاؤه بدون إذنهم احترام الصحفي لحقوق زملائه وأن يدافع عن هذه الحقوق، يمتنع الصحفيون في علاقاتهم المهنية عن أشكال التجريح الشخصي والإساءة المادية أو المعنوية كافة، بما في ذلك استغلال السلطة أو النفوذ في إهدار الحقوق الثابتة لزملائهم أو في مخالفة الضمير المهني، التزام الصحفيين بواجب التضامن دفاعا عن مصالحهم المهنية المشروعة.
ميثاق أخلاقيات العمل الطبي: تمتلك المهن الطبية ’’الطب والصيدلة والتمريض والإسعاف‘‘ ميثاق أخلاقي منذ فترة طويلة يلتزم به كل العاملين في المجال الطبي، ويُلزم هذا الميثاق المحترفين في مجال الرعاية الصحية.
اعتبار صحة المريض أولوية قصوى: ينص الميثاق الطبي لأخلاقيات المهنة على اعتبار أن حياة المريض هي الشغل الشاغل للعامل في الصحة وهي الأمر الأولي الذي يفكر به عند اتخاذ أي قرار.
الحفاظ على السرية: الحفاظ على سرية المعلومات الطبية للمريض جزء هام من الميثاق الأخلاقي في العمل الطبي، والتي يمكن للمريض مقاضاة طبيبة في حالة تجاوزها والإفصاح عن أي شيء يخص المريض دون موافقته.
الموافقة مستنيرة: يوجه أيضاً السلوك الأخلاقي للأطباء والممرضين والموظفين الطبيين الآخرين على ضرورة أخذ الموافقة المستنيرة لأي إجراء طبي يتم اتخاذه فيجب إفهام المريض الإجراء الطبي وعواقبه والحصول على موافقة المريض على هذا الإجراء وأي مخالفة لهذا تعرض العامل في المجال الصحي للمساءلة القانونية.