القتل بدافع الشرف دينٌ أم عرف؟
تنتشر في بلادنا العربيّة والاسلاميّة ظاهرة القتل بذريعة ’’الشرف‘‘ حيث يُقدم أهل الفتاة على قتلها وقتل ’’خِذنها‘‘ أي شريكها أو قتل أحدهما، وفي كثير من الأحيان يتم الخلط بين الشريعة الإسلاميّة والعادات العرفيّة في تأصيل عمليّة القتل أو تبريرها، مما يشوّه أحكام الشريعة في نظر الناس إذ أنّه لا يوجد في احكامها ما يُسمّى القتل بدافعٍ شريف، وأنّ الحالة الوحيدة التي رخص فيها الإسلام القتل في مثل هذه الحالات هي حالة: أن يجد الزوج رجلاً أجنبياً على فراشه يزني بزوجته وما عدا ذلك فهو باق على أصل الحرمة.
وقد عرّفت المادة ’’191‘‘ من قانون العقوبات الدافع بأنّه: العلة التي تحمل الفاعل على الفعل أو الغاية القصوى التي يتوخاها.
وعرّف فقهاء القانون الدافع الشريف بأنّه: عاطفة نفسية جامحة تسوق الفاعل إلى ارتكاب جريمة تحت تأثير فكرة مقدسة لديه بعيدة كل البعد عن الأنانية والأثرة، منزهة عن الحقد والانتقام وعن كل ما فيه مصلحة فردية أو عاطفة خاصة أو غاية شخصية. واعتبره القانون السوري من أسباب تخفيف العقوبة وفقاً لنصّ المادة ’’192‘‘، وعذراً مُحلّاً من العقاب في الأحوال التي ينصّ عليها القانون وفقاً للمادتين ’’239 و240‘‘ من قانون العقوبات.
العذر المحل في القانون السوريّ: وهو ما تضمّنته المادة 548 منه بدلالة المادتين ’’ 239و 240‘‘ التي نصّت على أنّه: يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو اخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو ايذائهما أو على قتل أو ايذاء أحدهما بغير عمد. يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر.
مما يعني أنّ علّة الاباحة: هي الغضب الشديد والاستفزاز نتيجة الغيرة على العِرض والشرف الذي يُفقد المرء قدرته على المحاكمة العقليّة فيُقدِم على القتل.
ثم قام المشرّع السوري بإلغاء العذر المحلّ وجعله عذراً مخفّفاً من خلال تعديل المادة 548 المعدلة بالمرسوم التشريعي 37 لعام 2009 التي أصبح نصها بعد التعديل: يستفيد من العذر المخفف من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد على ألاَّ تقل العقوبة عن الحبس مدة سنتين في القتل.
شروط الاستفادة من العذر المحلّ شرعاً المخفف قانوناً: وحيث أنّ علة منح العذر المخفف تعود إلى استفزاز الفاعل وغضبه عند مفاجئته زوجه أو أحد أصوله أو فروعه متلبساً بجرم الزنا أو بصلة جنسية غير مشروعة مما يؤثر في إرادته. ويشترط لمنح هذا العذر ما يلي:
أن تتوفّر بالجاني صفة القرابة مع ’’المرأة الزانيّة‘‘: يلزم أن يكون الجاني هو الزوج أو الزوجة أو أحد الأصول أو الفروع أو الأخوة أو الأخوات ذكوراً أو إناثاً. فيستفيد من العذر مرتكب القتل أو الإيذاء من الأصول أو الفروع سواء في ذلك الآباء والأمهات والجدود والجدات مهما علوا ومهما علون. وكذلك الأبناء والبنات والأحفاد والحفيدات مهما نزلوا ومهما نزلن. ويخرج عن هؤلاء العم والخال فهما فلا يستفيدان من هذا العذر لأنهما أقرباء من الدرجة الثالثة وليس من الدرجة الثانية.
أن تكون المجني عليها ’’الزانيّة‘‘: زوجةً أو أختاً أو أحد الفروع الإناث كالبنت والحفيدة مهما نزلت، أو أحد الأصول الإناث كالأم أو الجدة مهما علت. أو يكون المجني عليه شريك الأشخاص السابقين في جرم الزنا أو الصلات الجنسية غير المشروعة.
التلبس بالزنا أو بصلة جنسية غير مشروعة: يشترط أن يضبط الزوج أو الزوجة أو الأخت أو الأنثى من الأصول أو الفروع متلبساً بجرم الزنا، أو بأي اتصال جنسي آخر غير مشروع.
ويقصد بحالة التلبس أو حالة الجرم ’’المشهود‘‘ أن يشاهد الشخص الآثم حال ارتكابه جرم الزنا، أو مباشرته الاتصال الجنسي غير المشروع مع شخص آخر، أو عند الانتهاء من ارتكابه أو مباشرته. وتقدير توافر هذه الحالة أمر متروك لقاضي الموضوع.
توفّر عنصر المفاجأة عند الجاني بما شاهده فيقدم على القتل أو الإيذاء حالاً وبلا عمد أو سبق إصرار.
وتختلف أحكام هذه الحالة عن باقي حالات الزنا فقد حرّم الله تعالى الزنا بقوله: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النساء/25.
والزنا من الجرائم الحدّيّة في الشريعة الإسلاميّة أي أنّ عقوبتها مقدّرة شرعاً وحدّ الرجم للزاني للمحصن ثابت بالكتاب والسنَّة والإجماع، وحدّ الجلد والنفي للزاني غير المحصن والواجب أن نقف عند حدود الله والالتزام بالحكم الشرعي للزنا الذي فرّق بين فئتين من الزُناة المحصنين وغير المحصنين:
تعريف المحصن: هو من تزوج وجامع زوجته في نكاح صحيح وهما بالغان عاقلان حرّان.
شروط الإحصان: التكليف: أي أن يكون الواطئ عاقلاً بالغاً. الحرية. الوطء في نكاح صحيح.
جاء في الموسوعة الفقهية: “وَمِمَّا تَجْدُرُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَقَاءُ النِّكَاحِ لِبَقَاءِ الْإِحْصَانِ، فَلَوْ نَكَحَ فِي عُمُرِهِ مَرَّةً ثُمَّ طَلَّقَ وَبَقِيَ مُجَرَّدًا، وَزَنَى رُجِمَ”.
الفئة الأولى: الزاني المُحصن: تعاقب الشريعة الزاني المحصن بالرجم حتى الموت.
الفئة الثانيّة: الزاني غير المحصن: تعاقب الشريعة الزاني غير المحصن بالجلد مئة جلدة والنفي ’’التغريب‘‘ لمدّة عام.
إذاً الجلد والتغريب معاً هما عقوبة الزاني غير المحصن، أما الرجم فهو عقوبة الزاني المحصن، فإذا كان الزانيان غير محصنين جُلدا وغُرِّبا، وإن كانا محصنين رُجِما، وإن كان أحدهما محصناً والثاني غير محصن رُجِم الأول وجُلِد الثاني وغُرِّب.
الفرق بين العقوبتين: عقوبة الرجم عقوبة متلفة يقصد منها إهلاك الزاني وزجر غيره، أما عقوبة الجلد فغير متلفة ويقصد منها تأديب الزاني وزجر غيره.
الدليل الشرعي على العقوبة:
قال الله تعالى: (وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) النساء/15.
والحديث النبويّ الشريف، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: “قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ”.
ويترتّب على ذلك أنّه لما كانت عقوبة الرجم متلفة وكانت حداً أي عقوبة مقدرة فقد اعتبر الزاني المحصن مهدر الدم.
علة الإهدار: علة الإهدار الوحيدة هي زوال عصمة الشخص، وتزول العصمة إما بزوال سببها، وإما بارتكاب الجرائم المهدرة.
زوال العصمة بزوال سببها: القاعدة العامة في الشريعة الإسلامية أن الدماء والأموال معصومة أي ليست مباحة. وأساس العصمة: إما الإيمان، وإما الأمان.
زوال العصمة بارتكاب الجرائم المهدرة: وكما تزول العصمة بالردة وبانتهاء الأمان ونقد العهد فإنها تزول أيضاً بارتكاب الجرائم المهدرة، والجرائم المهدرة هي الجرائم التي تجب عليها عقوبات مقدرة متلفة للنفس أو الطرف.
والجرائم المهدرة هي على وجه الحصر: الزنا من محصن. قطع الطريق. البغي. القتل والقطع المتعمدان. السرقة.
ويشترط في الجريمة المهدرة شرطان لا يغني أحدهما عن الآخر:
أولهما: أن تكون الجريمة ذات عقوبة مقدرة، والعقوبات المقدرة محلها جرائم الحدود وجرائم القصاص فقط، أما الجرائم التعزيريّة فعقوباتها غير مقدرة.
ثانيهما: أن تكون العقوبة متلفة للنفس أي قتلاً، أو متلفة للطرف أي قطعاً.
وارتكاب الجرائم المهدرة يزيل العصمة من وقت ارتكاب الجريمة لا من وقت الحكم بالعقوبة؛ لأن أساس زوال العصمة هو ارتكاب الجريمة وليس هو الحكم بالعقوبة.
وفيما عدا الجرائم السابقة لا تزول العصمة بارتكاب أية جريمة أخرى ولو كانت عقوبتها القتل ما دامت العقوبة تعزيرية؛ لأن لولي الأمر في الجرائم التي يعاقب عليها بالتعزير حق العفو عن الجرائم وحق العفو عن العقوبة، ومن ثم كانت العقوبة غير لازمة حتماً، وكل عقوبة غير محتمة لا تزيل العصمة ولا تهدر الجاني ولو كانت متلفة حتى بعد صدور الحكم بها؛ لأن من الجائز أن يعفو ولي الأمر عن العقوبة في اللحظة الأخيرة.
وعليه فإنّ كان الزاني غير محصن فعقوبته الجلد فقط، فمن قتله في غير حالة التلبس اعتبر قاتلاً عمداً وأقيد به؛ لأنه قتل معصوم الدم، وهذا متفق عليه بين الأئمة الأربعة.
وإذا قتل الزاني غير المحصن في حالة تلبس فلا عقوبة على قاتله عند مالك وأبي حنيفة وأحمد، أما الشافعي فلا يرى قتل الزاني غير المحصن في حالة التلبس إلا إذا لم يمكن منعه عن الجريمة إلا بالقتل، وفيما عدا هذا يعتبر قتله جريمة يعاقب عليها بعقوبة القتل العمد سواء كانت هناك حالة استفزاز أو لم تكن؛ لأن الاستفزاز لا يبيح القتل، ولأن دفع المنكر لا يبيح القتل إلا إذا كان القتل هو الوسيلة الوحيدة لدفع المنكر.
كل ذلك مرهون بثبوت جريمة الزنا على القتيل بالبيّنة الشرعيّة وهي شهادة أربع ثقات عدول يرونه حقيقة أو بالاعتراف أو بظهور حمل الزانية ولا يقوم فحص الحامض النووي ولا كاميرة التصوير أو الفيديو مقام الأمور السابقة المذكورة.
وبناءً على القاعدة الأصوليّة التي تنصّ على أن: القصاص والحدود لا تقام إلا بحضور السلطان أو نائبه، وأنها لا تقام في أرض الحرب.
وإنّ الحكم الشرعي للقاتل يختلف باختلاف درجة القرابة بين الجاني والضحيّة:
فإن كان الأبّ هو القاتل: لا يحكم عليه بالقصاص شرعاً؛ لأنه لا يقتل والد بولده. كما هو مذهب الفقهاء.
وإذا كان القاتل هو الأخ: فلا بد أن يوافق جميع أولياء الدم على طلب القصاص، فإذا عفا واحد منهم عن حقه سقط القصاص. وفي هذه الحالة تنتقل العقوبة من القصاص إلى التعزير المفوض إلى المحكمة، فتحكم عليه بالسجن المدة التي تراها.
الزنا في القانون السوريّ لقد بيّن القانون السوريّ احكام الزنا في المواد’’473 و474 475‘‘ على النحو التالي: تعاقب المرأة الزانية بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين. ويقضى بالعقوبة نفسها على شريك الزانية إذا كان متزوجاً وإلا فالحبس من شهر إلى سنة.
فيما خلا الإقرار القضائي والجنحة المشهودة لا يقبل من أدلة الثبوت على الشريك إلا ما نشأ منها عن الرسائل والوثائق الخطية التي كتبها.
يعاقب الزوج بالحبس من شهر إلى سنة إذا ارتكب الزنا في البيت الزوجي أو اتخذ له خليلة جهاراً في أي مكان كان. وتنزل العقوبة نفسها بالمرأة الشريك.
لا يجوز ملاحقة فعل الزنا إلا بشكوى الزوج واتخاذه صفة المدعي الشخصي ’’وعند عدم قيام الزوجية فتتوقف الملاحقة على شكوى الولي على عمود النسب واتخاذه صفة المدعي الشخصي‘‘. لا يلاحق المحرض والشريك والمتدخل إلا والزوج معاً. لا تقبل الشكوى من الزوج أو الولي الذي تم الزنا برضاه. لا تقبل الشكوى بانقضاء ثلاثة أشهر على اليوم الذي اتصل فيه الجرم بعلم الزوج أو الولي. إسقاط الحق عن الزوج أو الزوجة يسقط دعوى الحق العام والدعوى الشخصية عن سائر المجرمين. إذا رضي الرجل باستئناف الحياة المشتركة تسقط الشكوى.
لذلك فإنّه يقع باطِلاً ومخالفاً لأحكام الشريعة والقانون ويوجب ’’القود‘‘ كل حكم بالقتل على فتاة بكر أو على صاحبها البِكر، وعقوبتهما الشرعية – لو ثبت عليها الزنى بالبينة أو الإقرار الحر أربع مرات – هو الجلد والتغريب. أو الحكم عليهما بالزنا، أو قد لم يصِلا إلى هذا الحال ورُبّما اقتصر الأمر على اللقاء والمقدمات، ولم ينتهي إلى النتائج، وربّما يقعون ضحيّة بالإشاعات، ويصدقون الاتهامات الباطلة، ولا يحققون فيها تحقيقا قضائيا عادلاً مثبتاً، ناسين أو متناسين: أن الأصل في الإنسان السلامة، وفي المتهم البراءة، وخصوصاً في قضية الزنا التي شدد الشرع في إثباتها تشديداً لا نظير له، فاشترط أربعة شهود عدول، يرون عملية الزنا بوضوح ينفي كل احتمال، ويقطع كل شبهة.
وعليه فإنّ حكم القتل الذي يوقِعه أهل المرأة ’’الزانية‘‘ أو التي وُضعت ’’موضع الشبهة‘‘ أو على شريكها في غير حالة التلبّس أو ثبوت الزنا بالأدلة الشرعيّة بحقّ ’’الزاني المحصن‘‘ هو ليس من الشريعة الإسلاميّة في شيء بل هو نتيجة أعراف وتقاليد مجتمعيّة استقرّت في عقول أبناء تلك المجتمعات التي تختلف أحكامها عن أحكام الشريعة وربّما تتعارض معها في كثير من الأحوال.