
العوامل الرئيسية للنصر السوري الكبير
لكي تنتصر الثورات الكبرى التي تُفجِّرها الشعوب، لا بُدَّ من توافر عوامل عديدة لتحقيق ذلك. والثورة السورية هي إحدى تلك الثورات العظيمة في العصر الحديث، وسوف تُدرَّس تجاربُها المستقبلية لاستخلاص الدروس، سواء من قِبل الشعوب الراغبة في التغيير أو من قِبل الأنظمة الحاكمة التي تسعى لتجنب أخطاء نظام الأسد القاتلة، وعدم السماح بخلق الظروف الذاتية والموضوعية لنجاح الثورات.
ولا يختلف اثنان على أن للثورات أهدافاً كبرى يحتاج تحقيقها إلى ثورات صغرى تُهدم بها البُنى القديمة المتعفنة، تمهيداً للبناء الجديد. وبالطبع، كان سقوط الأسد أحد أهداف الثورة، لكنه ليس الهدف الوحيد. إذ لا يمكن تحقيق أهداف الثورة إلا بإزالة العقبة الكأداء أمامها، وهي نظام الأسد البالي والعقلية المتحكمة فيه وكل مواريثه، ليفسح المجال أمام الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها: الحرية والإخاء والسلام.
ومن أهم عوامل الانتصار السوري العظيم:
1- الحاضنة الشعبية الصلبة
أدرك النظام البائد وحلفاؤه أن قوة الثورة تكمن في حاضنتها الشعبية، فشنوا حرباً شرسة عليها لمحاولة كسر إرادتها (خاصة في مرحلة الثورة السلمية)، وإجبارها على الاستسلام بسبب التكاليف الباهظة، أو عزلِها عن القوى العسكرية التي أفرزتها.
اتبع نظام الأسد استراتيجية الإبادة الجماعية ضد المدنيين، متمثلةً في القصف بالبراميل المتفجرة العشوائية والأسلحة الكيماوية وصواريخ الطائرات الروسية، والتي لم تكن تستهدف مواقع عسكرية، بل كانت موجهةً أساساً لقمع الحاضنة الشعبية. ومع ذلك، ظلَّت الإرادة الشعبية صامدةً طوال أربعة عشر عاماً، ولم تنكسر، بل كان أغلب امتعاضها من بعض الفصائل العسكرية وتركيا بسبب تأخير فتح الجبهات. وهذا الرهان هو ما خسره النظام في النهاية، رغم تفوقه العددي والنوعي.
2- الأرض المحررة
لا تنتصر الثورات من أراضي دول أخرى، لذلك كان التشبث بمناطق محررة من سيطرة النظام ضرورياً، بغض النظر عن مساحتها أو مواردها. وقد حاول النظام تجميع قوى الثورة (المدنية والعسكرية) في الشمال السوري تمهيداً لمعركة فاصلة، لكنه فشل بسبب وعي الثوار بأجنداته والمؤامرات الدولية الداعمة له.
كما أدرك النظام خطورة بقاء كيانات سياسية وعسكرية معادية له خارج سيطرته، فبذل جهوداً كبيرة للقضاء عليها، لكنه لم ينجح لأسباب متعددة.
3- القوة العسكرية
حاول النظام وحلفاؤه تشويه صورة الثورة بإلصاق تهمة “الإرهاب” بها، خاصة بعد تعسكرها، مستغلين ظهور تنظيم “داعش” لخلط الأوراق. لكن قوى الثورة تميزت عن التنظيمات الإرهابية، وحافظت على شرعيتها الدولية، وواصلت القتال رغم الحصار وحرمانها من السلاح النوعي.
كما حرصت الفصائل العسكرية على الاستعداد للمعركة الحاسمة عبر التدريب المستمر والتسليح المحدود، وقامت بتطهير مناطقها من تهديدات “داعش” و”PKK”، مما وسّع نطاق المناطق المحررة. وفي المقابل، انهار جيش النظام بسبب الفساد والانهيار المعنوي، ففرّ جنوده أمام هجوم ثوار المخيمات الذين أسقطوا النظام في النهاية.
4- الصديق الخارجي
لا يمكن للثورات الكبرى أن تنتصر دون دعم خارجي، وكانت تركيا هي الرئة التي تنفست منها الثورة السورية، والداعم الاستراتيجي الذي وفّر لها سبل البقاء، رغم التحديات والضغوط الدولية. ولا شك أن لتركيا مصالحها في انتصار الثورة، ولكن تقاطع هذه المصالح مع أهداف الشعب السوري هو ما حقق المعجزة.
5- اختيار الظرف الدولي المناسب
تميزت قيادة الثورة بالحكمة في انتظار اللحظة المناسبة لبدء المعركة الفاصلة، خاصة بعد انشغال روسيا وإيران في حروب أخرى، وضعف موقفهما دولياً. وكان اختيار ليلة 27 نوفمبر 2024 موعداً لبدء الهجوم قراراً عبورياً، حيث فاجأت سرعةُ الزحف وسقوطُ النظام الجميع، حتى أن العالم لم يستوعب الحدث إلا والثوار قد دخلوا دمشق، معلنين نهاية عصر الأسد.
لقد هُزم المحور الإيراني في أهم حلقاته، وما على العالم إلا أن يصفق لهذا الانتصار التاريخي.