السّوريون بين جحيم اللّجوء وجحيم كورونا
فيروس كورونا (كوفيد 19) الوباء المتفشي الزّاحف من الصّين والذي انتشر بصورة سريعة في العالم، وتحديداً في الولايات المتحدة الأمريكيّة وأوروبا والشّرق الأوسط …. شغل النّاس وملأهم رُعباً.
كانت تركيا من البلدان التي زحف إليها هذا الفايروس، وأخذت الأعداد تتزايد في كلّ يومٍ، وهذا ما دفع أنقرة لاتّخاذ إجراءات صارمة، فقامت بتقييد الرّحلات والحركة بين المدن، ووضعت الكاميرات الحراريّة في المطارات والدّوائر الحكوميّة، كما قلّلت من أعداد العاملين في القطاع الخاصّ، وأغلقت المنتزهات والمقاهي والمطاعم وصالونات التّجميل والحلاقة، وطبّقت سياسة الحجر الصّحي على القادمين من الخارج.
أصدرتْ وزارة الصّحة التّركيّة تعليماتٍ تشدّد فيها على ضرورة بقاء النّاس في بيوتهم (الحجر التّطوعيّ)، تفادياً لمنع انتشار هذا الوباء.
والسّؤال الذي يطرح نفسه: ما وضع اللاجئين السّوريين في تركيا؟ وكيف أرخى الوضع العامّ في تركيا مع انتشار هذه الجائحة بظلاله على هؤلاء؟!
تستضيف تركيا قرابة 3.5 مليون سوريّ لاجئ على أراضيها موزّعين ما بين المخيّمات والولايات التركيّة. يعاني في الأساس غالبيّتهم من أوضاع اقتصاديّة صعبة تثقل كاهلهم في الأحوال العاديّة، والآن يأتي فايروس كورونا ليعمّق معاناتهم، فمع التباطؤ في عمل كثير من قطاعات الاقتصاد التركيّة، وتوقف قسم منها عن العمل وإغلاق كثير من الشركات ومحال البيع بالتجزئة وتوجهها إلى البيع عن طريق الإنترنت، وارتفاع سعر صرف اللّيرة الترّكيّة أمام الدّولار؛ ممّا ينذر بارتفاع محتمل لأسعار الموادّ الغذائيّة. جعل معظم السّوريين اللّاجئين في تركيا يتأثرون بهذا الوضع، فهناك شريحة كبيرة منهم تعمل لقاء أجر يوميّ، وأخيراً اضطرت للبقاء في المنازل عندما توقفت الكثير من المحالّ والمقاهي والشّركات عن العمل في إطار الحدّ من انتشار الفايروس.
يصبح شبح كورونا منعطفاً خطيراً جديداً يعيشه الكثير من اللاجئين السّوريين ويزيد وضعهم تعقيداً، فهم في دائرة الخطر أصلاً، وفي ظلّ هذه الأزمة المركّبة (أزمة اللّجوء وأزمة كورونا) باتت القدرة الشّرائيّة المتدنية أصلاً لدى فئة كبيرة منهم شبه معدومة مع اضمحلال مواردهم الماليّة. وكأنّ حال معظمهم يقول :(إذا لم نمت بالفايروس سنموت من الجوع)، فهم لاجئون لا مأوى لهم ولا وطن؛ فمن أين لهم بدفع نفقاتهم الكبيرة من أجرة البيت وتسديد الفواتير وتأمين احتياجاتهم الغذائيّة؟!، فليس كلّ اللاجئين مسجّلين في منظمة الهلال الأحمر التّركيّ.
إذن لقد تأثّر معظم السّوريون بهذا الاجتياح لفيروس كورونا فتوقفت أعمالهم، وتعلّقت معاملاتهم بعد إغلاق مبنى دائرة الهجرة وبات عليهم استخراج الأوراق إلكترونيّاً، فأوضاعهم توصف بالمعقّدة مع فقدان عدد كبير من العاملين السّوريين لفرص العمل.
بالتأكيد إنّ الخوف من كورونا قد شغل العالم عن السّوريون ومعاناتهم، لكنْ الشيء غير المؤكّد حتّى الآن هو حجم ما سيدفعونه من ضريبة كبرى على خلاف غيرهم، فالإجراءات التّركيّة تزداد صرامة كلّ يوم مع تفشّي الوباء وازدياد أعداد المصابين في تركيا، وهذه الإجراءات طالت الشّريحة الواسعة من السّوريين العاملين في المطاعم وصالونات الحلاقة ومحالّ الحلويات وبعض الورش والمعامل التي أغلقت أبوابها مؤخّراً.
شريحة محدّدة فقط من السّوريين ستستفيد من حزمة الإجراءات التّركيّة التي أقرتها الحكومة التّركيّة حيث ستدعم القطاعات الحيويّة، ومن ضمنها الشّركات والمؤسسات والمعامل لتستطيع الاستمرار في دفع الرّواتب، وهذا سيشمل العامل السّوريّ إذا كان يعمل بشكل قانونيّ وبموجب إذن عمل، لكنّ غالبيتهم لا يعملون بصورة قانونيّة، كما سيستفيد المسنون ممَّن هم فوق 65 عاماً الذين تمّ حظر تنقلهم بسبب الخطورة الكبيرة على حياتهم إذا أصيبوا بالكورونا، والذين تكفّلتِ البلديّات بإيصال الاحتياجات اللّازمة لهم.
صحيح أنّ الحكومة التّركيّة ستوزّع مبالغ ماليّة على مواطنيها الذين يتلّقون مساعداتٍ من البلديّة أساساً، إلّا أنّ ذلك لا يشمل اللّاجئين السّوريين.
يبدو الحلّ على المدى المنظور يقع على عاتق المنظّمات الإغاثيّة العاملة في تركيا بالتّنسيق مع الأمم المتّحدة لزيادة دعمها للسّوريين المحتاجين ومساعدتهم على تخطّي هذه الجائحة، فحجم الالتزامات الماليّة المترتّبة عليهم كبير، ويرهق اللّاجئ في الأحوال العاديّة، ويزداد سوءاً مع الأوضاع غير العاديّة في وقتنا الرّاهن.
إنّ على منظمات المجتمع المدنيّ والتّجمعات الاقتصاديّة السّوريّة في تركيا مدّ يدّ العون لهؤلاء اللّاجئين، وتحديداً للعائلات التي فقد معيلها العمل، وإيجاد وسائل للتّواصل مع تلك العوائل لإيصال معاناتهم للجهات الحكوميّة التركيّة وللمؤسسات الإغاثيّة مثل (IHH)، فاللّجوء بكلّ ما فيه لم يعد مصدر المعاناة الوحيد أمامهم في تركيا، بل أصبح فايروس كورونا المستجدّ تهديداً جديداً يواجه هؤلاء اللّاجئين.