fbpx

الديمقراطية كوجهة نظر

0 212

تعددت تعاريف الديمقراطية منذ نشأتها حتى اليوم، وكان التعريف في كل مرة يتم صياغته في ظروف مختلفة منها سياسية ومنها دينية وكل صاغ حسب وجهة نظره وحسب ظروفه…

بالشكل العام وبالصياغة بالخط العريض عُرِّفت الـديمقراطية على أنها: حكم الشـعب نفسه بنفسه.

ولكن هنالك الكثير ممن تأثر بتعريف الديمقراطية، ولو فهموا مصطلح الديمقراطية في سياقه الإجرائي والإداري لما تحسسوا منه، ولكنهم يفهمونه في سياق إيديولوجي ويصنفونه على أنه مصادم للدين لأن الحاكمية لله وليس للشعب، ففي الديمقراطية الشعب مصدر التشريع، فلو قرر الشعب أموراً حرمها الله سبحانه وتعالى كالخمر أو الزنا أو المثلية أو غيرها فعلينا إقرار ذلك والقبول بإباحته.

بينما الديمقراطيون المسلمون ينقسمون إلى هذه الأقسام:

  1. قسم يرى مصطلح الديمقراطية من الجانب الإجرائي الإداري وليس من جانبه الإيديولوجي، فمثلاً يربطون الديمقراطية بالآلية الانتخابية لرئاسة المؤسسات، ولتداول السلطة وعدم احتكارها من شخص أو حزب (لمنع الديكتاتورية)، ويربطون المصطلح بمفاهيم حرية الكلمة والشفافية واحترام الآخر وتفهم وجهة نظر المخالف.
  2. قسم من الديمقراطيين المسلمين يدرك تماماً أن الحاكمية لله وليس للشعب، وأن القرآن والسنة هما مصدر التشريع وليس الشعب، ولكنهم يراهنون على أن الشعب المسلم إذا كان مصدر التشريع فلن يختار تشريعات تخالف التشريع الإسلامي، وخاصة في البلدان ذات الأغلبية السنية مثل مصر وسورية.
  3. قسم يرى أن الدين مسألة عبادية شخصية لا دخل لها في قيادة المجتمع، فالمسلم يصوم ويصلي ولا أحد يمنعه، ولكن لا يحق له تطبيق الجانب المجتمعي من الدين الذي يخص السياسة والتشريعات والقوانين، ويؤمن أن الحدود غير مطالبين بتطبيقها، ويحصر الدين فقط بالعلاقة بين الإنسان وربه.

فنحن إذن أمام فهوم عديدة للديمقراطية عددت منها آنفاً أربعة فهوم، لنأت الآن إلى تأثير ذلك على العمل الثوري.

هذه الفهوم خلقت تبايناً أيديولوجياً حاداً في الحالة الثورية السورية، وكما أسلفت آنفاً، فالذين تأثروا بفهم المصطلح بحسب تعريفاته العلمية (حكم الشعب) ورفضوه هم كثيرون، وللأمانة فهم ثوار حتى نخاع العظم، ويريدون بشدة إسقاط نظام بشار الأسد.

هذا الاستقراء يجعلنا نفكر في حل يؤدي إلى تعاون كلا الطرفين (الرافضين للمصطلح والمطالبين به) ليتعاونا في الثورة معاً لإسقاط النظام، وليستفيد كل طرف من جهود الطرف الآخر، فتقوى الثورة بدلاً من تفرقها وضياع جهودها كما هو حاصل اليوم، وصرف طاقاتها في صراع إيديولوجي (ثوري – ثوري).

فما هي الحلول؟!

في الحقيقة لدينا حلان اثنان وليس حلاً واحداً

الحل الأول:

ضبط المصطلح وهذا معروف عند أهل العلم جميعاً المتدينين وغيرهم، أي أن نضع تعريفاً للديمقراطية في كل نشرة وفي كل بيان وفي كل ميثاق حتى يفهمه الناس في سياقه الإجرائي الإداري.

فيكتب كلما تم ذكر مصطلح الديمقراطية:

الديمقراطية نقصد بها الإجراءات التي تعتمد في الانتخابات والترشيح وحرية الرأي وتداول السلطة ولا نقصد بها الجانب الأيديولوجي…

وهذه عملية صعبة وغير عملية

وقد لجأ بعض المفكرين الإسلاميين إلى تعديل هذا الحل

فقالوا:

بدلاً من وضع تعريف للمصطلح في كل مرة، نقوم بتقييده ونربطه بمفهومه الإجرائي، فصاروا لا يقولون (ديمقراطية) هكذا بالإطلاق، بل يقولون

(بآليات ديمقراطية.. أو بوسائل ديمقراطية)

وهذا خلق إشكالاً جديداً، فصار يفهم هذا المصطلح المقيد فقط المثقفون إسلامياً ثقافة عالية، وبقيت الشريحة الأكبر تتحسس منه ولا تفهم معناه ولا ترى منه إلا الجانب الأيديولوجي للديمقراطية.

فكان الحل الثاني هو البديل

2- الحل الثاني:

استبدال المصطلح والحفاظ على مضمونه، فقد لجأ إلى هذا الحل الديمقراطيون المسلمون الذين يرون في الديمقراطية الجانب الإجرائي لا الإيديولوجي، فقالوا نحن مؤمنون بآليات الديمقراطية كالانتخابات وتداول السلطة، فلنحافظ على هذا المضمون ولنترك القشرة فنحن نريد العنب.

فأطلقوا مصطلحات بديلة مثل (العدالة الاجتماعية) ومثل (تداول السلطة) ومثل (العملية الانتخابية)… إلخ.

واستطاع هؤلاء الحفاظ على المضمون الذي يريدونه وممارسة العمل السياسي وإزالة الحواجز بينهم وبين الذين يتحسسون من مصطلح الديمقراطية، ولكن التيارات الديمقراطية المتشددة والتي ترى في الديمقراطية أبعد من الآليات، وتعتبرها بمعناها الاصطلاحي الحرفي (حكم الشعب) وترفض أن يكون للدين أي دور في التشريع، وتربط الدين فقط بالشخص لا بالمجتمع، هؤلاء اعتبروا عدم ذكر كلمة الديمقراطية هو دعوة للدين ورفض للحريات ونكوص إلى التخلف والرجعية.

نعم هو إذن مصطلح يحمل إشكالية عميقة في جغرافيتنا، وفي هذه الحالة فليس أمامنا سوى أن نختار من هذه الحلول ما هو أقرب لشعبنا وثقافتنا.

فإذا كانت الحلول هي:

  1. تعريف المصطلح كلما ورد ذكره.
  2. تقييد المصطلح بالآليات الديمقراطية.
  3. استبدال المصطلح والحفاظ على المضمون المراد منه.

فإن الترتيب الأنسب لشعبنا وثقافتنا الثورية هو الترتيب المعكوس

الحل الثالث ثم الثاني ثم الأول، وهذه وجهة نظري..

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني