الخبز في دمشق القشة التي قسمت ظهر المواطنين
لطالما كان رغيف الخبز خطاً أحمر لا يستطيع ولا يجرؤ أحد على المساس به لأنه الغذاء الأساسي للمواطنين والمعروف أنه مهما بلغ الفقر أشده يبقى الخبز على الأقل متاحاً وخاصة في بلد مثل سوريا التي كان القمح بها لا يحقق الاكتفاء الذاتي فحسب بل ويصدر جزء وفير منه إلى دول عربية أخرى بل وأجنبية أيضاً إذ كان يقدر إنتاج سوريا من القمح قبل الحرب بـ 4 ملايين طن وكانت سوريا تؤمن حاجة الأردن وجزءاً من حاجة تونس ومصر وكان لديها فائض يكفي حاجة المواطنين لـ 5 سنوات، ويتميز القمح السوري بالجودة العالية وكان يصنف كنخب أول وكانت دول مثل إيطاليا تعتمد عليه في صناعة المعكرونة، ولكن بعد عام 2008 انخفض الإنتاج نتيجة الجفاف الذي ضرب المنطقة الشرقية وسياسة التهميش التي اتبعها النظام بحق هذه المنطقة، إذ خفف الدعم للفلاحين بالبذور والآلات والأسمدة بالإضافة إلى انخفاض مستوى نهر الفرات وارتفاع درجات الحرارة، كل تلك العوامل أدت إلى زحف الجفاف والتصحر إلى الأراضي الزراعية.
تأثير الحرب والقصف والتدمير على إنتاج القمح في ظل الحرب والأسلحة الكيميائية
شهدت معظم الأراضي الزراعية التي تقوم بزراعة القمح معارك طاحنة أدت إلى تخريب معظمها واحتراقها وانخفض إنتاج سوريا من القمح إلى النصف، ناهيك عن سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على الشمال الشرقي من سوريا والذي يعتبر خزان سوريا من القمح والشعير، وحتى في أماكن وجود النظام، اتجه الفلاحون لبيع محاصيلهم إلى الدول المجاورة كتركيا ولبنان والأردن نتيجة انخفاض الأسعار التي يدفعها النظام لهم، بالإضافة إلى صعوبة تأمين طرق نقل وارتفاع سعر الوقود.
تجدد حرائق الأراضي الزراعية:
شهدت الأراضي الزراعية حرائق شديدة أدت إلى احتراق معظم المحاصيل، والغريب أن الحرائق امتدت على كامل الجغرافية السورية وفي جميع المناطق بدءاً من السويداء جنوباً مروراً بأرياف حماة وحمص واللاذقية وحتى مناطق الشمال والشمال الشرقي وقد أرجع بعض الخبراء السبب إلى ارتفاع درجات الحرارة، ولكن بالحديث مع أصحاب الأراضي الزراعية تبين أن معظمها كان بفعل فاعل نتيجة امتناع الفلاحين عن بيع محاصيلهم بأسعار رخيصة وقد كان النظام يتعمد قصف وإحراق الأراضي الزراعية لتركيع أهلها كما فعل بغوطة دمشق، ويعد أسلوب حرق الأراضي صنيعة إيرانية طبقتها في العراق ونقلتها إلى النظام السوري.
انعكاس تدهور القمح على نوعية الخبز وسعره
وكان الضرر الأكبر من نقص القمح من نصيب رغيف الخبز، فبدأ من ارتفاع سعره بعد أن كان سعر الربطة أي الكيلو 15 ليرة في 2016 وصل سعر المدعوم الآن إلى 100 ليرة، والخبز السياحي أي الخاص إلى 1100، والكارثة ليست في السعر وحسب بل بالنوعية فبعد أن كان الرغيف كبير الحجم وأبيض اللون، تحول إلى رغيف صغير أسود اللون يرجح المواطنين أنه خبز شعير أو نخالة القمح يكاد لا يصلح للاستهلاك البشري وفوق كل تلك العيوب قررت الحكومة الحكيمة وضع الخبز على البطاقة الذكية حاله حال الغاز والبنزين والمازوت وخصصت في البداية لكل فرد ربطة خبز يومياً، وعادت الآن وخصصت للعائلة الصغيرة ربطة واحدة. وأن لا تزيد مخصصات الأسرة الكبيرة الواحد عن ثلاث ربطات مع عدم توفر الخبز في جميع المخابز، ما اضطر الناس للوقوف في طوابير لساعات طويلة من أجل الحصول عليه، وحدوث مشاحنات بين المواطنين، حيث قتل أحد الشبان في منطقة القنوات في دمشق على يد أحد الشبيحة نتيجة اعتراضه على تجاوز ذلك الشبيح الدور.
بالإضافة إلى توقف عدد من الأفران عن العمل للصيانة كما أعلن في ريف دمشق، أما فرن المزة الآلي فقد اندلع فيه حريق كبير وقد ذكر المواطنين أن الحريق بفعل فاعل للتغطية على سرقات الطحين في الفرن، ولدى سؤالنا المواطنين عن رأيهم بالخبز: أخبرنا الحاج علي إنه يقف يومياً ثلاث ساعات ليستطيع الحصول على الخبز ويقول إن أصحاب الأفران هم من عمقوا من تلك الأزمة وبأنهم يقومون ببيع نصف الكمية المخصصة فقط وسرقة الباقي وبيعها للمطاعم، أما مريم فقد أبدت استيائها وغضبها لاضطرارها للوقوف يومياً أربع ساعات للحصول على ربطة واحدة فقط وذات طعم رديء، أما مصطفى الذي يقطن في دمشق وعائلته في حمص يقول إنه لايستطيع الحصول على مخصصاته من الخبز بسبب عدم امتلاكه للبطاقة الذكية وإنه يضطر لاستجداء أصحاب الأفران ويقومون ببيعها له بضعف السعر
تعددت الشكاوى من المواطنين دون أي ردة فعل من الحكومة وبهذا أصبح المواطن مهدداً حتى بلقمة عيشه، ووضع تحت رحمة تجار أزمات يحاربون المواطنين ويضيقون عليهم، وحكومة عاجزة تبيع المواطنين كلاماً معسولاً وجملاً إنشائية لاتسمن ولا تغني من جوع.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”