الحريّة.. حدود وضوابط وحقوق إنسان
تعريف:
الحريّة لغة: مصدر حرّ، والحرّ ضد العبد، والحرية ضد العبودية.
واصطلاحاً: يمكننا الاختصار في تعريفها على كثرة ما قيل فيه؛ إنها حق الفرد وقدرته على امتلاك إرادته وزمام أمره واستقلال رأيه وفكره، وقدرته على اتخاذ قراراته طواعية، دون إكراه أو تأثير أو إملاء أو إجبار خارجي، وفق رغباته دون تعسف أو اعتداء أو إلحاق أي ضرر بالآخرين أو بالمجتمع. وهي حق طبيعي جوهري من حقوق الإنسان لا يمكنه أن يمارس نشاطه الإنساني وجميع أعماله بدونها.
والحرية هي القيمة السامية التي يسعى الإنسان لنيلها، والاحتفاظ بها، والدفاع عنها، وعدم المساس بها أو التنازل عنها؛ لأنها أسمى حقوق الإنسان التي يجب أن يمتلكها أي شخص في أي زمان وأي مكان على سطح كوكبنا دونما تمييز بين البشر جميعاً على اختلاف أجناسهم، وأعراقهم، وألوانهم، ومعتقداتهم، وأصولهم الوطنية أو الاجتماعية.
وضوابطها:
في جميع مناحي حياتنا، وفي الواقع الذي نعيشه، حقيقة، لا يوجد حرية مطلقة رغم سموها؛ لأنّ الإنسان يعيش ضمن جماعة وليس منفرداً، ولهذا فحرية الفرد في المجتمع لها حدود وضوابط أخلاقية وسلوكية تتلاءم مع طبيعة المجتمع الذي يعيش فيه، وبالقدر الذي يحترم فيه حريات الآخرين ويراعيها بالقدر الذي يمكنه من ممارسة حريته بمسؤولية تامة، فإذا كان لكل فرد في المجتمع حق الاختيار والمفاضلة بين الأمور التي تعرض عليه، دون أن يُلحق ضرراً بأحد أو بالمجتمع، فإنه يكون مسؤولاً عن اختياره، وعليه أن يتحمّل ما يستتبع من عواقب ونتائج ما اختاره. وبهذا المعنى تصبح الحرية مسؤولية بحيث لا يتعدّى الفرد حدوده المرسومة لحريته ضمن مجتمعه عملاً بالمقولة الشهيرة “تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين”، أو تحقيقاً لمقولة “لا ضرر ولا ضرار”، فيعيش الجميع في وئام فيما بينهم، وتترسخ بُنى وقواعد المجتمع اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وأخلاقياً.
وبهذا المعنى فإن الحرية مسؤولية، ولها ضوابط، والمرء بممارسته لحريته عليه أن لا يُلحق ضرراً بالآخرين أو بالمجتمع سواء كان الضرر معنوياً أو مادياً، وأن يتصرف بحكمة بما يفيد نفسه ويفيد غيره، ولا يسخر من معتقدات الآخرين، ولا يمس مبادئهم بسوء، ولا يمارس العنف عليهم تحت أي دافع مهما كان، ويحترم القوانين والمبادئ العامة التي تحكم المجتمع أو الدولة، ويلتزم بالضوابط الأخلاقية العامة، والأعراف والتقاليد والعادات، والمعتقدات الفكرية أو الدينية أو الآراء السياسية، ويتمثل ثقافة مجتمعه السائدة التي تحترم حقوق وإنسانية الإنسان دون أي تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو اللغة أو الاثنية أو الأصل أو الوضع الاجتماعي.
أنواعها:
يميز الدارسون عموماً بين شكلين للحرية:
حرية التصميم: وتعني حرية المرء وقدرته على الاختيار بين أمرين أو أكثر، وتحقيق اختاره دون الخضوع لأهوائه وعواطفه ودوافعه التي يمكن أن تحدّ من قدرته على تمتعه بحرية تصميمه لما اختاره.
وحرية التنفيذ: وتعني حرية الفرد وقدرته على الإقدام على تنفيذ العمل الذي اختاره أو امتناعه عن القيام به دون الخضوع لأي ضغوطات أو إملاءات أو تأثيرات خارجية.
وهناك تمييز لأنواع الحرية من حيث تناولها بين السلب والايجاب، وبين الفردية والاجتماعية، وبين الداخلية والخارجية:
آ – الموجبة والسالبة:
فالحرية الموجبة: تعني قدرة الفرد أو الجماعة على التصرف وفق الإرادة الحرة التي تمكنه/هم من التحكم في مسيرة الحياة وتحقيق الأهداف حسب الرؤية الخاصة بالفرد أو بالجماعة التي ينتمي أو ينتمون إليها.
والحرية السالبة: تعني تحرر الفرد من العقبات التي تواجهه، وتمتعه بسقف غير محدد أو مقيد لحريته خارجياً.
ب – الفردية والاجتماعية:
الحرية الفردية: تعني حرية المرء في اتخاذ القرارات الهامة في حياته سواء في التفكير أو الدفاع عن نفسه فيما يواجه من أخطار، وهذه الحرية تُعدّ تأسيساً للنظام الديموقراطي في المجتمعات.
فيما تعني الحرية الاجتماعية: قدرة الأفراد أو الجماعات الذين يمتلكون آراء متباينة ومختلفة من إيجاد توافق ما على قواعد محددة يتفقون عليها مما هم مختلفون بشأنها.
ج – الداخلية والخارجية:
الحرية الداخلية: تعني الحرية المرتبطة بالفرد ذاته، وتنبع من داخله، وتساعده في تحديد اهتماماته وأهدافه ورغباته، وتوجيهها دون أية ضغوطات أو تأثيرات خارجية.
أمّا الحرية الخارجية: فتعني الحرية الاجتماعية التي تتطلب من الشخص التكيّف مع بيئته المحيطة به، وحرصه على المواءمة بين أهدافه ورغباته وبين أهداف ورغبات الآخرين الذين يعيش في وسطهم.
الحرية وحقوق الإنسان:
الحرية بمفهومها العام تعدّ حقاً أساسياً وطبيعياً من حقوق الإنسان يماثل حق الإنسان في الحياة، فهما توأمان أو وجهان لعملة واحدة، ويكملان بعضهما بعضاً، فلا وجود للحرية دونما حياة، ولا معنىً لحياة تفتقد إلى الحرية سواء كانت معنوية أو مادية، وقد أكدت ذلك هيئة الأمم المتحدة في ميثاقها، وفي الشرعة الدولية (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدّوليين الخاصين بحقوق الإنسان المدنيّة والسّياسيّة وبالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثّقافيّة)، ذكرت في ديباجة ميثاقها “نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد…”، وقد جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “يُولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق…”، وجاء في المادة الأولى من (الإعلان المتعلق بحق ومسؤولية الأفراد والجماعات وهيئات المجتمع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها عالمياً) الصادر في كانون الأول/ديسمبر 1998: “من حق كل شخص، بمفرده وبالاشتراك مع غيره، أن يدعو ويسعى إلى حماية وإعمال حقوق الإنسان والحريات الأساسية على الصعيدين الوطني والدولي”، وفي المادة الثانية منه: “يقع على عاتق كل دولة مسؤولية وواجب رئيسيان في حماية وتعزيز وإعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية… فضلاً عن إتاحة الضمانات القانونية المطلوبة لتمكين جميع الأشخاص الخاضعين لولايتها، بمفردهم وبالاشتراك مع غيرهم، من التمتع فعلاً بجميع هذه الحقوق والحريات”.
ولكل ما يظهر من انتهاكات لهذه الحقوق والحريات في مناطق عديدة من عالمنا اليوم، وعلى رأسها منطقة الشرق الأوسط التي تعاني من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والبيئة، فإنه يحق للمرء أن يتساءل: مَن المسؤول عن كبح جماح هذه الانتهاكات؟ وما هو دور الأمم المتحدة التي أكدت في ميثاقها وفي الشرعة الدولية على تمتّع جميع الأشخاص بهذه الحقوق والحريات؟ وإلى متى يبقى ميثاق الأمم المتحدة، والشرعة الدولية خاضعين في التطبيق لإرادة الدول الكبرى التي تمتلك حق العضوية الدائمة، وحق الاعتراض/الفيتو في مجلس الأمن الدولي لتتحكم بكلمة واحدة على إيقاف أو تنفيذ القرارات الدولية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة؟.