fbpx

التعليم عن بعد في زمن الكورونا

0 663

ترافق التعليم عن بعد تاريخياً بفلسفة الانفتاح في التعليم، وتكمن قيمته في كونه يسهل الوصول إلى الطلبة الذين لم يتمكنوا من الإفادة من مؤسسات التعليم التقليدي، ولقد كان للإنترنت فضلاً في نمو التعليم عن بعد، ونشهد ثورة حقيقية في العصر الرقمي في التعليم عن بعد، ومكنت التكنولوجيا في التعليم من تلبية الاحتياجات التعليمية الحديثة.

لقد تسببت الأزمة الصحية العالمية اليوم الناتجة عن فايروس كورونا المستجد بقيام الحكومات بمجموعة من الإجراءات، لمنع تفشي الوباء من خلال فرض العزل الصحي والتباعد الاجتماعي، وقامت بتعطيل المدارس والجامعات حفاظاً على صحة الطلبة والمعلمين، لذا كان البديل لاستمرار العملية التعليمية والتواصل مع الطلبة هو التعليم عن بعد، لضمان مواصلة التعليم لكن لابد من التفريق بين التعليم عن بعد والتعليم في حالات الطوارئ، في ظل الواقع الجديد الذي نعيشه في ظروف الوباء، الذي عزل معظم سكان الكرة الأرضية في منازلهم، فالتعليم عن بعد مبني على أسس ومعايير تربوية، تتطلب تصميم المناهج التربوية وتوفير الأدوات والطرائق المناسبة، التي تتوافق مع أنماط تعلم الطلبة، وتحقق التوازن بين بيئة التعلم (المنزل) وتضمن سهولة الوصول للطلبة، فضلاً عن عملية تقييم متكاملة للطلبة.

في حالتنا الراهنة فإن ما ندعوه تعليم عن بعد، هو انتقال مؤقت من النظام التقليدي إلى التعليم عن بعد في حالة الطوارئ.

تعد تركيا من الدول التي لديها مرتبة متقدمة في التعليم عن بعد، حيث تمتلك البنية التقنية اللازمة لذلك، وفي ظل هذا الوضع غير المسبوق، لجأت الحكومة التركية الى استراتيجية التعليم عن بعد، حيث أعلن وزير التربية أنه بدأ تطبيق التعليم عن بعد مؤقتاً، ضمن تدابير وزارة التربية التركية، لمنع انتشار فيروس كورونا ولهذا الغرض فقد خُصصت قنوات تلفزيونية للمراحل التعليمية الثلاث الابتدائية والمتوسطة والثانوية، بالإضافة إلى موقع (EBA) الإلكتروني، حيث تبث الدروس التعليمية بالإضافة إلى المهمات التعليمية التي يعدها المعلمون.

إن التحول المفاجئ للتعليم عن بعد بسبب فيروس كورونا، ينطوي على تحديات بالنسبة للطلبة والمعلمين على حد سواء، فعلى الصعيد المهني نظراً لما تحتاجه العملية التعليمية من جهود مضاعفة، وعلى الصعيد الشخصي متمثلة بالمعاناة والتوتر والقلق النفسي من تفشي الوباء.

ما هو واقع التعليم عن بعد بالنسبة للاجئين السوريين في تركيا؟

كيف يتعامل الأهل والطلاب مع التعليم عن بعد؟

ما هي الصعوبات التي يواجهونها؟ ما هي الإرشادات لمواجهة تحديات التعليم في المنزل؟

نحاول أن نرصد لكم تجربة التحول للتدريس عن بعد، من خلال آراء بعض أولياء الأمور والطلاب والمعلمين السوريين.

تحدثنا مع المهندس الزراعي السيد لؤي السليم، وهو ولي أمر لطفلين في المرحلة الابتدائية، يتابعان التعليم من المنزل ضمن برنامج التعليم عن بعد في مدينة غازي عينتاب.

أخبرنا السيد لؤي أن التعليم عن بعد مع الأطفال يتسم بالصعوبة، نظراً لغياب التفاعل بين المعلم والطلاب وأضاف أن الأطفال يعانون من كثرة التشتت في الانتباه، ونقص التركيز حيث يكون التركيز في بداية الدرس جيد فقط في الدقائق الخمس الأولى من الحصة الدرسية، وأي صوت في المنزل يشتت اهتمامهم وهناك صعوبة في توفير جو من الهدوء في المنزل، حيث يوجد جميع أفراد الأسرة في المنزل في ظروف الحظر الصحي، وقال: “تقوم المعلمة بشرح الدرس خلال مدة الحصة الدرسية القصيرة 20 دقيقة، التي يضيع منها بعض الوقت بسبب تأخر الطالب في الالتحاق بالبرنامج، ثم يقوم الطلاب بأداء الواجبات المدرسية التي تقوم المعلمة بتنزيلها على الموقع الإلكتروني EBA، وبناء عليه تعطي علامات للطلاب، كما لاحظ السيد لؤي “أن التعليم الجديد أثّر على دافعية التحصيل الدراسي لأبنائه” ولدى سؤاله عن رأيه بتقييم الطلبة، أفادنا بأن التقييم لا يعكس المستوى الفعلي للطلبة، بعض الأهالي يقومون بعمل الواجبات المدرسية بدل أبنائهم، ومن جهة أخرى يعاني الأطفال من العزلة، حيث بين السيد لؤي السليم أن أطفاله حرموا من النشاطات والتفاعل مع أقرانهم، ابنته تقف كل يوم على الشرفة للتواصل مع صديقتها في البناء المقابل، كما لفت السيد لؤي لجانب مهم من التحديات التي تواجه أولياء الأمور، نظراً لعدم قدرة قسم كبير منهم على متابعة أبنائهم في النموذج الجديد للتعليم.

واشتكى من أن التعليم في المنزل يشكل قوة ضاغطة على الأهل، لاسيما أن أغلبهم يعمل وهناك الكثير من الآباء يجدون صعوبة في التعامل مع التكنولوجيا والإنترنت، ويحتاجون المساعدة، أما عن قدرة تعامل أبنائه مع التكنولوجيا فقد قال: إنهم كغيرهم من الأطفال أبناء العصر الرقمي اعتادوا التعامل مع الإنترنت من خلال الألعاب الإلكترونية، ويتعاملون بيسر مع التعليم الافتراضي.

إن التعليم عن بعد يكون أكثر سهولة في التعامل مع الطلبة في المراحل العليا، أكثر منه مع الأطفال في المرحلة الابتدائية، الذين لا يستطيعون الاعتماد على أنفسهم في التعليم، ويحتاجون لإتقان مهارات القراءة والكتابة، ويحتاجون لدعم الأهل.

تختلف تجربة الشاب محمد مع الدراسة عن بعد، محمد طالب يحضر لامتحان الشهادة الثانوية ويدرس الـ (YOS) للتقدم للتعليم الجامعي، في مدينة غازي عينتاب، فقد قال: “إن التعليم عن بعد يناسبه تماماً ويتوافق مع احتياجاته التعليمية لاسيما أنه من الطلبة الذين يفضلون العزلة”، كما أن التعليم في المنزل يخلصه من تأثيرات ضغط الأقران، وبيّن أن الطلبة الذين يحبون التنافس في المدرسة يعانون من الدراسة عن بعد وأضاف أن الدروس يتم تسجيلها ليتمكن الطالب من العودة إليها، من أجل استيعاب أفضل، كما تحدث عن دور المدرسين الذين يعود لهم الفضل بتشجيعه على الدراسة، لأنهم يتفاعلون مع الطلبة ويوفرون فرصاً لطرح الأسئلة والحوار، وتغذية راجعة تسهم في إيصال المعلومة.

ومن أجل الاطلاع على وجهة نظر المعلمين، تحدثت مع المعلمة زينب الحسين وهي خريجة كلية التربية اختصاص مناهج و تقنيات التعليم، وتعمل حالياً بتعليم مرحلة رياض الأطفال، عبرت المعلمة زينب عن وجهة نظرها، بأن التعليم الفيزيائي يناسب الأطفال بشكل أكبر من التعليم عن بعد، حيث قالت: “يجد المعلم صعوبة في جذب اهتمام الأطفال، وإن النصيب الأكبر من مهمة متابعة الأطفال يعود للأهل، وفي حال غاب الاهتمام لدى الآباء يتراجع مستوى تحصيل الطفل، ففي هذه المرحلة العمرية هناك حاجة قصوى لوجود المعلم بالقرب من الطفل لتدريبه على مهارات الكتابة والقراءة، وفي الظروف الحالية لا نستطيع التنويع بطرائق التعليم بل يكتفي المعلم بإلقاء الدرس بطريقة تقليدية “وكشفت أن الكثير من المعلمين يفتقرون لمهارات التعامل مع التكنولوجيا، وأساليب التعليم عن بعد”، كما بينت أن الطلبة السوريين الذين يتابعون تعليمهم من المنزل، يجدون صعوبة في استيعاب الدروس حيث تتضمن مصطلحات جديدة باللغة التركية، ويعاني الطلبة السوريين من ضعف إتقان اللغة مقارنة بأقرانهم من الطلبة الأتراك، تضيف المعلمة زينب: يعتمد المعلمون على العروض التقديمية إضافة إلى فيديوهات تعليمية، وهي غير كافية لإيصال المحتوى التعليمي.

وعن سؤالي لها عن تغير دور المعلم، وهل هناك تحول من التعليم التقليدي الى التعليم القائم على التعلّم الذاتي كان الجواب بالنفي، مازال الدور الرئيسي للمعلم، والطالب مجرّد مستمع ومتلق.

ولقد وجهت منظمة اليونيسيف في ظروف تفشي فيروس كورونا، إلى أهمية حماية تعليم الأطفال وإعداد برامج التعليم البديل عبر شبكة الإنترنت والإذاعة والتلفاز، من أجل ضمان مواصلة التعليم حيث تعلمنا التجربة أنه كلما طالت فترة ابتعاد الأطفال عن المدارس، قل احتمال عودتهم إليها.

لضمان جودة التعليم والمساواة التعليمية، عند الانتقال للتعليم عن بعد لابد من توفير الشروط اللازمة المتمثلة بمنهج يتضمن أهداف ومحتوى وأنشطة ومصادر التعلم، التي تدعم استخدام التكنولوجيا وتوفير المعلمين المؤهلين تربوياً وتكنولوجيا من أجل تقديم الدروس التعليمية، وتدريب الطلبة على مهارات التعلّم الذاتي وتدريب المعلمين على استخدام التطبيقات والتقنيات اللازمة.

ويقدم خبراء التربية بعض النصائح للأهل لتذليل الصعوبات التي تواجههم في التعامل مع أطفالهم بالتعليم في المنزل.

  • وضع خطة يومية لمتابعة تعليم الأطفال وتحديد وقت للاستيقاظ وتناول الطعام.
  • تقديم الدعم والتفاعل مع الأطفال.
  • استخدام طرائق تعليم متنوعة تناسب أنماط تعلّم الأطفال.
  • توزيع الأدوار في المنزل، والاستفادة من الإخوة الكبار في تعليم إخوتهم.
  • تنظيم نشاطات وتخصيص أوقات للعب تخفف من العزلة.

على الرغم من التحديات التي ينطوي عليها التعليم عن بعد، يظل استراتيجية ناجحة كبديل عن التعليم التقليدي في حالات الطوارئ، لذا يمكن القول إن أزمة كورونا قد تسهم في تغيير رؤيتنا للتعليم في المستقبل.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني