الاقتصاد السوري إلى أين
قد يقول بعضهم إن الحرب في سوريا قد وصلت إلى نهايتها وإن النظام بات قريباً من “إعادة الحياة” إلى ما كانت عليه قبل أيام الثورة، متناسين بذلك حقيقة مهمة لا يستطيع النظام بدونها إعادة الأمور إلى نصابها، ألا وهي الوضع الاقتصادي الآخذ بالمزيد من الانحدار نحو الهاوية.
لقد قادت عنجهية النظام إلى خسارة الاقتصاد السوري لثلثي حجمه، وأتت على ثلث مساكن البلاد. ناهيك عن ملايين المهجرين في الخارج، وملايين الداخل الذين بات 82% منهم تحت خط الفقر، ويرزحون تحت وطأة التضخم الذي يستنزف ما بقي من بعض مدخراتهم.
مع سيطرة النظام على مناطق واسعة من الجغرافيا السورية، وقعت الليرة السورية تحت مزيد من الضغط الناجم عن توقف تدفق العملة الصعبة التي كانت تتلقاها الفصائل من بعض الدول الداعمة للثورة السورية.
ليأتي بعدها قانون “قيصر” الذي بات يلفُّ حباله حول عنق النظام رويداً رويداً، ويُنبئ بالمزيد من التدهور في أحوال البلد المتهالك أصلاً من الحرب. لم يعد يستطيع حتى داعمو النظام إمداده بوسائل الطاقة التي يحتاج إليها الناس لمتابعة حياتهم العادية.
ينزلق الوضع الاقتصادي نحو مزيدٍ من التدهور مع تزايد سوء الأوضاع في الاقتصاد اللبناني، حيث كان لبنان حجر الزاوية في التفاف النظام على العقوبات الدولية المفروضة عليه. إذ شرّع الجار الصغير موانئه للبضائع التي لا يمكن إدخالها بشكل مباشر إلى سوريا. كما فتحت بنوكه أبوابها لتزويد النظام وتُجَّاره بالقطع الأجنبي اللازم لدفع ثمن الواردات، ودفع ذلك ما تبقّى من الطبقة الوسطى للاحتفاظ بمدخراتهم الدولارية داخل خزائن المصارف اللبنانية.
لقد وضعت الأزمة في البلد الشقيق نهاية لمسلسل الهروب من العقوبات، ما أدى سقوط الليرة السورية إلى ما دون ألف الليرة للدولار الواحد، وتسبب ذلك بموجه من السخط من المواطن البسيط على تلك الطغمة الحاكمة وأمراء الحرب الذين يتسيّدون المشهد السوري.
ويزداد المشهد قتامةً بالنسبة للنظام مع تشديد العقوبات على حليفته الأولى إيران. ومن الملاحظ برأيي أنّ هناك تغيّراً في السياسة الإيرانية في التعاطي مع ملف الشرق الأوسط، هذا التغيّر ربما يمكن قراءته من خلال انقلابٍ في الموقف الأوروبي الذي انحاز بشكل كامل تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، وسط عبارات الاستهجان والاستنكار لبعض الضربات التي وجهتها إيران للقواعد الأمريكية الموجودة على أرض العراق، رداً على مقتل قاسم سليماني.
فبعدما حاول الأوروبيون الالتفاف على العقوبات الأمريكية على إيران من خلال عدة وسائل أهمها نظام “إنتكس”، لمساعدة إيران على تخفيض حاجتها إلى الدولار الأمريكي. تراجع الأوروبيون وبشكلٍ مفاجئ عدة خطوات إلى الوراء في تصرّفٍ يلفّه الغموض. لربما شعروا بوجود صفقات من تحت الطاولة تسير قُدماً بين إيران و”شيطانها الأكبر”. أو أنهم قرؤوا الصمت الإيراني على مقتل أحد أهم قياداته بأن النجم الإيراني بدأ بالأفول، وباتت إيران بعيدةً عن رسم الخارطة الشرق أوسطيّة في المستقبل.
لم يعد يملك النظام الكثير من الوسائل “لإعادة الحياة” إلى الاقتصاد السوري . فبعد أن باع موانئه لروسيا، وترك النفط السوري شرقي الفرات، بات غير قادرٍ على الحصول لا على العملة الأجنبية ولا إعادة تدوير العجلة الاقتصادية في البلاد. كما أن الصين تقف موقف المتفرج، عاجزةً عن الدخول في مشاريع إعادة الإعمار بسبب العقوبات الدولية، وهي بالتأكيد لا تريد في هذه المرحلة بالذات إثارة غضب الغرب واستفزازهم لفرض المزيد من التعريفات الجمركية على صادراتها، أو الحد من استحواذها على أسهم شركات التكنولوجيا العالية التي هي بحاجتها لاستكمال الطفرة الاقتصادية التي تشهدها.
يستيقظ السوريون كل صباح على أمل انقشاع تلك الغمامة التي تغطي الأفق بأكمله، والخلاص من هذا النظام الذي سخّر كل إمكانات البلاد لتحطيم شعبه، وباع كل موارد البلد لحلفائه المحتلين ليبقى في السلطة. لكننا لا ندري أقريب ذلك اليوم أم هو بعيد.