fbpx

أهداف العقوبات الأمريكية على نظام الأسد

0 3٬599

باعتبار أن الولايات المتحدة الدولة الأعظم في العالم وتقود النظام الدولي الحالي دون شراكة مع أحد منذ نهاية الحرب الباردة وهزيمة الاتحاد السوفييتي.

فالحرب التي بدأها الرئيس الروسي في أوكرانيا في جوهرها تهدف لإنزال الولايات المتحدة عن عرش السيادة العالمية التي تستفرد به، ومشاركة روسيا لها بقيادة النظام الدولي.

وواضح مدى شراسة الولايات المتحدة في الدفاع عن نظامها الدولي حيث تمّ إغراق الروس في مستنقع عرفنا بدايته ومتوقع أن ينتهي كارثياً على من حاول دفع الولايات المتحدة عن قمة الهرم الدولي.

لذلك ومنذ منتصف القرن الماضي وخروج الولايات المتحدة منتصرة في الحرب العالمية الثانية يُراقب الجميع سياساتها ويحسبون ألف حساب لما يصدر عنها ليس فقط لقوتها العسكرية الجبارة حيث يقارب إنفاقها العسكري السنوي 850 مليار دولار، بل لقواها الناعمة المتعددة وسيطرتها مع حلفائها على الاقتصاد العالمي والنظام المالي الدولي (سويفت) وسلاسل التوريد هذا إضافةً لسيطرتها على الفضاء الجوي وأعماق البحار والفضاء السيبراني وغيره.

تُصنف الولايات المتحدة نظام الأسد كدولة مارقة وداعمة للإرهاب وتضع عليه عقوبات مختلفة.. ولكنها في الوقت نفسه تستفيد من تخادم مع ذلك النظام وتكلفه بمهام قذرة كبلطجي مثلاً في ضبط الحرب الأهلية اللبنانية وصديق يُؤمّن غطاءً عربياً في حربها لتحرير الكويت وقبل ذلك إضعاف الجبهة العربية الشرقية بخلاف مستعصي على الحل مع العراق، وتأمين الحدود الشمالية لإسرائيل وإضعاف أو تفكيك أي مقاومة حقيقية اتجاهها.

وبالطبع لم يكن موقف الولايات المتحدة من الثورة السورية أخلاقياً أو إنسانيا بل مصلحياً وحاولت الاستفادة القصوى (ولا زالت) من تعقيدات المشهد السوري والذي لم تبذل أي جهد حقيقي لحلحلته.

ولكن مع كل عدم الرضى عن أدائها وأخطائها الكارثية فلابد من ذكر أنّ تموضعها العسكري في شرق الفرات (ومهما تكن الذريعة والأهداف) حال ذلك دون حسم الروس والإيرانيين للملف السوري عسكرياً وفرض حل سياسي يكون عماده انتصار الأسد.

وبعد إجهاض النصر العسكري الروسي/الإيراني في سورية بدأت سلسلة من القوانين لتحقيق أهداف متوسطة وبعيدة للسياسة الأمريكية في سورية. ومن حسنات الرئيس السابق باراك أوباما (النادرة) في الملف السوري استغلاله للحظة توافق تاريخية مع الرئيس الروسي (بعد تدخل الأخير العسكري في سورية) حيث تم تمرير القرار الدولي 2254 بالإجماع في مجلس الأمن، وتم وضع أساس قانوني دولي تحت مظلة الأمم المتحدة لحل المسالة السورية، حيث بُنِيَ ذلك القرار على تفاهم أيضاً تاريخي في جنيف 2012 في ذروة صعود الثورة السورية ووجود الكثير من الدول الداعمة لها عُرف باسم بيان جنيف1 بين كيري ولافروف، ومهما كان من قيمة لذلك البيان إلا أنه يبقى تصريحاً سياسياً غير مُلزم يمكن الرجوع عنه، وتمت قوننة الحل السوري وفق القرار الدولي الشهير بعد ذلك.

ولحرمان التحالف الروسي/الإيراني مع نظام الأسد من أي مكاسب سياسية واقتصادية تم الدفع بقانون قيصر لِحيّز الوجود مُتضمناً في طياته أن الأسد مجرم حرب دولي لاستناده على صور التعذيب والقتل التي جرت بسجونه، وساهم هذا القانون مع غيره من العقوبات الغربية بحرمان نظام الأسد من التطبيع مع السوريين الذين يعيشون في مناطق سيطرته بحيث ذهبت أدراج الرياح جميع بروباغاندا الانتصار على الارهاب والمؤامرة الكونية وساءت الحالة المعيشية (والتي هي بركان قابل للانفجار باي لحظة) بدرجة مخيفة، وأدرك القريب والبعيد أن لا مستقبل سياسي للأسد بالاستمرار بحكم سورية.

هذا الموقف الأمريكي يعطي توجّهات للسياسة الأمريكية المستقبلية بأنّ تلك الدولة الأعظم في العالم لا تنوي تدوير تلك النفايات وأن من يُفضّل حرمان نفسه من التعامل مع الاقتصاد الأمريكي ذو الـ 22 ترليون دولار، فليذهب ويتعاون مع اقتصاد الأسد، ولم تجرؤ أي من الدول الطبيعية حتى الآن على تحدي ذلك القانون بشكل سافر، حتى التطبيع السياسي للإمارات العربية المتحدة والأردن في البدايات كان فارغاً من أي مضمون ومن طَبّع مُؤخراً وأرجع نظام الأسد للجامعة العربية سيصل لنفس النتيجة.

تتالت عشرات الإدانات لنظام الأسد أمريكياً وغربياً عبر تقارير ومواقف دولية متعددة حول استخدامه للأسلحة الكيميائية في الحرب السورية ضد معارضيه من المدنيين وارتكابه للعديد من المجازر (كمجزرة التضامن بدمشق) وفضح ذلك عبر كبريات وسائل الإعلام الغربية، بل تم البدء بمحاكمات في دول أوربية متعددة لضباط وأفراد تم توجيه تهم لهم بتنفيذ أوامر تعذيب بحق معارضي الأسد، وتُوّجت تلك التحركات بتقديم دولتين أوربيتين شكوى ضد نظام الأسد أمام المحكمة الجنائية الدولية تتهم الأسد بانتهاكات جسيمة بحق معارضيه.

تم أيضاً التصويت مُؤخراً في الجمعية العامة للأمم المتحدة على استحداث آلية قانونية دولية للكشف عن مصير المفقودين والمعتقلين في سجون الأسد مَرّت بأغلبية ساحقة وتنتظر اكتمال شروط خروجها للعلن.

وفي نهايات العام الماضي وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن على قانون كبتاغون الأسد بعد إقراره بغرفتي الكونغرس وبتوافق كامل بين الحزبين، وتم تكليف الوزارات والوكالات التنفيذية المختصة بإعداد إجراءات لتنفيذ ذلك القانون، وانتهت الأشهر الستة الممنوحة لإعداد الخطط اللازمة لشل قدرة نظام الأسد على تصنيع وتسويق حبوب الكبتاغون ومحاولة قطع ذلك الشريان المالي الذي يغذي قدرة الأسد على الاستمرار في حربه على السوريين والاستمرار بتعنته برفض الامتثال لأي حل سياسي.

ويتم الآن في الولايات المتحدة دراسة مشروع قانون تحت مسمى مناهضة التطبيع مع الأسد وقد مَرّ من إحدى لجان مجلس النواب وبتوافق الحزبين ومن المتوقع أن يأخذ الوقت اللازم ليصبح قانوناً أمريكيا يُلزم أي إدارة سياسية تسكن الببت الابيض بالالتزام بمضمونه، وبالتالي لا يصبح إعادة تعويم الأسد (أمريكياً) اجتهاداً سياسياً تمليه ضرورات المصالح الأمريكية.

الهدف من العقوبات الأمريكية

  1. على المستوى الاقتصادي، تَهدف العقوبات إلى تعطيل أو شل مكامن القوة الاقتصادية للنظام وإبقائه ضعيفا ومتهالكاً وغير قادر على التعافي ومنع الغير من تقديم المساعدات له أو الأخذ بيده للخروج من ذلك المستنقع.
  2. على المستوى السياسي والدبلوماسي تهدف العقوبات إلى توجيه الرسائل الصارمة والقطعية أن أمريكا لم تعد ترى في الأسد ووفقاً لقوانين أمريكية صدرت من الكونغرس وبتوافق الحزبين وتوقيع سَيّد البيت الأبيض، بأن الأسد مجرم حرب وزعيم عصابة دولية للاتجار بالمخدرات وقاتل لشعبه وخطر على الأمن القومي الإقليمي والدولي (ومنه الأمن القومي الأمريكي) وداعم للإرهاب بل هو عضو أصيل فيه، والإيحاء لمن تراوده نفسه بالتطبيع أو طَبع وينتظر إعفاءات أو غض نظر أمريكي، بأن الأسد كرت أمريكي محروق والاستثمار فيه غير مجد، وعليكم الكف عن محاولة تعويمه والمراهنة على بدائل أخرى، ولا مانع من أخذ تنازلات منه أو اتقاء شروره.

قد يكون من مصلحة الولايات المتحدة إسقاط الأسد (أو تركه يسقط) عندما لا يعود هناك أثمان كبيرة مضطرة لدفعها الآن فيما لو حاولت ذلك، حيث لابدّ من كسر الظهر الروسي الذي يستند عليه النظام، وتوقف القلب الإيراني الذي يُعطيه المناعة الآنيّة وتَوقّف ضخ الدم في شرايينه اليابسة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني