fbpx

أسباب حزن القمر | الشاعر صخر العبدالله

0 443

في عُرْي العالمِ.. تتَّحدُ الروحُ بأشرعتي 

أتلحَّف بالنورِ الصادرِ عن شِعْري.. ليقودَ القلب إلى برٍّ

أتغطَّى باللحن وصوتِ الماءِ وبالكلماتِ

لأصنع أغْنيةً تجعلُني مجنوناً أُنْكر ما أُبْصر يا أمِّي

فالعالم عارٍ مثلُ غلافِ مجلةِ جنسٍ

أو برنامج تثقيفٍ في إحدى القنواتِ الهادفةِ

إلى دمج الأبطال مع الجمهور

فيَدْخُل واحدُهم في التلفاز

ويُخْرج آخرُ من يَهْوَى كي يُظْهر حجم ثقافتنا

ويحاول شخصٌ ثالثُ صنع قناةٍ أخرى للتثقيف

وأما المسكين فيخرج للداخل ويضاجع حائط شرفاتِ اللذةِ

والشاعر يهرب للأوراق المغرية البيضاء

ليعلن أنَّ العالم عارٍ والقمر العذري سيبكي

فتسيل العين كقلب قتيل… 

* * *

أهرب في هذا العالم من طيبة قلبي

من حبِّي الأول.. من حفرٍ في الدرب

وأهرب من تقييم الأسفل كي أعرف

هل يوجد في الأعلى ظلمٌ أم عجزٌ

فالشعب يموت وجارتنا ملَّت من لون السيَّارة

جارتنا تستثمر كلَّ أنوثتها في بنك الليل 

فيرفعها أصحاب الليل إذا هبطت 

وأبدِّد ليلي في الأوراق فأقرأ أنَّ الله العادل أصبح بحراً أحمرَ

تنصبُّ عليه جداول أحزان الأرض

فأهرب من كلِّ الكتَّاب إلى الأُنثى،

يوقفني رجلٌ يدعى نابليونَ

ويزعم عهر جميع نساء الأرض

أُغيِّب ذاكرتي في صوت الريح وأهرب من وجه حقيقته السوداء

فيلحقني الوطن المذبوح بسيف السلطة

يصرخ: إنَّ السلطة سبب الأسباب فلا تهرب

فالسلطة كالشهوة يفرغها القادة 

في الكلِّ المتعب من حدِّ الملح لحدِّ الملح

فتحبل هذي الدّنيا أحزاناً.. أوجاعاً.. قهراً

كي تنجب وهماً لا يجدي

فالثورة في مدن الملح تنصِّب غولاً في موضع غولٍ

والشعب الجائع في بغداد وخارجها

يتفرج مكتوف الأيدي مذهولاً

فالعالم عارٍ يا أُمِّي

والثورة لم تنقذ قمري فالليل طويل…

* * *

وأحاول أن أحرق من ذاكرتي من حرقت محراب الحب لتحرقني

(أغرتني أن أدخل في العتمة قرب الموقد

قالت أنّي الأوَّل والآخر والحبُّ الباقي،

صدَّق قلبي فخرجنا عصفورين قد اتحدا)

كان الحبُّ لديها مرآة تختال بها

فهي الأحلى وهي الأغلى 

وبنات الأرض لديها أشباحٌ لا تظهر في المرآة،

وكان الحبُّ لديَّ طريقة تجميعٍ للروح المنثورة منذ البدء 

وتبديدٍ للجسد الفاني

اختلف الحبُّ وخلَّفنا معصيةً لنْ تغفر يوماً

فهبطنا من نشوتنا كي أُدرك أنَّ العتمة لا تصلح إلاَّ للَّذة

إذ كلُّ غرامٍ يزرع قرب الموقد لا يُثمر

فالحلوة كانت قد نسيت أعواماً قلبي قرب النار

وكان المشهد بعد هبوطي برداً وذهولاً لا يُنسى

والقمر العاشق يا أُمِّي قد كان وحيدا… 

* * *

من تملك منكنَّ دوائي 

من تجمع روحي..؟

كان سؤالاً يغويهن فتسقط أكثرهنَّ جمالاً فيه 

بعصر السرعة أقنعةٌ تتلو أقنعةً 

تنكشف الأُنثى فتكون الواحدة مثال الأُخرى 

جسدٌ بستانٌ وثمارٌ والروح خواءٌ كالصحراء

وكان جواباً يقتلهنَّ ويقتل كلَّ مواعيدي

أنتظر نعيماً يخرج من كتب الأديان الأولى

تسكنه امرأةٌ تشبهني

امرأة جسدٌ في روح.. تنكشف لتظهر عفتها

في الستر وفي الكشف سواءٌ

طال اليأس وهاج البحر

وكنت غريقاً حدَّ الموت أقاوم موتاً محدوداً

فتجلَّى صوتٌ يحمل وحياً أنقذني من قبضة عقلي

(لن تجد الجنّة عند سواي.. وتلك أنا)

أبصرت فكانت امرأة خرجت طازجةً من حلمي

ورأيت الفاتن وجه عنان 

الموحي أنَّ الله تبسَّم وقت الخلق وكان سعيداً

أبدعها فرحاً مكتملاً.. ضحكتها سلَّم موسيقى

فانوجد الضائع من روحي.. ودخلنا الحبَّ.. وكان لقاءُ

قلت: تعالي.. أنت الأُنثى

كوني وتراً كي يطربني

كوني حلماً قزحيَّاً.. بغيابك أطفأت منامي

كوني قمراً فيروزياً بسماءٍ تمتلئ غراماً

لا تشبهها أيُّ سماءٍ.. تلك سمائي

ظلِّي فرحاً.. 

نظرتْ.. ضحكتْ.. نزعتْ ورداً عن خُصلتها

فانساب الليل الأشقر.. قامتْ

ربطتْ كلَّ نجوم الليلة في الخاصرة السحر.. تجلَّت بدراً

غنَّتْ.. رقصتْ.. غمزتْ بالعين الخضراء

ومالتْ همستْ: قبِّلني في شفتي السُفلى

أتأمل في الشفة السُفلى كي أكتب وصفاً للعينين الخضراوين

هصرت الخصر.. تبدَّت روح عنان

فصارت ثغراً.. وأنا ثغرٌ وتحوَّلنا محض شفاهٍ

لكنَّ الخنجر فاجأني.. 

دخلت خالتها في الدير الآمن شيطاناً بل إعصاراً

يجتاح الحلم وينهي الحبَّ.. يفرِّق وحدة كلِّ الروح وينثرها في الكون هباءً

فخرجت من الحلم حزيناً

أتألَّم من برد الشارع.. من وحشته 

من حجم خواء نفوس الناس

وألعن في الداخل أرحاماً ما عادوا أرحاماً

كي أعلن في الخارج أنَّ العالم عارٍ

فالقمر الغائب يا أُمِّي قد صار بعيدا… 

* * *

في زمن القرن الواحد والعشرين

سيبقى آدم في عالمه السفليِّ أو العلويِّ حزيناً

ليراقب أرضاً يفسدها غجرٌ ومجوسٌ و يهودٌ

في داخل هذي الأرض وخارجها

بشرٌ جوفٌ لا يصلحهم أيُّ نداء

جدرانٌ تهدّم جدراناً

والأرض كشكل قلوب الناس خرابٌ مازال يدور

من المجهول إلى المجهول بلا سببٍ

وأنا أتأمَّل في شكل العالم لا يُعجبني

أتغطَّى بالنور الصادر عن شعري

أهرب.. أتلحَّف باللحن وصوت الماء وبالكلمات

أغيِّب ذاكرتي في صوت الريح

فيوقفني شيطان الشعر 

ويسألني عن سرِّ بقائي حيَّاً

فأحاول أن أخرج من هذا البحر

أخافُ فلو بقي القلم يبوح بما يعرفه من عري العالم

سوف تضجُّ القاعة بالصمت.. وتبكي الدُّنيا

ثم يغيب الجمهور عن الوعي

وأبقى وحدي كي أصرخ: إنَّك أُمِّي سرُّ بقائي.. سرُّ وجودي

لو غاب حنانك يا أُمِّي

سأخوض الموت بلا حدٍ وأموت مماتاً أبدياً

لا أحيا فيه سوى بالشعر

لأطرقَ أبواب الآلهةِ بنبض القلب

وأطلبَ من ربِّ الأرباب بأن يُصلح هذا العالم

قد يرفض

إذْ ذاك سأخلق من شعري كوناً يتغطى بالحب

بلون عيون حبيباتي

ويكون لعالمي الأخضرِ بابٌ يفصل بين الأبيضِ والأسودِ

لا يدخله إلا العشَّاق ويملؤه الآلهة الفقراء جميعاً

ويكون به امرأةٌ أمٌ

يتوسَّد حضن أغانيها طفلٌ رجلٌ

ويظلِّلها قمرٌ يضحكْ… 

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني