fbpx

أثر الحرب في سوريا على حقوق الطفل

1 335

اندلعت الثورة السورية في آذار 2011، وكانت سلمية، لكنّ النظام الأسدي أدرك تماماً أنه إذا استجاب لجزء من مطالب المتظاهرين، فسيخسر بالتدريج هيمنته المطلقة على حكم البلاد، وبالتالي ستكون الدولة “الأسدية الأبدية” مآلاً للسقوط، ولهذا واجه الثورة بالعنف الشديد المفرط، وأطلق شعار “الأسد أو نحرق البلد”.

هذه الحرب أثرت على السوريين في كل مناحي حياتهم، وكان الأطفال أكثر المتضررين من وحشيتها، وسنستعرض في هذه المقالة الآثار السيئة التي ألحقت ضرراً كبيراً بالطفل السوري ومستقبله، وتحديداً بعد أن اضطر كثيرٌ من السوريين إلى النزوح عن مناطقهم داخل البلاد، أو اللجوء إلى دول الجوار والعالم.و العالموالعال

هذه الحالة من اللجوء والنزوح أثرت بشدة على الطفل السوري من كل النواحي، أولها تعرضه لفقد الحياة، وفرص التعليم نتيجة النزوح الدائم، إضافة إلى فقدانه حقوق الرعاية الصحية وتوفر الغذاء الصحي، وذلك بسبب تناقص فرص العمل نتيجة هروب رؤوس الأموال إلى خارج البلاد، وتعطّل دورة الحياة الاقتصادية السنوية، بما يتعلق بالزراعة في البلاد، ما أفقد العاملين في هذا القطاع فرص عملهم وإنتاجهم الزراعي المحدود، وأدى بشريحة واسعة من السكان النازحين داخل البلاد إلى حالة العوز والفقر وانتظار المساعدات الإنسانية.

إن الطفل الذي فقد استقراره الطبيعي مع أسرته في بيئته الأصلية وجد نفسه غريباً في مجتمع جديد، وهذا المجتمع قد يكون أجنبياً كما في الحالتين التركية والأوربية، وهو مضطر لتعلم لغة جديدة وعادات جديدة قد لا تتفق مع عادات أهله وشعبه.

في البلدان الناطقة بالعربية، بقي السوريون في غالبيتهم نتيجة أوضاعهم الاقتصادية الضعيفة في مخيمات أقامتها منظمات دولية بإشراف الدول المضيفة. هذه المخيمات لم توفر فرص عمل لأرباب الأسر ما جعل تعليم الأطفال لدى كثيرٍ من السوريين عبئاً مادياً عليهم، وهذا ما أدى إلى ظاهرة التسرب من التعليم، ليتحول الطفل إلى سوق العمل بأجر زهيدٍ، فاقداً طفولته وإشباع مرحلتها في جانبيها المادي والنفسي، وحقه في التعليم والحياة.

ظاهرة التعليم في البلدان المجاورة لسوريا كانت تصطدم بمسألة الجنسية وتحديداً تسجيل المواليد الجدد، عدم وجود جنسية يعني حرماناً من حقوق كثيرة وقعت مصائبها على رأس أطفال سوريا، وهذا أدى إلى اتساع ظاهرة الأمية بين الأطفال السوريين، ما يعني أن هؤلاء أطفال اليوم هم جهلاء الغد، وهذا يهدّد مستقبل الشعب السوري لعشرات السنين القادمة، ما يستلزم تدخلاً أممياً للمساعدة في توفير التعليم ولو في حدوده الأساسية (مراحل التعليم الأساسي).

في جانب آخر، خسر الأطفال رعايتهم الصحية، التي كانوا يتمتعون بها قبل الثورة بدرجات شبه مقبولة، أما في بلدان اللجوء وفي مناطق النزوح فقد خسروا القسم الأعظم من هذه الرعاية، وهذا أدى إلى انتشار أمراض كانت قد اندثرت سابقاً، كانتشار الكوليرا حالياً في شمال غرب سوريا (إدلب وجوارها). كذلك ازدادت نسب الوفيات بين الأطفال وتحديداً الأطفال حديثي الولادة نتيجة نقص الرعاية الصحية، وهذا يتطلب تدخلاً دولياً لمنع انتشار الأمراض والأوبئة في أماكن النزوح أو في أماكن اللجوء في البلدان العربية التي تفتقر لمثل هذه الخدمات.

أما ما يخصّ حماية الطفل في بلدان اللجوء، أو في مناطق النزوح داخل البلاد، فقد نصّت لائحة حقوق الطفل العالمية على هذه الحقوق وشرحتها، وهذه الاتفاقية التي تم توقيعها عام 1989، هي ملزمة للدول لتنفيذ ما ورد بها من حقوق للطفل، حيث جاء فيها: “تتعهد الدول الأطراف باحترام حق الطفل في الحفاظ على هويته بما في ذلك جنسيته، واسمه، وصلاته العائلية على النحو الذي يقره القانون، وذلك دون تدخل غير شرعي”. وفي نقطة ثانية: “إذا حرم أي طفل بطريقة غير شرعية من بعض أو كل عناصر هويته تقدم الدول الأطراف المساعدة والحماية المناسبتين من أجل الإسراع بإعادة إثبات هويته”، وفي نقطة أخرى: “تتعهد الدول الأطراف بأن تضمن للطفل الحماية والرعاية اللازمتين لرفاهه مراعية حقوق وواجبات والديه أو أوصيائه، أو غيرهم من الأفراد المسؤولين قانوناً عنه، وتتخذ تحقيقاً لهذا الغرض جميع التدابير التشريعية والإدارية لمصالح الطفل الفضلى”.

أما في سوريا، فنظامها الأسدي الذي شنّ حرباً عسكرية مدمرة على المدن والقرى وكل البنى التحتية من مدارس ومشاف ودوائر خدمات.. الخ. لم يلتزم بالمطلق بحقوق الطفل، وهو يأتي ضمن قائمة الدول الأكثر انتهاكاً لحقوق الطفل في العالم، إذ سقط آلاف الأطفال ضحايا لبراميل متفجرة كانت ترميها طائراته على القرى والمدن والمزارع على المدنيين الأبرياء وفي مقدمتهم الأطفال.

هذه الحالة تستوجب تدخلاً مادياً دولياً بإجراءات رادعة من المجتمع الدولي تمنع النظام من القيام بمثل هذه الجرائم التي توصف قانونياً بأنها جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، من خلال توفير أطر حماية تتمثل بوجود منظمات مجتمع مدني دولية تدخل إلى سوريا، ويحق لها الدخول وتفحص أحوال السوريين في مناطق نزوحهم ولجوئهم تنفيذاً للاتفاقيات الدولية بحماية.

أما الحصول على جنسية البلد المضيف للاجئين فهي عملية تتعلق أولاً بقوانين البلد المعني وتشريعاته، وهذا ينطبق أساساً بصورة ما على من لم يولد في هذه البلاد، أما الأطفال الذين يولدون في بلدان اللجوء فهناك نصوص قانونية دولية تقر بحقوقهم بأخذ الجنسية ضمن شروط تختلف من بلد إلى آخر حسب تشريعاته

وفق كل ما تقدم، نستطيع القول إن الطفل السوري سواء كان موجوداً في مناطق النظام وتحت هيمنته، أو في مناطق النزوح داخل فهو طفل خسر كثيراً من حقوقه، وهو لا يستطيع استعادتها باعتباره كائناً ضعيفاً لا حول له ولا قوة.

هذه الأمر يحتاج وضع استراتيجية شاملة لردم الدمار الذي أصاب حياة ومستقبل الطفل السوري.

1 تعليق
  1. Muhammad Khaled says

    مادة مهمة في موضوعها، ونحتاج تسليط الضوء بشكل عملي أكثر على هكذا مواضيع اجتماعية مهمة واستراتيجية في حياتنا.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني