fbpx

نحن والحرية والثورة

0 289

لعل مفهوم الحرية من أكثر المفاهيم التي تم تناولها واحتلت الصدارة في انتفاضة الشعب السوري في الشهر الثالث من عام 2011، حيث سميت ثورة الحرية والكرامة مفهومان متجادلان متكاملان.

وسأتناول في هذه المقالة مفهوم الحرية التي لا يمكن نيلها إلا بعد معرفتها وممارستها وبذلك تتحقق الكرامة الإنسانية ويأخذ الإنسان صفته كمواطن في إطار دولة وطنية دولة الكل الاجتماعي، وأين نحن منها بعد كل ماجرى؟!.

الحرية مقولة فلسفية كما هو معروف وكما وردت في معجم الأخلاق وفي العديد من المصادر الأخرى ولما كانت الفلسفة هي العقل في حركة تعقله لذاته (التفكير بالعقل وفي العقل) ولما كان أيضا فعل الحرية (الفعل الحر) مرتبط ومتجادل مع الإرادة، والإرادة الحرة ملكة عقلية ونفسية وهي صفة عامة لجميع البشر كما وصفها

(هيدجر) واضعافها أو تعطيلها أو فقدانها مسؤولية الفرد نفسه في المقام الأول، وهذا لا يعني إغفال المؤثرات الأخرى، لأن الإنسان الفرد الذي يتنازل عن حريته أو يسلمها بإرادته من الصعب استرجاعها ولن يرتقي كإنسان لأن صفته الإنسانية مرتبطة بالعقل بما هو مضمونه الحقيقي، ومعيار إنسانيته، والحرية ماهية العقل وهي التحديد الذاتي كما وصفها الفيلسوف الألماني هيجل، وهي الفكرة التي اعتمدت هي نفسها على فكرة كانط في استقلال الإرادة التي تشرع لنفسها قانونا لتسيير عليه.

أما الفرد الذي تنتزع حريته لا بد أن يسترجعها ولو بعد حين لأنه عرفها كقيمة مرتبطة بذاته وجزء من بنيتها وفقدانها هو خسارة لجزء من هذه البنية،

إننا بوعي الحرية وتجادلاتها يمكننا الدخول في عالمها والوقوف على ماهيتها بحيث تصبح مفهوما متعقلا لا لغزا مبهما، وهذا الوعي مرتبط مع وعي الإنسان لذاته الإنسانية التشاركية التي تجمع في ذاتها الأنا والآخر والتي ترتقي بالحرية وفيها عبر عملية تراكمية وضمن مسارات تطورية حياتية يتحمل القسط الأكبر فيها وخاصة في البدايات الشريحة المفكرة حيثها الأقدر على عقلنة العقل ووعي تجادلاته مع الحرية والإرادة والواقع المعيش بوجوهه كافة، ليصبح عقلاً فعالاً يستطيع الوقوف على تحديدات هذا المفهوم النظرية وإشكالاته العملية، خاصة وأننا نعلم بأن الحرية مفهوم أشكالي كما وصفها مونتسكيو، (ليست هناك كلمة أعطيت معاني مختلفة كالحرية وهذا يدلل على أهمية وجودها كضرورة لوعي الضرورة.

والضرورة ضرورات، كما الحرية حريات لأنها الحد الآخر المتجادل مع هذه الضرورات والمعني في كشفها وإنهائها.

وإذا كانت الحرية وكما أشرت تبدأ من الذات الفردية فالضرورة تكمن في هذه الذات والصراع يبدأ من هنا، بين ذات بنزوع إنساني تشاركي تأخذ بالعقل والتعقل والعقلانية لبناء عالمها الإنساني، وذات فردانية نفعية ترى في ذاتها معيار كل عمل مادي كان أو معنوي، وهذا ليس بمعزل عن التجادلات الأخرى بل ضمنها ومعها على كل مستويات الصراع في شقيه التقابلي والتكاملي، وفي إطار حركة الواقع الذي نعيشه الذي وصفه هيجل بقوله:

(كل ماهو واقعي عقلاني وكل ما هو عقلاني واقعي، كما أن عقلنة العقل مدى مقاربته مع الواقع).

هنا يتبادر للذهن سؤال، أين نحن من الحرية لماذا هذه الإخفاقات المتتالية لتجاربنا أين الاحلام الوردية التي شنفت آذاننا، لماذا بدلت بنقائضها وكان بديلاً لها حربا عبثية دمرت الحجر والشجر وما زالت تعمل لقتل الإنسانية فينا، بحيث تسلبنا إرادتنا الوطنية والإنسانية وتدمر إحساسنا الذاتي بأننا بشر قادرين أن نفعل شيئا يتعلق في مصيرنا، الذي انتزعه منا الغرباء الذين استباحوا الأرض والبشر، ونحن (كشعب) ليس لنا وجود فعلي على أرض الواقع، ليس لنا شخصيتنا الوطنية المؤثرة في تقرير مصيرنا بل على العكس نشتغل في بعضنا وعلى مستويات متعددة تحاصر بعضنا، ونقتل بعضنا بعض، وتستخدم كأدوات لأغراض تحطم مستقبلنا.

يا ترى هل هذا فعل استعماري، أو مؤامرة كونية كما يروج بعضهم؟!.

إلى متى هذا الاستخفاف بالعقل الوطني وإلى متى نستخدم هذه الشماعات التي نعلق عليها جهلنا وفشلنا وتبقى منقادين للعقول التي قادتنا إلى ما نحن فيه؟!.

نعم نحن جزء من بنية اجتماعية يسود فيها القهر التراتبي، يعشعش فيها الاستبداد ويتفرعن وهو صاحب اليد الطولى في تقرير مصيرنا، والاستبداد لا يقتصر على النظام بل يشمل الجميع بنسب متفاوتة، لأنه نظام متكامل ليس شخصاً أو فئة بل هو بناء له مؤسساته ومعارفه وثقافته، وبكل آسف حتى الآن لم نستطع أن نتميز عنه لا فكراً ولا ممارسة، ولم نستطع أن ننتج حريتنا، أن نصنعها أن نعيشها حتى ضمن ذواتنا حتى الآن لم نعي أن الحرية ليست وضعية ولا تقود إليها القوانين كما قال هوبز: من يرغب في الحرية عليه إنتاجها وتمثلها في البيت في حلقاتنا في علاقاتنا مع الآخر في سلوكنا السياسي والاجتماعي أن نرتقي فيها حتى ترتقي فينا، لأن الحرية هي الحياة هي الإنسان هي الحاضر والمستقبل هي أنا والآخر، هي نحن وهم، مجتمع الحرية هو المجتمع الإنساني.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني