fbpx

نتائج الانتخابات الأميركية وطبيعة تأثيرها على جبهات الصراع الإقليمي الأكثر سخونة

0 37

يبدو لي أنّ مآلات الانتخابات الأميركية، سواء على صعيد السباق إلى البيت الأبيض أو تشكيلة الكونغرس التي ستفرزها الانتخابات التشريعية المتزامنة، (التي لا تقل أهمية عن الاستحقاق الرئاسي بالنسبة للأميركيين، ويلعب المجلسان دوراً مهماً على صعيد السياسة الخارجية والدفاع والرسوم الجمركية، كما في مجال المساعدة الدولية، إضافة إلى صلاحياتهما في ممارسة الرقابة والإشراف على السلطتين التنفيذية والتشريعية).

ستحمل نتائج مباشرة على مآلات الصراع السياسي والعسكري السوري والإقليمي في مرحلة ما بعد 2020، بما يجعل منها الحدث الأكثر اهميّة على حاضر ومستقبل شبكة مرتكزات السيطرة الإقليميّة السابقة التي ترسّخت طيلة العقود الثلاثة الماضية لصالح الولايات المتّحدة والنظام الايراني، وتسعى حكومة الحرب الإسرائيلية، والحكومة التركية، في مسارات منفصلة، إلى تفكيك أبرز قواعدها التي ترسّخت عسكريا في مسارات حروب الولايات المتّحدة والنظام الإيراني بين “2015-2019″، خاصّة في لبنان و”شمال شرق سوريا”، في مواجهة ما تعمل عليه جهود إدارة بايدن الديمقراطية من أجل تعزيز شروط ديمومتها في سياقات التسوية السياسية الأمريكية الجزئية التي أطلقت صيرورتها بعد 2020.

ماذا حصل بعد 2020 في سياق التسوية السياسية الأمريكية وصنع عوامل سياق المرحلة الراهنة من الصراع على الجبهتين؟

قبل نهاية 2019، وخلال حروب متواصلة منذ منتصف 2015، بمشاركة فاعلة وقيادة تشاركية بين الولايات المتّحدة وروسيا وإيران في مواجهة تركيا، تبلورت سلطات أمر واقع ميليشاوية، تقاسمت حصص السيطرة ومناطق النفوذ، لصالح المُحتل الخارجي، وبرز في السياق أقوى قوتين محليتين تشكّلان رأس حربة مشروع السيطرة الإقليميّة التشاركية بين الولايات المتّحدة والنظام الإيراني، في حين تمثّلان بالنسبة لتركيا وإسرائيل أخطر عوامل تهديد الأمن القومي!.

صحيح أنّ وقائع السيطرة الجيوميليشاوية أتت انعكاساً لمصالح وسياسات وموازين قوى الدول التي تورّطت في حروب إعادة تقاسم الحصص بعد في أعقاب التدخّل العسكري المباشر – الأمريكي 2014، والروسي 2015، ومن ثمّ التركي 2016 – وأعطت الولايات المتّحدة “حصّة الأسد”، بيد أنّ مستقبل خارطة السيطرة الجيوسياسية على سوريا كان يعتمد بشكل رئيسي على طبيعة التسوية السياسية التي يمكن أن تتبنّاها قوى الاحتلال الدولية، والتي تعكس أيضاً مصالحها بشكل عام ومصالح الدولة الأكثر قدرة على التأثير والفعل، الولايات المتّحدة الأمريكية.

في مطلع 2020، بعد توقيع اتفاقيات 5 آذار بين الرئيسين أردوغان وبوتين، انفتحت أبواب التسوية على مسارين متناقضين، وفقاً لرؤيتين مختلفتين، وكان للولايات المتّحدة الدور الرئيسي في طرحهما خلال 2015:
1- مسار مركز بحوث RAND الأمريكي، الذي وضع خبراؤه دراسات تفصيلية متكاملة تحت عنوان: “A peace plan for Syria. Options for future Governance” 

“خطّة سلام لسوريا، وخَيارات الحكم المستقبلي”[1].

2- مسار جنيف المعروف، والقرار 2254.[2]

خلال 2020/2021، بدأت تتكشّف خطوات وإجراءات تأهيل متزامن لسلطتي قسد والنظام، وتراجع فرص مسار جنيف، وقد انحسمت المآلات خلال 2022، بعد تورّط روسيا في حرب غزو أوكرانيا، لصالح مسار التسوية السياسية الأمريكية الخاص، وفقا لمسار RAND..
ما هي أبرز نتائج مسار التسوية السياسية الأمريكية خلال 2023؟.

تسارع خطوات تأهيل سلطة قسد، بقيادة أمريكية، وتسارع خطوات تأهيل سلطة النظام السوري، خاصّة على صعيد ملفي الاقتصاد والتطبيع الإقليمي، وتعثّر الجهود التركية للوصول إلى صفقة تسوية مع حكومة النظام السوري رغم الجهود الروسية وحرص القيادة التركية، وكان العائق الرئيسي حرص الولايات المتّحدة على بقاء كانتون قسد، ومواصلة إجراءات تأهيل سلطته على جميع المستويات وفقاً لمنظور RAND، وربط غض النظر عن تقدّم جهود وخطوات تأهيل سلطة النظام محليّاً وإقليمياً بما تقدّمه من تسهيلات لجهود تأهيل قسد[3].
ثانياً: كيف انعكست تلك الوقائع على شبكة علاقات السيطرة الإقليميّة، ومآلات التسوية والحرب؟

1- على صعيد العلاقات الإسرائيلية الإيرانية: كان من الطبيعي أن يشكّل تعاظم قوّة حزب الله في سياقات حروب النظام الإيراني في سوريا والإقليم واستمرار الدعم العسكري النوعي قلقاً دائماً لدى القيادات الإسرائيلية، وقد فشلت جميع جهود إسرائيل للوصول إلى تفاهمات مع الولايات المتّحدة حول طبيعة الوجود الإيراني في سوريا من منظور مصالح الأمن الإقليمي الإسرائيلي، خاصة تفاهمات مؤتمر القدس الأمني في صيف 2019، وكان واضحا لحكومة العدو الإسرائيلي دلالات زيادة الدعم الإيراني النوعي لحزب الله وحماس، وزيادة جهود ترسيخ الوجود الإيراني في سوريا، وتحوّلت الهجمات العدوانية الإسرائيلية على مواقع النفوذ الإيراني إلى وجبات يومية! هي أهمّ العوامل التي أتى في سياقها هجوم طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 وقد شكّل موضوعيا فرصة تاريخية للنظام الإيراني، وإسرائيل.

في حين سعت قيادة طهران لتجيير عواقب الهجوم الحمساوي كورقة ضغط قوية على حكومة إسرائيل، تُجبرها على القبول بوقائع السيطرة الإيرانية على سوريا، ووقف هجمات جيشها العدوانية التي تصاعدت خلال 2023 بشكل غير مسبوق، وربما التوصّل الى تسوية شاملة برعاية واشنطن، تتوافق مع رؤية وسياسات السيطرة الإيرانية على سوريا.

وجدت حكومة اليمين الصهيونية في هجوم حماس فرصة تاريخية لكسر قواعد الاشتباك السابقة التي ترسّخت برعاية واشنطن، وأدّت إلى ما وصل إليه النفوذ الإيراني من قوّة في فلسطين المحتلة ولبنان وسوريا، وقلب معادلة السيطرة بما يتوافق مع منظور “حماية أمنها القومي”!

في الذكرى الأولى لهجوم طوفان الأقصى والحرب الإسرائيلية العدوانية اللاحقة، بدا واضحاً ليس فقط طبيعة فشل سياسات طهران لتجيير الهجوم لصالحها، بل وأيضاً وعجز إدارة بايدن الديمقراطية عن التوصّل إلى وقف إطلاق نار على جبهة غزة ورفح، يُعطي حماس استراحة وأمل بالبقاء، ويمنع تصاعد النزاع على الجبهة الشمالية ومخاطر توريط النظام الإيراني في حرب إقليمية. لقد طفت على السطح خلافات وتناقضات عميقة بين رؤية وسياسات إدارة بايدن وحكومة الحرب الإسرائيلية اليمينية التي واصلت حربها ضد حزب الله ولبنان وغزة، وكثّفت هجماتها على سوريا، رغم كلّ ما تبذله إدارة بايدن من جهد للتوصّل إلى وقف إطلاق النار، وهدن دائمة.

على صعيد العلاقات الإسرائيلية – الأمريكية، من الجدير بالملاحظة تبادل أشكال التنسيق والدعم بين نتنياهو والمرشّح الجمهوري ترامب الذي تميّزت علاقات إدارته السابقة مع حكومات نتنياهو المتعاقبة، بما يُعطي مؤشرات مهمّة حول الانعكاسات الإيجابية لفوز ترامب على خطط وسياسات الحرب الإسرائيلية على حزب الله، وفي مواجهة وكلاء النظام الإيراني الإقليميين، وعواقبها السلبية على نظام طهران الذي شكّلت له استراتيجيات “عدم انتشار النزاع إقليمياً” البايدنيّة فرصة كبيرة للمناورة، وعدم الوقوع في مصيدة حرب شاملة مع إسرائيل!!.

2- على صعيد العلاقات السورية التركية الأمريكية:

كان من الطبيعي إن ينعكس توافق مصالح الولايات المتّحدة وسياسات بايدن بعد 2020 لتعزيز شروط بناء قاعدة ارتكاز وتحكّم استراتيجية دائمة مع تطبيق أطروحات مركز “راند”، وإصرار واشنطن الديمقراطية على ديمومة وجود كيان قسد والعمل على توفير إمكانات تحوّله إلى إقليم مستقل في إطار توافقات مع حكومة النظام، بروز تناقضات كبيرة في العلاقات التركية الأمريكية، وقد فشلت جميع محاولات النظام التركي لثني واشنطن عن القرار والفعل، ووصلت جهود تركيا وروسيا للتوصّل إلى تسوية على مسار العلاقات السورية التركية في إطار مسار جنيف والقرار 2254 إلى طريق مسدود، وقد ضعفت الآمال التي اعطتها تصريحات الرئيس التركي الإيجابية وجهود الوساطة التي أدارتها الحكومة العراقية،[4] ليبقى التساؤل الكبير على صعيد العلاقات بين الدولتين “الحليفتين”:

هل سيعمل الرئيس ترامب في حال فوزه، كما يأمل الأتراك (والإسرائيليين)، على تحسين علاقات بلاده مع شرك إقليمي بوزن تركيا، حتى لو حصل على حساب “كيان قسد”؟!

في الواقع، ينعكس عدم اليقين التركي في طبيعة مستجدّات السياسات الداخلية، والسعي للتوصّل إلى تفاهمات شاملة مع الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني التركي، عبد الله أوجلان[5].

إدراك القيادة التركية لحقيقة عدم إمكانية تغيير سياسات واشنطن الديمقراطية تجاه قسد، رغم ما استخدمته من وسائل سياسية وعسكرية منذ 2016، ورغم توافق جهودها مع مصالح وسياسات روسيا و النظام السوري، وصعوبة التوصّل إلى تسوية مع الحكومة السورية، توجّب بالضرورة، من وجهة نظر تركيا، التوصّل إلى تفاهمات حول مستقبل الكيان القسدي الذي حوّلته إجراءات التأهيل الأمريكية الديمقراطية خلال السنوات الأربع السابقة إلى “إقليم شمال وشرق سوريا الديمقراطي” وابرز حقائق السيطرة السورية، دفعها إلى المبادرة الذاتية، ومحاولة مقاربة القضية المرتبطة بوجود كيان قسد و الأمن القومي التركي بطريقة مختلفة، أقرب إلى الاعتراف بحقائق الواقع.

أ- سرّعت خطوات تأهيل الائتلاف وحكومته المؤقتة وميليشيات “الجيش الوطني” على حصّتها، بما يوازي خطوات واشنطن تجاه قسد، وكثّفت ضغوط وجهود احتواء “الجولاني”.

ب- أطلقت جهود ومبادرات تحصين الجبهة الداخلية عبر إحياء مفاوضات سابقة مع الزعيم عبد الله أوجلان على أمل تضميد الجرح النازف منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، الذي شكّل أخطر عوامل تهديد الأمن القومي التركي واستنزف موارد البلاد!.

ج- جهود النظام التركي، في الحكومة والمعارضة، للوصول إلى تسوية سياسية دائمة مع قيادة أوجلان لم تعد في إطار الفرضيات. ليس خارج هذا السياق، يمكن لسياسات الحكومة التصالحية، الساعية لتعزيز مناعة الساحة الداخلية التركية في مواجهة جهود أمريكية إيرانية مضادة، يصبح من الممكن الدخول في مفاوضات مباشرة مع قيادة قسد، من أجل التوصّل إلى صفقة غير مباشرة مع قيادة قنديل، (التي تعارض نهج تركيا الداخلي وسياسات التجاوب الأوجلانية، بدعم إيراني، كما ظهر في تفجير أنقرة الإرهابي)، وبما يعزز خطوات وجهود التوصّل إلى تسوية تاريخي لملف حزب العمال الكردستاني(والقضية الكردية)، قد تجد حكومة نظام العدالة والتنمية وشركائه في المعارضة والحكومة، أفضل الممكن لحماية الأمن القومي التركي من مخاطر الوجود العسكري القسدي، وسياسات قيادات قنديل العدوانية التي تتغذّى على تربة شبكة السيطرة الإقليميّة الأمريكية – الإيرانية.

بناء على ما سبق عرضه في وقائع السيطرة وتناقض المصالح والسياسات على جبهة الحرب الإسرائيلية الإيرانية من جهة، والتركية القسدية (الأمريكية والإيرانية)، من جهة ثانية، ومعرفتنا بطبيعة ودرجة الاختلاف بين مواقف وسياسات الإدارة الديمقراطية الراهنة أو المتجددة، ومواقف الجمهوريين بشكل عام، والرئيس المحتمل ترامب، تتبيّن أهميّة نتائج الانتخابات اليوم، الخامس من نوفمبر، 2024.

إضافة إلى ما سبق، من المفيد التذكير بمحاولات ترامب “الانسحاب” من سوريا خلال 2019-2018 بما يعكس في حال حصولها في الفترة القادمة، مسار سياسات بايدن تجاه قسد، ويعيد رسم خارطة السيطرة على سوريا!.

على صعيد الحرب الإسرائيلية، ندرك طبيعة خطط وسياسات حكومة الحرب الساعية لتغيير خارطة السيطرة الإقليميّة الإيرانية، وما يشكّله فوز ترامب من عامل إيجابي، ليس فقط بسبب علاقات ترامب الداعمة بلا حدود “لأمن إسرائيل” وسياسات تقويض شروط التسوية السياسية الفلسطينية الإسرائيلية، بل وأيضاً بسبب تشدّد سياسات ترامب والجمهوريين تجاه سلوك النظام الإيراني الإقليمي، وتبنّي سياسات التوازن في العلاقات الإقليميّة، في مواجهة سياسات الديمقراطيين التي أعطت الأولوية لتقدّم أدوات ونهج المشروع الإيراني.


[1]– قدّم مركز بحوث RAND الأمريكي خلال 2015 دراسة شاملة حول مبادئ وخطوات “التسوية السياسية” التي يعتقد الخبراء المؤلفون انّها الأفضل “للوصول إلى حالة تهدئة مستدامة بين فصائل المعارضة وسلطات الأمر الواقع، المتصارعة على مناطق السيطرة المحليّة وعلى الشرعية السورية.

مما جاء في تحليل سياسي وعسكري شامل: “يجب أن يكون الهدف الرئيسي للولايات المتحدة وشركائها التفاوض على وقف دائم للأعمال العدائية مع دعم الحوار الطويل الأمد حتما بين الفصائل السورية فيما يتعلق بالشكل المستقبلي للدولة السورية.. ولأنّ هدف إعادة توحيد سوريا في ظل قيادة وطنية متفق عليها ومع مجموعة واحدة من الهياكل الأمنية هو أمر بعيد، يجب النظر في كيفية توفير الحكم الأساسي للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الفترة الانتقالية”.

“.. يرى هذا المنظور أن لامركزية الحكم يمكن أن تكون جزءاً من الحل.. قد تظهر بعض أشكال اللامركزية أيضاً في أي تسوية سياسية نهائية في حال ثبت أن السوريين غير قادرين على الاتفاق على دولة موحدة وتشكيل حكومة مركزية”.

عملياً، نحن أمام مشروع تسوية سياسية متناقض مع خطوات ومقاصد مسار جنيف، يؤدّي في السياق والإجراءات والصيرورة إلى تثبيت سلطتي قسد والنظام على الحصص ومناطق النفوذ التي حصلت عليها السلطتين نتيجة حروب إعادة تقاسم الجغرافيا السورية بين 2014-2020، لصالح سيطرة وتحكّم تشاركية، ويضع تركيا أمام الخَيار الأصعب: التعامل مع وقائع التسوية السياسية الأمريكية!.

هكذا تتقدّم خطوات تأهيل سلطة قسد على الحصة الأمريكية تحت يافطات، حكم ذاتي ديمقراطي – لامركزي، وفقاً لدعاية مسد/قسد، والسلطة السورية على الحصّة الإيرانية، تحت يافطات الشرعية؛ وهو ما يفضح طبيعة التضليل الذي تحدّثت عنه وثائق “راند”، وتلوكه دعايات مسد منذ نهاية 2019 وحتى اليوم في مؤتمر بروكسل، حول “الهدف النهائي لهذه العملية هو سوريا شاملة وموحدة، وديموقراطية”!.

[2]– الذهاب إلى مسار جنيف كان سيؤدّي في السياق والصيرورة إلى قيام حكومة توافقية تحاصصية في دمشق، وإعادة هيكلة ميليشيات سلطات الأمر الواقع في إطار “جيش سوري موحّد”، وإعادة بسط سلطة الجيش والحكومة المنبثقة على كامل الجغرافيا السورية.

من نافل القول إن ذهاب التسوية السياسية على مسار جنيف كان يتوافق مع مصالح تركيا وروسيا والنظام السوري الإيراني، في درجات متفاوتة، بالطبع، وكان يمكن للولايات المتّحدة أن تضمن مصالحها العامّة عبر اتفاقيات مع النظام السوري بشكل خاص، كما كانت عليه الحال قبل 2011، بيد أنّ هموم واشنطن التكتيكية والاستراتيجية كانت في مكان آخر ما زالت تتجاهل طبيعته نخب المعارضات السورية!.

[3]– استمرار التعزيزات العسكرية الأمريكية لقوات قسد، ومناورات مشتركة معها في تزامن مع جهود مسد “التأهيليّة” على المستوى السياسي، وعلى الصعد الإقليميّة والأوروبية، التي كانت محطّة ونتائج مؤتمر بروكسل المسدي في 25 تشرين الأول أبرز إنجازاتها، لا يخرج عن السياق السياسي الأمريكي الإستراتيجي لبناء قاعدة ارتكاز وتحكّم دائمة باتت تتجسّد في “إقليم شمال وشرق سوريا الديمقراطي”، وهي العوامل الرئيسية التي تَحكُم أهداف وإجراءات مسار التسوية السياسية الأمريكية الجزئية في سوريا، وتؤثّر مباشرة على مسارات الأحداث في سوريا وعلى المستوى الإقليمي ؛ وهي، على أهميتها القصوى لصناعة وعي سياسي موضوعي، ورأي عام سياسي سوري وطني فاعل، ما تزال مُغيّبة في ثقافة الوعي السياسي والثقافي النخبوي المسيطر، الذي تصرّ نخبه على تجاهل وجودها و وطبيعة مخاطرها!!

في مقال إنشائي مُفصّل بعنوان “عن الحوار المحتمل بين سلطة قسد وتركيا، 4 نوفمبر 2024″، يستمتع الدكتور في التحليق عالياً في أوهام التفاصيل السورية النخبوية “العمومية”، المنفصلة عن وقائع التسوية السياسية الأمريكية، و تتجاهل ما حققته موضوعيا وذاتيا على مستوى سلطات الأمر الواقع، وصعيد العلاقات بين جميع الأطراف:

“… هناك حديث يدور حول الدفع باتجاه حدوث حوار أو تفاوض بين تركيا وسلطة “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا أو “قوات سوريا الديمقراطية”. يمكن القول إنَّ معظم هذه القضايا التي يمكن أن تكون على جدول أعمال أي حوار أو تفاوض متخيَّل أو متوقَّع، بين هذين الطرفين، هي قضايا ذات طابع سيادي، أي أنها تدخل في صلب وظائف الدولة السورية، والتي لا يجوز لأي طرف سوري أن يخوض فيها وحيداً أو بمعزل عن مظلة تمثيلية وطنية سورية. بمعنى آخر لا يجوز لأي قوة سياسية أو عسكرية سورية، أكانت كردية أم عربية، أن تدخل في حوار أو تفاوض مع الدولة التركية، أو سواها، حول قضايا استراتيجية، في غياب التفويض الشرعي”.

“…. يصعب تخيُّل وجود نتائج ممكنة التطبيق لمثل هذا الحوار أو التفاوض بحكم حدوثه بمعزل عن الأطراف الفاعلة الأخرى حالياً (لا يمكن اختزال الكرد السوريين والقوى الكردية الأخرى بالإدارة الذاتية وسلطة “قسد”) أو التي يمكن أن تصبح فاعلة مستقبلاً، ما يعني أنَّ أي اتفاق بين “قوات سوريا الديمقراطية” وتركيا، إن كان سيحدث حقاً، سيكون مؤقتاً بالضرورة لأنه محكوم بموازين القوى الحالية التي ستتغير حكماً في حال حصول أي تقارب بين تركيا والنظام السوري أو في حال حدوث اتفاق إقليمي دولي على الدفع بانتقال سياسي في سوريا بدرجة ما. “

“أمران مركزيان كي لا نبني أوهاماً انطلاقاً من الغرور بفائض القوة العسكرية في لحظة ما. فقد أوضحت التجربة الواقعية خلال العقد الماضي أنَّ جميع القوى والفصائل العسكرية على الأرض السورية قوى وظيفية، صفرية، محكوم عليها بالتلاشي في المآل، وهي مصمّمة لتؤدي دوراً مؤقتاً أو لتخدم سياسة معينة، ثم يجري إنهاؤها أو تتلاشى أو تغادر الساحة، بما فيها القوى الكردية المسلحة”!.

“أن يذهب أحد الأطراف السياسية الكردية مثلاً في طريق معاداة تركيا (أو غيرها) أو مصادقتها، أو طريق محاربة تركيا (أو غيرها) أو عقد السلام معها، أو طريق الحوار أو التفاوض معها، لا يصب في طاحونة بناء الوطنية السورية، بل يساهم في تقزيم الدولة السورية المأمولة وتشظيها. هذه المسارات الاستراتيجية كلها يجب أن تكون خياراً وطنياً ديمقراطياً سورياً لا خياراً منفرداً لهذا الطرف السوري أو ذاك، أكان كردياً أم عربياً”.

[4]– أكّد وزير الخارجية التركي عدم وصول بلاده إلى النقطة المطلوبة في إطار التقارب مع النظام السوري، مرجعا ذلك لعدم رغبة الطرف الآخر، موضّحا رغبة بلاده في رؤية النظام والمعارضة ضمن إطار سياسي واحد، يمكّنهما من الاتفاق عليه في بيئة خالية من الصراع.. وأن القضية الأهم بالنسبة لتركيا هي إنهاء وجود حزب العمال الكردستاني في سوريا وهو ما جعل تركيا تأخذ دوراً فاعلاً في الملف المتعثّر… وقد أتت تصريحات فيدان بعد يومين من تأكيدات لافروف أنّ المفاوضات بين البلدين معلّقة بسبب اختلاف المواقف بشأن انسحاب القوات التركية من سوريا، يريدها النظام أن تكون “بادرة حسن نية” وهو ما يبدو مستحيلا للطرف التركي خارج سياق صفقة شاملة، ترتبط جوهريا بالنسبة تركيا بما تعتبره ضرورة إنهاء وجود وسيطرة حزب العمال الكردستاني على قسد.

[5]– في 22 من تشرين الأول الماضي، دعا زعيم حزب “الحركة القومية”، دولت بهتشلي، مؤسس حزب “العمال الكردستاني” المسجون في تركيا، عبد الله أوجلان، لإلقاء خطاب في البرلمان يعلن فيه إنهاء “الإرهاب” مقابل حصوله على حق “الأمل”.

وقال بهتشلي خلال دعوته لأوجلان، “إذا تم رفع العزلة عنه (أوجلان)، فعليه أن يأتي ويتحدث في اجتماع مجموعة حزب الحركة الديمقراطية بالبرلمان التركي، ويصرح بأن الإرهاب انتهى تماماً وتم إلغاء التنظيم”.

وأضاف أنه يجب وضع ضوابط قانونية بشأن استخدام حق “الأمل”، ويجب أن يكون الطريق مفتوحاً أمام الناس للاستفادة منه، مشيراً إلى أن أوجلان يمكن أن يستفيد أيضاً في حال أظهر “الفطنة” و”التصميم” في اجتماع حزب “DEM” الكردي – التركي بالبرلمان. “عنب بلدي”. من الطبيعي أنّ لا يخرج موقف الزعيم القومي التركي عن إطار جهود النظام التركي التصالحية التي أعتقد انّها تجاوزت المبادرة، وباتت على طاولة المفاوضات المباشرة مع أوجلان.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني