fbpx

من سيدفع ثمن طوفان الأقصى؟

1 3٬398

المدنيون من يدفعون أثمان الحروب بالدرجة الأولى، من حياتهم وممتلكاتهم وعذاباتهم، هذا جرى عبر التاريخ ولن يتغير في الحاضر والمستقبل، وأهل غزة هم من سيدفعون الثمن الأكبر من فاتورة الحرب ولكن هناك آخرون أيضاً سيدفعون الأثمان أيضاً وبالتأكيد ستكون أثماناً باهظة، ولأنّ هناك خاسرون فمن البديهي أن يوجد رابحون.

1- دولة الاحتلال الإسرائيلي

وهي من أهمّ الخاسرين، هذا الخنجر الاستعماري أو رأس الرمح الغربي الذي تم إغداق الدعم والعطايا له طوال القرن الماضي منذ وعد بلفور حتى الآن، ورغم تَحوّله لقلعة عسكرية تكنولوجية إلا أنّه أثبت هشاشةً لم يَتصوّرها أحد، وتَمّ خلال ساعات قليلة سقوط كل النظريات عن قوة الردع بِكلّ أشكاله وأنواعه (العسكرية والاستخباراتية والإلكترونية… إلخ) فلم تُثبت تلك النظريات صحتها على أرض الواقع وتَمّ اختراقها بالكامل على يد بضع مئات من المقاتلين، وتمكنوا من هَزّ الأمن القومي الاستراتيجي الإسرائيلي في العمق، ويبدو أنّ المهاجمين تفاجؤوا بهذا الوهن قبل غيرهم ولو أدركوا ذلك لوصلوا إلى أعماق أكبر بالاختراق ليست بعيدة عنها تل أبيب أو القدس أو حيفا أو حتى مفاعلات ديمونة النووية.

وبعد سبعون عاماً من تأسيس الكيان الغاصب أثبت مرة أخرى أنّه غير قادر الاعتماد على نفسه بحماية أمنه الذاتي، إذ تدفّقت الأساطيل الأطلسية ورسائل الدعم اللامحدود الغربية لإنقاذ فتاهم المراهق المدلّل الغارق في نومه، والواهم بقوة عضلاته وضعف خصومه.

ذلك الفتى المتغطرس الذي تلقى صفعة على خده أفقدته توازنه فكيف إذا تلقى ضربة على رأسه؟

وعلى مدى سبعين عاماً مضت سقطت البروباغاندا الغربية بأن دولة الاحتلال هي واحة للديمقراطية ضمن مشرق عربي مُتخلّف، حيث أثبتت السنوات الماضية زيف هذا الادعاء إذ تَحوّل المجتمع الإسرائيلي أكثر نحو التطرف الديني وبات دعاة اليسار والعلمانية (وهم من المفترض أنهم حملة المشروع والقيم الغربية) هنوداً حمراً.

وفي صبيحة السابع من أكتوبر كانت تتربّع على السلطة في إسرائيل أعتى حكومة يمينية متطرفة أفرزتها صناديق الانتخابات، حكومة داعشية يهودية بقيادة الثلاثي نتنياهو وسموترتش وبن غفير.

وفي الحالة الإسرائيلية لا يمكن إلقاء اللوم على المؤامرات والانقلابات التي توصل الحكام لقيادة الدول، بل إنّ من أوصلهم هو المجتمع الإسرائيلي نفسه وهنا الأزمة تكون أعمق بل بنيوية ويتطلّب حلّها تغيير عقلية المجتمع من الداخل.

ولم تَعُد إسرائيل موطن اليهود الآمن في العالم، بل إنها المكان الأخطر عليهم حيث قُتِل في يوم واحد أكبر عدد من اليهود في ساعات ولا ينافسها بذلك الرقم إلا ما فعلته النازية.

لذلك سنرى الكثير من حزم الأمتعة وحقائب السفر بعد انتهاء الحرب الحالية والهجرة إلى الغرب الآمن فلم تَعُد إسرائيل حلم ايّ يهودي في العالم مهما أظهروا الآن من تماسك ووحدة، ولم يكن هذا مُفاجئاً للمراقبين الذي كانوا يتابعون الاحتجاجات الشعبية الإسرائيلية في الشوارع والشرخ العميق بالمجتمع نفسه وتجلّى ذلك بقضية الإصلاحات القضائية وغيرها من قوانين التضييق على الحريات المدنية.

كما أنّ خطورة وجود أكثر من 20 حزباً إسرائيلياً متطرفاً في الكنيست دليل على تشظي النخب السياسية والتي هي انعكاس لتشظي المجتمع الإسرائيلي الذي أوصلهم للبرلمان.

لم يستطع الإسرائيليون إنتاج نخب وقيادات سياسية تستطيع تحقيق السلام في المنطقة، واعتقدوا أنّ الأمن يُبنى بالقوة وليس في إرساء السلام وعدم اغتصاب الحقوق، وأنكروا كل القرارات الدولية (التي وُلِدت بالأساس لصالحه) واستهانوا بحقوق الشعب الفلسطيني والمشاعر والمقدسات العربية والإسلامية، حتى اتفاقية أوسلو، التي لا تضمن أدنى الحقوق الفلسطينية لم يُطبّقوها وحاولوا ويحاولون إجهاضها مع أنها تعطي الحق على 12% فقط من أرض فلسطين التاريخية لإقامة دولة فلسطينية عليها.

لم يستطع السياسيون الصهاينة إعطاء عرب الـ 48 (كما يسمونهم) وهم سكان البلاد الأصليين من الفلسطينيين حقوقهم، وليست صحيحة الادعاءات عن الديمقراطية الإسرائيلية الرائعة التي يُطنطنون بها، فلا تقوم ديمقراطية حقيقية إلا في دولة مواطنة وليس دولة فصل عنصري مقيت.

كان ديدنهم إنكار حقوق الشعب الفلسطيني وسرقة أحلام الدولة المنشودة عبر الإصرار على آلية فرض الأمر الواقع وطمس الحقائق على الأرض وتغيير الجغرافيا والديمغرافيا عبر بناء المستوطنات وإسكان قطعان المستوطنين فيها، ولا زال في مخيال المجتمع الإسرائيلي الوطن البديل في شرق نهر الأردن عبر سياسات تهجير ممنهجة.

حان الوقت الذي يَتوجّب على إسرائيل دفع الأثمان التي حاولت التهرّب منها طويلاً، ويجب أن تُدرك أنها حليف مهم للولايات المتحدة ولكنها ليست الحليف الوحيد، إذ يوجد حلفاء عرب آخرون لها بالمنطقة وهي غير مستعدة لقسم المنطقة لقسمين، والقسم المناهض لدولة الاحتلال سيرى حليفاً طبيعياً في روسيا أو الصين أو حتى إيران، وإنّ سياسة الولايات المتحدة في المنطقة تتطلب تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل ولن يكون مُجدياً عدم إعطاء الفلسطينيين بعضاً من حقوقهم، في حل الدولتين وحتى من المحتمل الوصول للحال قبل حرب عام 1967.

تعمل الولايات المتحدة على تثبيت عودتها لمنطقة الشرق الأوسط (إذا افترضنا أنها خرجت أو قَلّ اهتمامها بها) ببناء تحالفات قوية ضد المحور الآخر المُتربّص بالمنطقة وبان واضحاً قبل أسابيع وعلى هامش قمة العشرين إطلاق مشروع الشراكة الهندية الشرق أوسطية (مع إسرائيل) والأوربية بإدارة ورعاية أمريكية، وهكذا شراكات استراتيجية لابد لنجاحها من حَلّ مُنصف للقضية الفلسطينية ونزع عوامل التوتّر والحروب وإخراج المُتصيّدين في الماء العكر كإيران أولاً ومن خلفها روسيا والصين.

2- مشروع ولاية الفقيه الإيراني

طرقت إيران باب العتبة النووية ولم ترعوي لكل التحذيرات والعقوبات وأفشلت كل سبل التوصل إلى حل للمعضلة النووية، وظهر أنّ تعاونها العسكري مع بوتين ليس أوراقاً للضغط على الغرب لتحسين شروطها بالمفاوضات (لأنها أفشلت المفاوضات بنفسها) وأنّ هذا التعاون هو تحالف وثيق إستراتيجي وإنّها رأس حربة للتحالف الشرقي في الشرق الأوسط والمياه الدافئة، وخابت كل المحاولات الأمريكية باستعمال العصا والجزرة لإخراج إيران من ذلك التحالف، بل تم الكشف مُؤخراً في واشنطن لعملية اختراق إيرانية كبرى لمفاصل قرار مهمة في الإدارة الديمقراطية تَمّت في عهد الرئيس السابق باراك أوباما واستمرت في عهد الرئيس الحالي عبر روبرت مالي (المسؤول الأمريكي الأول عن الملف الإيراني في الإدارات الديمقراطية) وبعض المرتبطين به وجرى إثر ذلك إيقاف كلّ المفاوضات مع إيران بالشقّ النووي لتقييم مدى خطورة هذا الخرق

وكان واضحاً منذ أيلول من العام الماضي تصاعد وتيرة الحشودات العسكرية الأمريكية في المنطقة وتشديد اللهجة السياسية لمختلف التصريحات الأمريكية عن استحالة الانسحاب الأمريكي من المنطقة لأنّ فعل ذلك سيؤدي لوقوع المنطقة بالكامل في الأحضان الروسية والإيرانية.

ومعلوم بأنّ هزيمة روسيا وإخراجها من كل مناطق نفوذها حول العالم هو أولوية أمريكية، ولتحقيق ذلك كان من الضروري كسر الأرجل الإيرانية التي يقف عليها الدبّ الروسي في المنطقة.

وبدأ الحديث يتردّد في صحف عالمية ومن محللين مرموقين ومسؤولون سابقين عن جدوى وفائدة عظيمة للولايات المتحدة من قطع محور إيران الإستراتيجي عبر قطع الحدود البرية بين سوريا والعراق وتملك الولايات المتحدة الأدوات لتنفيذ ذلك.

ويرى بعضهم أنّ الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في المنطقة ترتكز على ثلاثة محاور:

1- فدرلة الإقليم العربي السني في العراق على غرار الإقليم الكردي في الشمال وذلك لطرد الميليشيا العراقية ذات التابعية الإيرانية من الحدود العراقية مع سوريا والأردن.

2- إسقاط نظام الأسد وهو مربط الفُرس بالمنطقة.

3- تجريد حزب الله من سلاحه وتحويله إلى حزب سياسي لبناني.

وبذلك يتم القضاء على التمدد الإقليمي للحرس الثوري الإيراني – الذي بنشر الفوضى وعدم الاستقرار يُهدّد كل المشاريع الأمريكية والأوربية بضمان أمن منابع الطاقة وخطوط نقلها بعد الطلاق الأوربي النهائي مع الطاقة الروسية – ولأن مشروع طريق التوابل الهندي (المنافس لطريق الحرير الصيني) لن يُكتب له النجاح إلا ببتر تلك الأذرع الميليشياوية المسلحة التي تُعيث فساداً من ضفاف شرق المتوسط وباب المندب والخليج العربي وصولاً لطهران وهي رأس الأخطبوط الذي يُموّل وبُحرّك تلك الأذرع.

ولأنّ ثورة السويداء وما تُمثّله من خطر داهم على نظام الأسد وقيام العرب بإيقاف كل مبادراتهم تجاه دمشق وقطع شعرة معاوية معه واستمرار الضجر والضيق الأردني من زيادة تهريب المخدرات والأسلحة بعد محاولات التقارب معه وتصريحات الملك الأردني غير المسبوقة تجاه بشار الأسد وبداية تسريب معلومات وتحليلات عن احتمالية امتداد القطع البري للحدود مع الأراضي التي يُسيطر عليها نظام الأسد من البو كمال شرقاً نزولاً إلى التنف مروراً بالحدود الأردنية وانتهاءً بالجولان، ما يعزز الانطباع المُتشكّل عند القيادة الإيرانية بأنّ الغاية هي إسقاط نظام الأسد وهو ما قاله بصراحة شخصيتين هامتين من محور إيران الإقليمي وهما نوري المالكي وحسن نصر الله.

إنّ ما قامت به إيران عبر حركتي حماس والجهاد صبيحة السابع من أكتوبر هو 11 أيلول جديد بالنسبة للولايات المتحدة، ويمكن أن يتكرر إذا لم يتم إنهاء أسبابه أو إضعاف فرص حدوثه مرة أخرى (على الأقلّ)، كما خانت القاعدة من دَرّبها ودعمها واستخدمها ثمّ تخلّى عنها دون أن يقضي عليها أو يُفككها أو يُضعفها فضربت ضربات أيلول 2001.

أيضاً إذا تمّ اقتلاع حماس والجهاد من غزة (وهذا مكلف لكنه ممكن) فإنه من المحتمل أن تُعاد الكرّة عبر أحد الأذرع الإيرانية في مكان آخر.

لذلك لابُدّ من إضعاف المحور الإقليمي الإيراني (إن لم يكن مُمكناً تغيير النظام في طهران).

تُشكّل سوريا العمود الفقري وواسطة العقد للمحور الإيراني الذي يُؤمّن التواصل والدعم التسليحي واللوجستي بين أذرع المحور، وقد تمّ مبدئياً قطع الممر الجوي لهذا المحور مُؤخراً بإخراج مطاري حلب ودمشق عن الخدمة.

ولكي تكون العقوبة بقدر الفعل فإنّ إسقاط نظام الأسد قد يُرضي صانع القرار الأمريكي بأنّ عمله هذا لم يكن رد فعل فقط على عملية غزة بل انسجاماً مع المخطط الأمريكي في المنطقة.

وبالطبع إنّ أسباب الذعر والارتباك الإيراني الواضح هو إدراك طهران أن الحشد الأطلسي العسكري الأخير (وكل يوم نسمع عن وصول تعزيزات نوعية أخرى) لن يشترك بحرب غزة بالتأكيد لأنّ العدو الإسرائيلي كفيل بإدارة الحرب ولكنه سيكون رادعاً لأي تشويش حقيقي على ما يريد القيام به الاحتلال الاسرائيلي في غزة ومن ثَمّ تنفيذ المهام الموكلة لذلك الحشد، التي كان التحضير بهدوء يَتمّ لها وما سرّع التنفيذ هو الضربة الإيرانية الاستباقية في غزة التي أرادت خلط الأوراق في المنطقة وثَني الولايات المتحدة عمّا تنوي فعله.

ولا شكّ أن إسقاط نظام الأسد يُشكّل ضربة عصفورين بحجر واحد، إذ إنّ غياب الأسد يعني حُكماً بتر الاحتلالين الإيراني والروسي من سوريا، وبذلك تفقد روسيا قواعد وجودها الوحيدة خارج محيطها الجغرافي خاصة أن أسطولها الحربي محاصر في البحر الأبيض المتوسط بعد تفعيل الحكومة التركية لاتفاقية مونتيرو، وبذلك يخرج الإيرانيون والروس من شرقي المتوسط ذلك المكان الواعد بالطاقة والقريب من أوربا والهام جداً للنظام الدولي الجاري تشكيله بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

1 تعليق
  1. Md khalifa says

    الانسانية هي الخاسر الأكبر في كل الحروب وعلى مدى التاريخ .

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني