fbpx

تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا و7 أكتوبر على القضية السورية

0 5٬321

باعتبار أنّ سوريا ساحة صراع دولي تتشابك فيها كثير من مصالح الدول وتتواجد على أرضها وفي سمائها خمسة جيوش أجنبية، إضافةً لكونها ساحة رئيسية لتواجد تحالف دولي لمحاربة الإرهاب يتألف نظرياً من أكثر من 80 دولة.

تتصادم على أرضها مشاريع إقليمية ودولية متنافسة (وأحياناً متصارعة) ليس بسبب ثرواتها بل لأنّ لعنة الجغرافيا تجعل منها ضرورة إستراتيجية لنجاح أيّ مشروع او إفشال أيّ مشروع مُضاد.

 لذلك يرتبط ما يجري في سوريا بكثير من الصراعات الدولية وينعكس عليها أيّ تَبدّل في موازين القوى للدول المتصارعة.

وحصلت في الفترة القليلة الماضية أحداث كبرى غير متوقعة أدخلت العالم في حقبة دولية جديدة، وتركت الصراعات الجديدة آثارها على سوريا فالبعض يرى تجميد النزاع بانتظار انقشاع غبار الحرب حيث ستتغير موازين القوى (وهذا ينطبق على روسيا والولايات المتحدة) فيما اختارت إسرائيل وإيران الساحة السورية لاستمرار الحرب الرمادية وصندوق للرسائل وجَسّ النبض.

ولم تتمكن إيران من إبقاء الصراع مع إسرائيل رمادياً بل أصبح لونه أبيض عندما عمدت إسرائيل إلى تغيير قواعد اللعبة وبدأت باستهداف ضباط الحرس الثوري الإيراني وليس الذيول التابعة له، بل ووصل الأمر إلى تدمير أجزاء من السفارة الإيرانية في دمشق وقتل أهم الضباط العسكريين.

وتوجد قاعدة مهمة في العلاقات الدولية مفادها أنّ الدول الإقليمية تربح إذا اختلفت القوى العظمى وتخسر إذا اتفقوا، وهذا ينطبق على الدولة التركية والتي تُعتبَر قوة إقليمية متوسطة القوة وهي عضو أصيل بحلف الناتو وتلتزم بمواقفه بأيّ صراع، وفي الوقت ذاته عضو في تَجمّع شرقي يَضمّها مع إيران وروسيا تَمّ تسميته منصة أستانة لإدارة الخلاف ومنع الصدام المباشر والتوافق في كثير من القضايا، وهذه المنصة لم يتم تأسيسها من أجل إدارة الصراع في سوريا بل تُشكّل سوريا أحد أهدافه بل لإدارة الخلافات أو التنافس أو التوافق في الإقليم كله وبشكل خاص في آسيا.

تركيا الآن ترى خصومها وأعدائها وأعدقائها مشتبكين في حروب بالأصالة أو بالوكالة مع بعضهم وكل واحد منهم يريد أن تكون في صفه، أو لا تكون ضِدّه على الأقلّ لأنّ انحيازها لطرف ما قد يزيد من فرص نجاحه.

بمعنى أنّ تركيا الآن في مرحلة حصد الثمار خاصة في سوريا والعراق بعد أن حققت نجاحاً إستراتيجياً في إضعاف التأثير الروسي بعد حسم الحرب في أذربيجان لصالحها وضد مصالح شريكيها في أستانة.

ماذا حدث في سوريا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا

بعد عام 2018 وسقوط آخر أوهام الاعتماد على روسيا في إنجاز في سوريا بعد الفشل الروسي الذريع في تنفيذ تعهداته والتزاماته بعد تسليم الجنوب السوري له، فتمّ إقرار قانون قيصر والتموضع عسكرياً شرق الفرات لإفشال أيّ مكسب سياسي أو اقتصادي لروسيا بعد تحقيقها لتقدم مُهمّ على الأرض بتوسيع مناطق سيطرة الأسد.

وبسبب فشل الرهان الأمريكي على الروس وبسبب عدم امتلاكهم لمشروع لحلّ توافقي معهم كان الهدف الأمريكي إفشال أيّ مبادرة روسية في سوريا وتحويل طعمة النصر إلى علقم وترك النظام الذي عملوا على إنقاذه عِبئاً عليهم وهو في غرفة العناية المشددة أو تَحوّل لجثة هامدة تمشي وتتكلم أحياناً.

وقد يكون الأمريكان انتظروا تغيراً في الموقف الروسي بالشأن السوري وبقيت الخطوط بين واشنطن وموسكو تعمل بطاقتها الدنيا لكنها غير مقطوعة.

لكن ما حصل كان العكس حيث أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى إغلاق كل الخطوط بينهما وتحولت العلاقة بينهما إلى صراع صفري واضح حيث لولا الموقف الأمريكي الحازم في أوكرانيا لكان للأحداث هناك وجهاً آخر، وأصبح الهدف المعلن (أو غير المعلن) إنهاء كل واحد منهما لوجود الآخر في سوريا ولم تعد القضية السورية تقبل القسمة على اثنين.

وبالتالي أصبحت البديهية والتي كان يُردّدها الجميع بأنّ لا حلّ في سوريا إلا باتفاق موسكو وواشنطن عليه، وهذا كان واقعياً وليس من باب الترف الفكري أو التنظير.

انعكاسات ما جرى في 7 أكتوبر على سوريا

سقطت كل التفاهمات الضمنية التي رعتها موسكو وواشنطن بين إيران وإسرائيل وسقطت نظرية جَزّ العشب المسموح بها روسياً إذا ما خرق الطرف الإيراني التفاهمات غير المكتوبة …

لم يكن ما حدث لإسرائيل صبيحة السابع من أكتوبر خرقاً لقواعد اشتباك ممكن الرَدّ عليه وتأنيب أو تأديب من قام به ومن يدعمه، بل تراه الدولة العبرية ورُعاتها المُشغّلين لها في الغرب اعتداءً مباشراً عليهم وهو تهديد وجودي لصنيعتهم الاستعمارية، ورآه الإسرائيليون هلوكوست جديد، وسقطت كل نظريات الدفاع الإلكتروني أو الرهبة من الردّ بل تَبين أنّ السلاح النووي لا يردع التنظيمات دون الدولة.

اقتنع الغرب أنّ الأذرع الإيرانية وسلاحها أخطر من المشروع النووي عملياً…وباتت الإستراتيجية الإسرائيلية المدعومة غربياً (حيث التوافق تاماً بالأهداف إنما الخلاف بالتكتيكات) بأنه لن يتم السماح بـ 7 أكتوبر جديد، ولم يعد الركون ببناء الأمن القومي على حُسن نوايا العدو أو احترامه لتعهداته وظهر أنّ ذلك نوع من السذاجة إذا ما تَمّ العودة إليه.

لذلك يرى بعضهم أنّ بعد الفراغ من غزة سيلتفت جيش دولة الاحتلال إلى تدمير الخطر الذي تُشكّله الميليشيات التابعة للحرس الثوري في سوريا ولبنان، ولا أعتقد أنّ الأسد سيبقى ضرورة أمن إسرائيلية بعد كل ما جرى إذ يعتبره الحرس الثوري تابعاً أو ذراعاً وليس شريكاً أو حليفاً يتم الأخذ برأيه أو التشاور معه بل عليه تنفيذ ما يُملى عليه من قم ّ وطهران.

وبالتالي سَتتجه البوصلة الغربية والإسرائيلية خاصةً إلى طرد النفوذ الإيراني العسكري من سوريا ولبنان وقد لا يكون إبعاد الخطر الإيراني عن الحدود الإسرائيلية بمسافات معينة أمراً وارداً، حيث أظهرت ضربة الردّ الإيرانية فجر 14 نيسان على إسرائيل فشل كامل لنظرية الردع الإيرانية الرئيسية القائمة على الضرب من الأراضي الإيرانية وبواسطة الحرس الثوري نفسه، حيث فشلت تلك الضربة فشلاّ ذريعاً وبالتالي ظهر أنّ ردم الفجوة الإلكترونية بين السلاح الغربي والإيراني صعباً للغاية ولن يتمّ تهديد إسرائيل إلا من مسافات جغرافية ملاصقة للحدود مع فلسطين المحتلة ولا يتوفر ذلك إلا من أراضٍ سورية ولبنانية بمعنى استهداف الأراضي الإسرائيلية من المسافة 0 وليس من 1300 كم.

وفي ظلّ الحرب المتواصلة بين إسرائيل وحزب الله في لبنان وسوريا، وباقي الميليشيات الإيرانية في سوريا والعراق قد يكون خلق مناطق عازلة شمال إسرائيل أمراً سنراه في المدى القريب والعمل مع تحالف دولي لإرغام إيران على الانكفاء من سوريا، وهذا قد يفتح أفقاً لحل سياسي بإرغام نظام الأسد على الانخراط فيه وفق القرار 2254 المرجعية الوحيدة للحل السوري.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني