fbpx

الاعتقال التعسفي في سوريا الجديدة خلال كانون الثاني /يناير 2025: بين الإرث الثقيل واستحقاقات العدالة

0 22

مع سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، دخلت سوريا الجديدة مرحلة انتقالية حاسمة يفترض أن تؤسس لدولة القانون واحترام حقوق الإنسان.

غير أن التقرير الشهري الصادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان يوثّق استمرار عمليات الاحتجاز التعسفي، حيث سجّل 229 حالة اعتقال خلال كانون الثاني/يناير 2025، لتؤكد أن إرث القمع لم ينتهِ بعد، وأن العدالة الانتقالية تواجه تحديات خطيرة.

الاعتقالات التعسفية بعد سقوط النظام: أرقام وحقائق:

وفق التقرير، وقعت 129 حالة احتجاز على يد الحكومة الانتقالية، و41 حالة على يد فصائل المعارضة المسلحة/الجيش الوطني، بينما وثقت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) 59 حالة اعتقال، بينها 3 أطفال وامرأتان. وكان لمحافظة حلب النصيب الأكبر من هذه الانتهاكات، تليها حمص، ثم دمشق ودير الزور، ما يعكس استمرار عقلية القمع في مختلف مناطق السيطرة.

الحكومة الانتقالية: بين ملاحقة الجناة والانزلاق إلى القمع:

رغم أنها أفرجت عن مئات المحتجزين من سجن حمص المركزي، إلا أن قوات إدارة الأمن العام نفّذت حملات دهم واعتقالات طالت عسكريين وموظفين سابقين في نظام الأسد، بحجة ملاحقة المتورطين بالجرائم. ومع ذلك، فإن عدم وجود إجراءات قضائية واضحة يثير مخاوف من تحوّل هذه الاعتقالات إلى عمليات انتقامية خارج القانون.

قوات سوريا الديمقراطية: انتهاكات متواصلة تحت ذريعة الأمن

واصلت “قسد” احتجاز المدنيين تحت ذرائع متعددة، مثل محاربة داعش أو التعامل مع المعارضة، حتى إن بعض الاعتقالات استهدفت أشخاصاً احتفلوا بسقوط النظام.

كما سُجّلت حالات احتجاز دون مذكرات قانونية، ما يؤكد استمرارها في ممارسة الاختفاء القسري والتضييق على حرية التعبير.

فصائل المعارضة المسلحة: الاعتقال على أساس الهوية:

وثق التقرير حالات اعتقال قامت بها فصائل الجيش الوطني السوري ضد القادمين من مناطق سيطرة قسد، بمن فيهم نساء. كما رُصدت اعتقالات ذات طابع عرقي في حلب، إضافة إلى عمليات خطف وابتزاز مالي، ما يعكس الحاجة الملحّة لضبط هذه الفصائل ومنعها من استغلال سلطتها.

الإفراجات: خطوة إيجابية لكنها غير كافية:

سجّل التقرير إفراج الحكومة الانتقالية عن 641 شخصاً، معظمهم من أبناء حمص وحماة واللاذقية، لكن دون إجراءات قضائية واضحة.

كما أطلقت قسد سراح 12 شخصاً، بينهم معتقلون ضمن صفقة تبادل أسرى مع الجيش الوطني، رغم أهمية هذه الخطوات، إلا أنها تظل غير كافية في ظل غياب آلية قانونية شاملة للإفراج عن المعتقلين وضمان حقوقهم.

الاعتقال التعسفي: إرث نظام الأسد الذي لم يُحسم بعد:

رصد التقرير استمرار الاعتداء على كرامة المحتجزين، بما في ذلك التعذيب والمعاملة المهينة، ما يخالف اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984، كما أشار إلى أن الاحتجاز يتم غالباً دون أوامر قضائية، في انتهاك للمادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، هذا الواقع يعكس غياب العدالة الانتقالية، وعدم كفاية الإجراءات لضمان المساءلة.

توصيات: نحو عدالة حقيقية لا انتقامية:

أوصى التقرير المجتمع الدولي بـ:

1. إحالة ملف سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة جميع المسؤولين عن الجرائم، بمن فيهم رموز النظام السابق.

2. الضغط على الحكومة الانتقالية لنشر قوائم المعتقلين والكشف عن أماكن احتجازهم، وضمان محاكمتهم ضمن إجراءات قانونية شفافة.

3. تمكين اللجنة الدولية للصليب الأحمر من زيارة المعتقلين وتقييم أوضاعهم.

4. تعزيز دعم برامج العدالة الانتقالية لضمان عدم تكرار الانتهاكات.

هل تتحقق العدالة أم يبقى القمع مستمراً؟

إن استمرار الاعتقال التعسفي في سوريا الجديدة يمثل اختباراً حقيقياً لالتزام الحكومة الانتقالية والمجتمع الدولي بمبادئ العدالة وحقوق الإنسان.

فإما أن تكون هذه المرحلة فرصة لإرساء دولة القانون وإنصاف الضحايا، أو أن تتحوّل إلى نسخة جديدة من القمع بوجوه مختلفة. الخيار لا يزال مفتوحاً، لكن الوقت ينفد.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني