fbpx

الإعدام في سوريا: أداة نظام الأسد لتصفية المعارضين وترسيخ حكم الإرهاب

0 39

في سوريا، حيث تحولت العدالة إلى أداة قمع، لم تعد عقوبة الإعدام وسيلة لتحقيق الإنصاف، بل غدت سلاحاً بيد نظام الأسد لسحق كل صوت معارض. منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، استغل النظام هذه العقوبة كوسيلة انتقامية، مغلفاً جرائمه بغلاف “القانون”، بينما كانت المحاكم العسكرية والاستثنائية تصدر أحكاماً بالإعدام على المعارضين في جلسات لا تستغرق سوى دقائق، دون دفاع أو أدلة، في انتهاك صارخ لكل معايير العدالة وحقوق الإنسان.

المحاكم التي نفذت الإعدامات:

1. محكمة الميدان العسكرية: مقصلة النظام السرية:

تأسست عام 1968، وكانت منذ البداية أداة لتصفية الخصوم. لكنها بعد عام 2011، تحولت إلى غرفة إعدام جماعي بحق آلاف المعتقلين السياسيين، حيث كانت الأحكام تُنفذ فوراً دون حق الاستئناف أو حتى إبلاغ العائلات.

2. محكمة الإرهاب: الشرعية الزائفة للإعدام:

أُنشئت عام 2012 لمواجهة “الإرهاب”، لكنها سرعان ما أصبحت ساحة لتصفية المعارضين بتهم فضفاضة، مثل “التآمر على الدولة”. أصدرت مئات أحكام الإعدام، في محاكمات لم تتجاوز دقائق معدودة، تحت إشراف الأجهزة الأمنية.

3. المحاكم العسكرية والجنايات العادية: استمرار للنهج الدموي:

رغم إلغاء محكمة الميدان العسكرية عام 2023، لم يتوقف الإعدام، بل انتقل إلى المحاكم العسكرية والجنايات، التي واصلت تنفيذ الأحكام الجائرة، ما يؤكد أن الإعدام كان سياسة ممنهجة وليس مجرد قرارات قضائية فردية.

الإعدام كأداة انتقامية:

أكد تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن النظام لم يستخدم الإعدام لتحقيق العدالة، بل كوسيلة للانتقام من خصومه. فمنذ عام 2011، استغل النظام قوانين فضفاضة، مثل قانون الإرهاب لعام 2012، لتوسيع دائرة الجرائم التي يُعاقب عليها بالإعدام، بما في ذلك الأنشطة السلمية المعارضة، في خرق واضح للقوانين الدولية.

الإعدامات والإخفاء القسري: وجهان للجريمة ذاتها

وثّق التقرير أن عدد المعتقلين والمختفين قسرياً بلغ 136,614 شخصاً حتى أغسطس 2024، بينهم 112,414 شخصاً لا يزال مصيرهم مجهولاً. تشير الأدلة إلى أن معظم هؤلاء المعتقلين قد تم إعدامهم سراً في السجون، دون تسجيل رسمي أو إبلاغ ذويهم، في جرائم تصنّف ضمن الجرائم ضد الإنسانية.

الجهات المتورطة في الإعدامات:

تم تنفيذ الإعدامات بقرارات صادرة عن أعلى المستويات في النظام، بما في ذلك:

رئيس الجمهورية (القائد العام للجيش والقوات المسلحة)

نائب رئيس الجمهورية للشؤون الأمنية

مجلس الأمن الوطني ووزارة الدفاع

الأجهزة الأمنية (المخابرات العسكرية، الجوية، وأمن الدولة)

القضاء الاستثنائي، مثل محكمة الإرهاب ومحاكم الميدان العسكرية

محكمة الإرهاب: أداة للقمع تحت ستار القانون

تعد محكمة الإرهاب واحدة من أخطر أدوات النظام، حيث كانت تصدر أحكام الإعدام وفق توجيهات الأجهزة الأمنية، متجاهلة أبسط قواعد المحاكمة العادلة. وقد أكدت الأمم المتحدة أن جميع أحكام الإعدام الصادرة عنها تعد عمليات قتل تعسفي وفق القانون الدولي.

إعدامات القاصرين: جريمة بلا حدود

كشف التقرير عن إعدام 50 طفلاً على الأقل في محاكم الميدان العسكرية بين 2018 و2024، بعد أن تم احتجازهم وإخفاؤهم قسرياً حتى بلوغهم سن 18 عاماً، ثم تنفيذ الإعدام بحقهم. كما وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 3700 حالة اختفاء قسري لأطفال، و190 حالة وفاة تحت التعذيب، في انتهاك صارخ لاتفاقية حقوق الطفل.

سجن صيدنايا: مسلخ بشري خارج القانون

يُعد سجن صيدنايا واحداً من أكثر المواقع دموية، حيث نفّذ النظام فيه آلاف الإعدامات الجماعية منذ عام 2011. وفق شهادات ناجين، كانت الإعدامات تتم في سرية تامة، دون أي إجراءات قانونية، فيما دُفنت الجثث في مقابر جماعية سرية، ما يؤكد ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

المسؤولية القانونية والمحاسبة الدولية

تُصنَّف الإعدامات التعسفية والإخفاء القسري كجرائم ضد الإنسانية وفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. ويؤكد التقرير ضرورة تحرك المجتمع الدولي لمحاسبة المسؤولين، من خلال:

1. فرض عقوبات على القادة العسكريين والقضاة المتورطين في الإعدامات.

2. الضغط على روسيا وإيران لتسليم المطلوبين للعدالة الدولية.

3. دعم العدالة الانتقالية في سوريا، لضمان كشف الحقيقة ومنع تكرار هذه الجرائم.

التوصيات للحكومة السورية الجديدة:

أولاً: التحقيق والمحاسبة:

فتح تحقيقات مستقلة حول جرائم الإعدام والإخفاء القسري.

محاسبة المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانية، دون أي عفو سياسي.

الحفاظ على الأدلة المرتبطة بالمحاكم العسكرية لضمان العدالة.

ثانياً: التعاون مع المؤسسات الدولية

العمل مع اللجنة الدولية لشؤون المفقودين لكشف مصير الضحايا.

توفير دعم نفسي واجتماعي للناجين من السجون.

ثالثاً: إصلاح النظام القضائي

إلغاء المحاكم الاستثنائية مثل محكمة الإرهاب والمحاكم العسكرية.

وضع تشريعات جديدة تحترم معايير العدالة وحقوق الإنسان.

رابعاً: تعزيز الشفافية

السماح للصحفيين ومنظمات حقوق الإنسان بالوصول إلى السجون والمقابر الجماعية.

دعم الإعلام الحر والمستقل لضمان عدم تكرار الانتهاكات.

إن ما كشفه هذا التقرير ليس مجرد أرقام، بل شهادات حية على معاناة شعب بأكمله، تحت نظام حول الإعدام من أداة قانونية إلى وسيلة وحشية لتصفية كل من يخالفه الرأي. العدالة ليست خياراً، بل حقٌّ لا يقبل التفاوض. استمرار إفلات المجرمين من العقاب لن يؤدي إلا إلى ترسيخ الظلم وإعادة إنتاج القمع، مما يهدد السلام والمستقبل في سوريا الجديدة.

على العالم أن يتحرك، وعلى السوريين أن يطالبوا بحقهم في العدالة، لأن الدماء التي سالت في سجون الأسد لن تجفّ إلا بمحاكمة عادلة لمن ارتكبوا هذه الجرائم.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني