fbpx

هل تُذيب رمال آرامكو جليد روسنفط

0 1٬183

دُقّت طبول الحرب بين عمالقة صناعة النفط العالمية، وبدأت الشركتان الحكوميتان لعبة الحديد والنار التي من المؤكد أنها ستغير وجه العالم النفطي. صراعٌ إذا ما استمرَّ، سينجم عنه تداعيات كبيرة جداً على مستوى الشرق الأوسط والعالم بأسره، وذلك لسعي الطرفين إلى فرض الهينمة المطلقة في واحدٍ من أكثر الأسواق أهميةً على خارطة الاقتصاد العالمي.

تنبع خطورة هذه الحرب وتداعياتها من اعتماد كلا البلدين على النفط كمصدرٍ من أهم مصادر الدخل القومي. لذا لابد لنا بدايةً أن نعرج، ولو بعجالة، على أهمية النفط وتأثيره على اقتصاد الطرفين. إذ تشكل الصناعة النفطية أقل قليلاً من نصف الناتج المحلي السعودي، وقرابة 90% من صادرات المملكة إلى الخارج. في حين يدخل النفط في الناتج المحلي الروسي بنسبة 30%، وأكثر قليلاً من 60% من الصادرات الروسية.
من وجهة نظر الإنسان العادي. فإنه من الغباء إقدام الطرفين على النزاع في الفترة التي يجتاح فيها فيروس كورونا غالبية دول العالم، مخلفاً وراءه حمّامات من الدم في الاقتصاد العالمي. لكن على ما يبدو أنّ للمتصارعين رأياً آخراً في هذه اللعبة.

رفضت روسيا دعوة أوبك لخفض الإمدادات بمعدل 1.5 مليون برميل يومياً، لأن ذلك سيكون بمثابة هديةٍ لمنتجي النفط الصخري الأمريكي، حيث سيبقي الأسعار قريبةً من 50 دولاراً للبرميل، والذي تستطيع عنده شركات الصخري الأمريكية موازنة ميزانياتها بالحد المعقول. حيث أنّ بعض الحقول الصخرية تتطلب سعراً ما بين 23 إلى 75 دولاراً أمريكياً. وبالتأكيد سيقوم منتجو النفط الأمريكيين بسدِّ أيِّ ثغرة ٍ تنتج عن نقص الإمدادات في سوق الطاقة العالمي. الأمر الذي يترتب عليه خسارة الدب الروسي لحصته في الأسواق العالمية.
لكن الأخطر من ذلك من وجهة النظر الروسية. أن حرب الأسعار هذه ستؤدي بالإطاحة بالمنتجين المثقلين بالديون العالية، وسينتهي بهم الحال خارج لوحة المنافسة. وقد نجحت روسنفط في ذلك إلى حدٍ ما. فقبل أيام قليلة أعلنت مجموعة النفط والغاز الأمريكية “وييتنغ بتروليوم” لجوؤها إلى الفصل الحادي عشر “11” من قانون الإفلاس، وطلبت مساعدة الحكومة للحماية من الدائنين. لكن هل يفي ذلك بمطامح الروس؟.

من غير المعقول أن يغيب عن ذهن بوتين، أن شركات النفط الأمريكية كانت قد صمدت في وجه حروب لا تقل ضرواة عن التي تدور رحاها الآن. فقد تعاملت شركات مثل “إكسون موبيل” و”شيفرون” مع أزمات كبيرة لم يكن آخِرَها الهبوط المدوّي في عام 2014. وهذا يطرح قضيةً في غاية الأهمية على الناحية الأخرى. فمع تعثر الصغار، يندفع العمالقة لابتلاع السمك الصغير، والسيطرة على أصول الشركات المنهارة. وربما تكون تكلفة عمليات الاستحواذ بالأسعار الرخيصة توازن خسائر انخفاض العوائد. وبذلك تخرج الأسماك الكبيرة، حيتاناً قد تمرست أكثر على الصعاب.

على الناحية الأخرى. تنطلق وجهة نظر ولي العهد المندفع – بحماقة برأيي – بعنفوان الشباب، من فكرةِ أنّ الأسعار المرتفعة ستدفع المحتكر لخسارة حصة من السوق لصالح المنافسين الصاعدين. لكن عند تدحرج الأسعار يخرج الصغار من الباب الضيق، ويستحوذ المحتكرون على السوق. وتوازن زيادة الحصص المضافة انهيار الأسعار، لتعاودَ العوائد صعودها مع تحسن الأسواق وخاصة مع بسط المحكتر لنفوذه، وإملائه لشروطه. لكن كيف يمكن للطلب أن يرتفع وقد أصيب اقتصاد الكرة الأرضية بالشلل، بسبب انتشار فيروس كورونا. كما أنّ هذه الفكرة تخاطر بالدب الروسي أيضاً. فمن سيصرخ أولاً؟.

يبلغ إنتاج آرامكو الآن حوالي 10 مليون برميل يومياً، وهي تعتزم زيادة إنتاجها إلى طاقتها القصوى عند 12.3 مليون برميل يومياً. في حين يصل إنتاج روسنفط حوالي 10.7 مليون برميل، وأعلنت أنها ستزيد الإنتاج إلى 11.5 مليون أو أكثر في محاولة منها لزيادة حصتها في السوق.
ويعتمد كلا البلدين على احتياطيات النقد الأجنبي لكل منهما. فقد راكمت السعودية ما يقرب من 490 مليار دولار عبر سنوات عديدة، فيما جمعت روسيا في عهد بوتين احتياطيات تقدر بـ 570 مليار دولار، بما فيها صندوق الثروة الوطنية للبلاد. وتعتزم حكومتا الدولتين استخدام هذه الاحتياطيات كوقود لنار الحرب بينهما.

الرياض وضعت ميزانيتها لعام 2020 على أساس سعر 80 دولاراً للبرميل الواحد، وهذا بدوره سيضيف عجزاً جديداً للموازنة العامة بمقدار 70 ملياراً، ليصل مجمل العجز إلى 120 مليار دولار. إلا أنّ موسكو ربما كانت أكثر قراءةً للأوضاع، حين وضعت ميزانيتها عن حدود 42 دولاراً للبرميل. وهذا لا يدفعها بعيداً عن عجز الميزانية المتوقع عند 40 مليار دولار.

من ناحيةٍ ثانية. يمكن للعربية السعودية أن تتحمل أسعاراً عند 30 دولاراً. ويمكن لروسيا الاتحادية أن تقاوم عند مستويات بين 25-30 دولاراً. لكن علينا أن ندرك أن الروبل الروسي هو عائم أمام الدولار، وهذا يعني أنه حالما انخفاضه فإن ذلك سيمنح روسنفط أفضلية، من حيث أنّ عوائداها ستكون بالدولار، أما نفقاتها ستكون بالروبل الروسي. على عكس آرامكو التي تنفق بالريال السعودي المثبت أمام الدولار.

إن الميزة الوحيدة التي يشترك فيها الطرفان. أن كلا الحاكمين يتربعان على عرش ديكتاتوريةٍ لا يمكن أن يخرج فيها أي صوتٍ معترضاً على المقامرة بمقدرات الشعوب واستباحة دماء شعوبٍ أخرى على جغرافيا مختلفة.

رغم الحقائق التي سُردت، إلا أنّه من الصعب إعلان الفائز في معركة خاسرةٍ في الأساس لكلا المتصارعَين. لكنّ المعروف أن وجه العالم سيتغير إذا استمرَّ حمام الدماء هذا في السوق النفطي. وقد أُعلن يوم الخميس الماضي عن اجتماع سيعقد الاثنين المقبل، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. كما غرّد ترمب أنه من المتحمل أن تتفق الرياض وموسكو على خفض كبيرٍ جداً، قد يبلغ 10 مليون برميل يومياً.
كما أنّ ترمب كان قد ألمح إلى إمكانية إجبار الطرفين على إنهاء الأزمة بطرق أخرى، ربما بفرض عقوباتٍ على روسنفط الروسية. إلا أنّ الولايات المتحدة، حقيقةً، لا تستطيع فعل الكثير رغم الضغط الكبير الذي يمارسه منتجو الصخري الأمريكي على الإدارة الأمريكية، فقيامها بفرض عقوبات على روسنفط سيضرُّ بالكثير من شركائها المتعاملين مع الشركة الحكومية. ومن غير المنطقي، على الطرف المقابل، أن تُسيء لآرامكو التي تخوض الحرب عوضاً عن ترمب. فانخفاض تكلفة الطاقة في الميزانية الأمريكية سيعزز من مكانة الرئيس الأمريكي أمام شعبه.
إن انخفاض عوائد النفط، وهو المصدر الرئيسي للبلدين سليقي بظلاله الخيّرة على الشعوب التي تعاني من إجرام الطرفين. إذ لا بدَّ لذلك أن يُضعف دور موسكو في سوريا، وربما يجرّها إلى تنازلاتٍ لصالح الولايات المتحدة قد تغيّر من موازين القوى على الأرض. كما سيلقي ذلك بأثرٍ بالغ على الحرب العبثية التي تخوضها الرياض وأبو ظبي في اليمن، بعد أن دمرته طائراتهم، وجوَّعت مؤامراتهم الملايين من شعبه. ولن تُنسى ليبيا التي تصتفُّ فيها الأطراف خلف خليفة حفتر.

ربما يمكن تبرير الموقف الروسي في حرب النفط هذه، وذلك كيلا تخسر حصتها للأمريكيين خاصةً وأنها لم تطلق الرصاصة الأولى في هذه المعركة. لكن المثير للعجب هو أن تبقى السعودية حصاناً تمتطيه الولايات المتحدة متى شاءت، وكيفما أرادت. لدرجةٍ يُخَيَّلُ فيها للناظر براعة ذلك الفارس ومهارته، إلا أن الحقيقة تكمن في غباء صاحب الحصان الذي يرهن بلده ليبقى في السلطة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني