fbpx

هل المرأة حقاً عدوة المرأة.. أهي فكرة ذكورية أم محض منافسة طبيعية؟

0 399

مقولة المرأة عدوة المرأة هي مقولة ذكورية بامتياز، لأنها تفرّق بين النساء، وتظهرهنّ زوراً، وكأنهنّ عدواتّ لبعضهن بعضاً بالفعل، وهذه عملية تضليل لوعي المجتمع، غايته إبقاء سيادة الذكورية كمفاهيم غير طبيعية في المجتمع الإنساني.

محاولة تأكيد هذه المقولة السلبية تدفع بالضرورة إلى نتائج سلبية ليس بحقّ المرأة فحسب، بل بحق تطور المجتمع ونهوضه بتنميته الشاملة، وهذه المقولة ولدت أصولاً في مجتمع الأبوة المغلقة، حين كان الرجل/الذكر هو من يتزعم هذا المجتمع الأبوي، والذي يتحول بفعل هذه الهيمنة إلى مجتمع نفاق وخوف من سلوكيات الأبوية، وبالتالي تولد من ذلك المؤامرات الصغيرة لاسترضاء المهيمن على مجتمع الأبوية.

إننا نستخدم في حياتنا اليومية مقولات وكأنها حقائق لا يأتيها الباطل أو الشك، دون التدقيق في أسبابها والظروف التي تعيش فيها، أو مدى نتائجها السلبية على علاقاتنا الإنسانية.

 ولعلّ مقولة “المرأة عدوة المرأة”، من بين تلك المقولات المجحفة، فهي صيغت بصورة جملة خبرية، تصنف الناس وتحكم عليهم استناداً لاعتبارات تكوينية، وبالتالي تأتي الجملة الخبرية وكأنها حقيقة مسلّمٌ بها، وهذا يتنافى مع وعي الضرورة.

كذلك لا يخفى على أحد مدى عنصرية هذه الأحكام، وإطلاقها يساهم في تدمير المجتمع الإنساني، ويخلق الحواجز بين مكوناته، ليسهل التحكم به، عندما نلهيه بمعارك جانبية تستهلك جزءاً كبيراً من طاقاته، بدل توجيهها لبناء مجتمع انساني، تسوده قيم العدل والمساواة وتحقيق العيش المشترك.

تعيش النساء في مجتمعاتنا الشرقية القامعة والمقموعة في واقع مطبوع بالحيف والدونية، في ظل عادات وتقاليد ونظرة ذكورية قاسية، تهمّش دور المرأة، وتستخف بإنجازاتها وإمكانياتها، حيث أن تهميش دور المرأة في المجتمعات البطريركية يؤدي إلى تحديد دور المرأة في النطاق المنزلي فحسب، مما قد يؤدي إلى نتائج سلبية على علاقات النساء ببعضهن البعض، فينقص اعتماد النساء على الذات والثقة بالنفس، وعدم الشعور بالاستقلالية، والشعور بالوحدة والعزلة، حيث إن تقييد دور المرأة في المجال العام قد يحدّ من فرصها في بناء علاقات اجتماعية خارج المنزل.

تحديد دور المرأة بأن يكون داخل منزلها، سيجعل فرص التفاعل والتواصل بينها وبين النساء قليلة، وربما نادرة، مما يؤدي إلى عدم التفاهم والصراع بينها وبينهنّ في وسطها الاجتماعي، حيث إن تقييد دور المرأة، يحدّ من قدرتها على مساعدة النساء الأخريات، وتبادل الدعم النفسي والعاطفي.

 تنبع مقولة “المرأة عدوة المرأة” جزئياً من الطبيعة التنافسية للعلاقات بين النساء في بيئات مثل أماكن العمل، والمدارس، وحتى العلاقات الشخصية، وتتشارك بعض النساء في سلوكيات سلبية مثل التنمر، والتهكم، والحسد تجاه النساء الأخريات، في مجتمعٍ يشجّع على التنافس السلبي، والفصل بين النساء بشكل غير مباشر، من خلال رسائل ثقافية مثل وسائل الإعلام والإعلانات.

وفي غياب التضامن والدعم، تفتقر الكثير من العلاقات بين النساء إلى الدفء الإنساني ومواجهة الصعاب بروح تضامن ودعم، ما يساعد في تعزيز فكرة المنافسة بينهن.  

أما في حالة مواجهة النساء التمييز الجنساني والتحيّز، فإنهن لا يدعمن بعضهن بعضًا دائمًا.

هنا يمكن القول، أنه من الصحيح وصف المرأة بأنها عدو المرأة، فالنساء كما الرجال مختلفات، ولهن شخصيات، وأفكار متباينة، لذا قد تتنافس بعض النساء أو يتعارضن في الرأي، لكن هذا، لا يعني أن جميع النساء أعداء لبعضهن البعض.

إن ترسيخ فكرة التعاون والتضامن والدعم بين النساء أمرٌ أساسي، لتمكين المرأة وتحقيق المساواة، هذه المساواة، ينبغي تحديدها بإتاحة الفرص المتساوية في محاولات النجاح والتفوق، سواء في التحصيل العلمي، أم في سلّم العمل والحصول على ترقيات، فالكفاءة والمعرفة والخبرة هي الأساس الذي يجب الاعتماد عليه.

إن فكرة أن المرأة عدو المرأة تأتي من منظور سلبي وخاطئ عن العلاقات بين النساء. في الواقع، يمكن للنساء أن يشكّلن شبكات دعم قوية لبعضهن البعض، ويتعاونّ لتحقيق أهداف مشتركة. 

لكن للأسف، قد تنشأ بعض المنافسات، أو سوء الفهم بين بعض النساء، نتيجة للضغوط الاجتماعية أو الثقافية التي تواجهها المرأة، مثل التنافس على فرص محدودة أو الشعور بعدم الأمان، بسبب التحيز الجنسي. لكن هذا لا ينبغي أن يطغى على التضامن الكبير القائم بين معظم النساء.

إن أفضل طريقة لتجاوز هذه الصراعات هي تشجيع التعاطف والتفاهم بين النساء، والاحتفاء بنجاحات بعضهن البعض، ودعم بعضهن البعض لتحطيم الحواجز الاجتماعية. فالتضامن والتمكين هو السبيل لتقدم المرأة.

تلعب العوامل التربوية الاجتماعية والفروقات والامكانات الفردية دوراً اساسياً يجب أن نأخذها في الحسبان عند النظر في علاقات النساء، بدلاً من إلقاء اللوم على المرأة نفسها فحسب.

في هذا الاتجاه تؤكد الباحثة “كارول جيليجان” أن السبب وراء عداء بعض النساء هو الخوف من المنافسة وفقدان الامتيازات التي تتمتع بها المرأة في مجتمع ذكوري.

إذن، على المرأة أن تتخطى مخاوفها، وأن تدرك أن قوتها تكمن في تضامنها مع أخواتها، وأن التنافس الحقيقي يجب أن يكون مع المعايير الاجتماعية الضارة بالمرأة والرجل على السواء، وأن تعي أن صوتها ليس صرخة هستيرية في وجه الرجل، بل صوتاً يدعم الإنسان في طريق كسر أغلاله، لننفتح على فضاء تحقيق انسانيتنا المهدورة.

بقي أن نقول إن علاقات النساء قد تكون تنافسية وهي بصورتها العامة، أما القول بأن المرأة عدوة المرأة فهي مقولة لا تقع على الحقيقة، ويجب رفضها دون نقاش.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني