ندوة مسار والنخب السورية.. تقييم لقاء (مسد) في استوكهولم
منذ أن تمكنت أدوات الثورة المضادة من الثورة السورية العظيمة، ومنعتها من المضي قدماً في مسار انتصارها وتحقيق أهدافها، تعرّت منذ ذلك الحين النخب السياسية والثقافية، والديموقراطية منها خاصة، فظهر عجزها وعطبها ولهاثها المخجل خلف أوهام الموقف الإقليمي والدولي، تاركة خلفها ما يمكن اعتباره جماهيرها الشعبية فريسة سائغة، يطحنها كل أشكال التوحش والبطش والتآمر في إطار اللعبة الدولية القذرة القائمة على معادلة المصالح اللاأخلاقية.
منذ ذلك الحين ولسان حال رموز وقيادات هذه النخب يصرح ويعترف بعجزه وفشله، ليس في إدارة أمور الثورة والعمل على مواجهة تحديات أعدائها فقط، بل إقراره أيضاً كما ظهر بالأمس القريب في ندوة مسار بأن الاستنقاع في هذا الفشل والدوران حول الذات وعلى مدى أحد عشر عاماً، لازال يفرض نفسه على هذه القوى بكل تجذر وتمكن، إذ لم تتمكن هذه القوى من تجاوز حالة الاستنقاع هذه فتنتقل من حال التشرذم والانقسام والتبعية والاستمرار في التعلق بأوهام الخارج وممارسة مهمة الانتظار، بل المزيد من الانتظار، ريثما ينضج الملف السوري في عملية التصارع الدولي وفق معادلة المصالح كما أسلفنا.
هذا ما بدا عليه أحد جوانب الصورة التي ظهرت في ندوة مسار، التي عقدت خصيصاً لمناقشة اجتماع لقاء القوى الديمقراطية السورية الذي عقد في استوكهولم – السويد في الربع الأول من هذا الشهر، بدعوة من مركز أولف بالما، بالتعاون مع منظمة مسد، وكان قد حضره رموز سياسية سورية معروفة، كما هو حال حضور ندوة مسار أيضاً التي شارك فيها عدد من الشخصيات التي حضرت لقاء استوكهولم.
ووفق ما جاء على لسان الحضور المنتدين، فقد كان لقاء ستوكهولم هو اللقاء الثاني في هذه المدينة إلا أنه كان اللقاء الثامن في سلسلة لقاءات مسد التي أجرتها في غير مكان من الدول الصديقة حيث حاولت من خلالها وعلى مدى سنوات عديدة استقطاب المزيد من السوريين نخباً سياسية وثقافية لتضيفها إلى تجربتها (الديمقراطية) المتميزة، لتكون نموذجاً يطبق على كامل الوطن السوري، ومدخلاً لولوج باب التسوية السياسية المنتظرة، الذي مضى يلوح به الفاعلون الدوليون في – الملف السوري – منذ عشر سنوات.
أما الجانب الثاني في صورة الندوة، فقد كان الفضاء النخبوي الرصين والجمل السياسية الأقرب إلى الأكاديمية المتخصصة، والأفكار الحالمة التي يعج بها القاموس الديمقراطي المأمول به لدولة المواطنة للوطن السوري.
الوطن الذي أقر الجميع أنه بات يتسرب من بين أصابع الجميع، إلا أن عدم الاكتراث بذلك كان يبدو كما لو أنه يلاحق الجميع أيضاً على مدى مسار العقد المنصرم!.
أخيراً: أمام صورة من هذا التكوين النخبوي؟ نخب مولعة بجمال اللغة، ومتعة الخطابة، ولذة الاستغراق في الوقت، والتباري للتلهي في بهلوانيات التحليل والتوصيف، والتشبث بالفهم الكلاسيكي للعمل السياسي، المتآلف مع موازين القوى الفاعلة الخارجية والداخلية، والمستكين الى حال العطالة والانتظار..
كان شعار ضرورة إنتاج نخب بديلة، ثورياً موضوعياً يحمل مبرراته وصدقيته ومشروعيته، وذلك من خلال شلالات دم الأهل والأبناء والأخوة التي أريقت ولازالت، ومن خلال الملايين من مواطنينا المهجرين إلى بقاع عديدة من العالم، ومن خلال الوطن المدمر والاحتلالات المستعمرة التي تصنع بشكل ممنهج المرتكزات المتينة لبنى تحتية لكيانات يتم غرسها في أرض هذا الوطن، هذا الوطن الذي يشرع أمثال هؤلاء بالبكاء عليه في كل لقاء ومع ذلك فهم مستمرون في أبراجهم يسبحون.
آخراً: إن أمةً وشعباً صنعا الحياة والتاريخ وخلدا في صفحاته ما يشهد له أزل الوجود، لا بد أن ينتج كل أدوات انتصاره ويدحر كل آليات احتلاله وعوامل إركاعه وإذلاله ولابد أن يتحرر ويحقق حلمه في دولة جامعة عادلة بالرغم من تحديات هذا النظام العالمي المتوحش الذي انكشفت أدواته وآلياته التي تعتبر دم الشعوب والإنسان هي جوهرها ومادتها.