من طالبان إلى دمشق
يحق لبشار الأسد أن يشعر بالقلق بعد عودة طالبان، ليس لأنه لم يعد قادراً على صناعة الجهاديين وتوزيعهم على البلدان كما كان يفعل إبان احتلال العراق، ولكن لأن قواعد اللعبة السياسية تبدلت في المنطقة بالكامل، فهناك عملية تبريد مؤقتة لملفات الشرق الأوسط، وتسخين (سياسي) في الشرق الأدنى، ما أبقى نظام الأسد يعيش حالة من (الاستقرار المقلق) الذي هو عبارة عن عملية سياسية مؤقتة تشبه وقت الاستراحة بين شوطي لعبة خاسرة.
الاستقرار المؤقت المقلق لنظام الأسد الذي أتحدث عنه، لا يعني أن ثمة حراك عسكري كان يستهدف النظام في دمشق، ولكن ثمة تبديل في آليات اللعبة السياسية، تبقي هذا الوضع قائماً في دمشق ظاهرياً كما هو، ولكنه أمام عاصفة صاعقة، ستضرب أركان السلطة السياسية في دمشق.
إن ثمن هذه المرحلة المؤقتة في دمشق هو أن يحني نظام الأسد رأسه أمام الطائرات التي ستستمر في تعقب قواعد (إيران – حزب الله) داخل الأراضي السورية، وقد يكون الأسد ونظامه أول المخبرين عن أماكن هذه القواعد، فلدى الروس ما يشغلهم من هموم، وكل ما يطمحون له، هو دور سياسي محدود وعقود طويلة في الساحل السوري، بينما المعضلة هي ما تواجهه إيران، التي لم تستطع صواريخ روسيا لدى نظام الأسد حماية قواعدها، ولم تعد أيضاً فكرة الانسحاب الأمريكي من العراق مسألة مهمة للأمريكان، ما يعني أن أي انسحاب أمريكي أو إعادة تموضع في شمال العراق أو دول الجوار، أمر لا يرهق الأمريكان، لكن هذا الانسحاب الذي تنادي به إيران ومليشياتها في العراق، لن يحمي القواعد الإيرانية في العراق وسوريا أمام الطائرات المسيرة (المجهولة) القادرة على تخريب الحلم الإيراني بالتمدد عسكرياً كما تريد.
خروج الأمريكان من العراق – إن حدث – لن يمنع استمرار استنزاف إيران هناك، ولعل خروج الأمريكان سيكون أكثر راحة لهم، لكنه سيزيد من الهموم الإيرانية.
لا يعنينا كيف ستكون دولة طالبان، لأنها بحد ذاتها كينونة غريبة عن هيكلية السياسة العالمية، ولا تستطيع أي دولة مجاورة لطالبان أن تعيش فكرة الاستقرار، بما في ذلك إيران ذاتها، والسبب أن فكرة الدولة القائمة على المصالح غير قابلة للنضوج في ليلة وضحاها لدى طالبان. من هنا يأتي القلق الإيراني الدائم من ظهور كيانية سياسية سنية نشأت في بيئة جهادية فعلية، فهذه الحركة لا تحتاج إلى أدبيات سياسية، ولا إلى مئات مواقع الإنترنت وعشرات الفضائيات والصحف الممولة كما تفعل إيران التي تدفع من أجل كل هذا كي تبني جمهوراً ما وراء الحدود.
هناك واحدة من أبرز إشكاليات طالبان القادمة، تتمثل في أنها قالب جاهز كامل المواصفات لكل الإسلاميين الميالين للفكر الجهادي والمتطرف، ما يعني بوضوح أن طالبان تنافس إيران على هذه المفهومية، وهذا بحد ذاته يفتح صراعاً سياسياً، ثقافياً، فكرياً، وهذا الصراع يعني من وجه نظر إيران أن طالبان باتت مرجعية العرب السنة الجهاديين، ما سينعكس على إيران ذاتها قبل غيرها، فهل ستقوم بقمع السنة في إيران كما كانت تفعل من قبل؟ وهل ستخوض حرباً واسعة في سوريا؟ وهل ستستمر بالتصعيد المذهبي والطائفي عبر وكلائها؟ أم إن إيران ستعيش مرحلة من التعقل!؟
طالبان الدولة، حليفة الخليج العربي تاريخياً بسبب الدعم المالي أثناء حقبة السوفييت، هي معادلة معقدة، ستجعل إيران تعيد صياغة المشهد السياسي مع دول الجوار، وربما تكون حرب اليمن قد أوشكت على وضع أوزارها، وقد يكون هذا من فوائد مجيء طالبان إلى السلطة.
أما فيما يتعلق بنظام الأسد، فإذا كانت إيران ذاتها أمام خيار تبديل استراتيجياتها فكم بقي من عمر نظام الأسد، وأما طالبان، فإذا كانت ستتحول بين ليلة وضحاها إلى دولة معنية بما هو داخل حدودها، فهذا مجرد وهم، لأن دبلوماسية طالبان الحالية لاستيعاب التناقضات الداخلية ستقودها إلى لعب دور خارجي، باتت توشك أن تلعبه، وهو سخونة الشرق الأدنى.
أخيراً: إن وجود إيران في دمشق كان بمثابة الخطر على الاستقرار العالمي كله، وليس المنطقة فحسب.
مقالة وتحليل رائع ودقيق
ومايعلم جنود ربك الا هو
تعليق الاخ فيصل اليونس