fbpx

معارضة عاجزة عن التغيير.. وتريد إخراج “الزير من البير”

2 396

السوريون كشعب في كل أماكنهم، يريدون تلمس حلٍ سياسي ممكنٍ، هذا الحل يجب أن يؤدي بصورة ما إلى الانتقال السياسي ولو بحدّه الأدنى، هذا الحدّ يمكن تلمسه واقعياً في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الصادر في الثامن عشر من شهر كانون الأول 2015.

حين نقول بالحدّ الأدنى للحل السياسي، فنحن لا نخترع شيئاً من عقلنا، ولا نتشاطر على أحد، فجوهر القرار 2254 يقول: بعملية سياسية سورية يقودها السوريون بأنفسهم. فما معنى ذلك؟.

المعنى واضح، وهو أن القرار 2254 هو سقف الحل السياسي للصراع في سوريا، وهو يجب التفاوض حوله بين قوى الثورة والمعارضة من جهة، وبين النظام الأسدي من جهة أخرى، ويجب أن ينتهي هذا التفاوض بدستور يُتفق عليه عبر التفاوض من خلال اللجنة الدستورية، وبرعاية الأمم المتحدة، وأن ينتهي التفاوض بانتقال سياسي، وهو يعني تشاركاً بين مجموعات من النظام الأسدي لم تتورط بدم السوريين، وبين ممثلين لقوى الثورة والمعارضة.

لنقل بصراحة ووضوح، أن الثورة السورية العظيمة، التي ملأت مظاهراتها السلمية شوارع البلاد، لم تستطع أن تحتاط لنفسها عبر كوادرها، فتحمي مسارها، وهذا ناتج عن أمور كثيرة لسنا بصدد الحديث عنها في هذا المقال، ولكنّ جوهر هذه الثورة، يقوم على حاجة التغيير السياسي في بناء الدولة والسلطة والمجتمع، وهذا يمكن توفره بالحدّ الأدنى أو الممكن، في ظل ظروف موضوعية وذاتية لا يمكن تجاوزها في هذه المرحلة، وأسباب عدم التجاوز تكمن بعوامل منها ذاتي يتعلق بنا كسوريين، ومنها موضوعي وهو يتعلق بالصراعات والتجاذبات الدولية.

ولهذا، ووفق هذه الرؤية الملموسة، يمكننا القول أن كثيراً من مشاريع سياسية، تنهض بها مجموعات صغيرة من نخبٍ سورية، تحاول تقديم نفسها على أنها البديل الأكثر قدرة على قيادة المرحلة من الائتلاف الوطني، وهذه المجموعات، لم تستطع أن تضع تصورات حلٍ سياسي جديد، بل أنها ذهبت إلى مربع القرار الدولي 2254، وتحاول إيهام السوريين بتضخيمها للشعارات الثورية البرّاقة، على أنها الأجدر والأكفأ من قيادات مؤسسات الثورة، التي ولدت في ظل توازنات دولية آنذاك، وتمّ التوافق عليها على أنها الممثل الشرعي للسوريين الثائرين ضد نظام الأسد.

إن الدعوات العديدة التي تطلقها جهات “تعتقد” أنها تمثّل الثورة السورية، التي تنطوي على الإطاحة بمؤسسات الثورة القائمة (الائتلاف والحكومة المؤقتة وهيئة التفاوض السورية وفريق المعارضة في اللجنة الدستورية)، هي دعوات لا تقوم على قراءة الواقع السوري القائم حالياً بظروفه الداخلية والإقليمية والدولية، والأمر يتلخص بقول حاسم يجب أن يجيب عليه دعاة الإطاحة بمؤسسات الثورة، هذا القول يتلخص: هل يمكننا أن نقارع الاستبداد سياسياً وديبلوماسياً وتفاوضياً بدون أطر يعترف بها المجتمع الدولي؟ وإذا ذهبنا مع فكرة الإطاحة بمؤسسات الثورة، ما البديل الحقيقي والملموس عن هذه الأطر؟ ومن يبنيها، ومن يستطيع أن يقنع المجتمع الدولي بها كممثل عن الشعب السوري؟.

لهذا تبدو مهاجمة مؤسسات الثورة بغية الإطاحة بها مجرد طفولة سياسية، تكشف عن ضحالة فكرية، تقرأ الواقع بصيرورته وليس برغبوية ذاتية، يُضاف إلى هؤلاء من ركبوا تيار مؤسسات الثورة وحولوها إلى منصة منافع ذاتية، وحين صاروا خارجها، بدؤوا حملات تصيّد وتضليل، للانتقام منها على قاعدة خسارتهم لامتيازاتهم.

العاجزون عن التغيير هم الأكثر ضجيجاً ثورجياً فارغاً، هذا الضجيج المبني على رفض عمل مؤسسات الثورة، لا يقود إلى غير التهلكة الوطنية، ولهذا وباعتبار أننا في منعطف مرحلة دولية جديدة، تمخضت نتيجة صراعات دولية، يقودها الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ضد النهج المتشدد للقوميين الأوليغارشيين الروس بقيادة إمبراطورهم بوتين، يجب أن نجد بيننا كقوى ثورة ومعارضة داخل المؤسسات الرسمية أو خارجها قاسماً مشتركاً بالحدّ الأدنى، فإذا لم نفعل فنحن ودون مواربة شركاء في انحدار مسار ثورتنا نحو الهاوية.

إن البحث عن القاسم المشترك الأدنى ليس عملية مستحيلة أو صعبة، فهذا القاسم يتحقق بمنحنا ثقة مشروطة لمؤسسات قوى الثورة والمعارضة، ثقة تتعلق بمنع أي جهة كانت أو شخصية كانت على التفريط بجوهر مسار الانتقال السياسي وفق القرار الدولي 2254، والذي لا نملك قوة ذاتية ولا ظروفاً موضوعية لتطويره أو تغييره بما يخدم شعارات وأهداف ثورتنا السورية العظيمة.

منحنا الثقة لمؤسسات قوى الثورة ليست عملية ترفيّة ومجانية، وليست مقايضة من أجل ثمن صغير على حساب القضية السورية الأساسية المتعلقة بالخلاص من نظام الاستبداد، بل هي دعم لهذه المؤسسات، لتعميق مشروع إصلاحها الحقيقي الشامل، الذي بدأت خطواته في أوائل نيسان من هذا العام، ولذلك ينبغي الإصرار على الإصلاح الشامل خارج مقولات الثورجيين، الذين يعيشون في أوروبا، ومن هناك يريدون تصدير أنفسهم على أنهم روح الثورة والحقيقة.

إن دعم الإصلاح الشامل في مؤسسات قوى الثورة والمعارضة، ينبغي أن يقوم على آليات واضحة، منها دفع عملية الإصلاح إلى نهاياتها، ومنها وضع قواعد محاسبة في حالة الانحراف وانتهاك قواعد هذه العملية، فلا أحد أكبر من قضية الشعب السوري الثائر، ولا أحد أثمن من تضحيات هذا الشعب، الذي قدّم مئات آلاف الشهداء من أجل حرياته وكرامته ومستقبل أبنائه.

دعم الإصلاح الشامل الحالي الجاري في مؤسسات الثورة، يعني تحفيز الائتلاف عبر هيئته العامة، على ممارسة الديمقراطية بشفافية، في انتخابها القريب لرئيس الائتلاف، ونوابه، والأمين العام للائتلاف، وأن هذه العملية، يجب أن تقود إلى تكريس الإصلاح كآلية عمل مستمرة، وليس مجرد ديكور مؤقت.

دعم الإصلاح الشامل يعني منح مؤسسات تمثيل الثورة حرية حركة وعمل ضمن الثوابت، التي تقود إلى التغيير السياسي في سوريا، هذا التغيير ليس مجرد كلام، بل هو تصميم على “إخراج الزير من البير”، وهذا لن يحدث بدون قاسمنا المشترك وإن كان بحدّه الأدنى.

وفق ما تقدم، السوريون ملّوا من الشعارات الجوفاء، التي يطلقها أشخاص مترفون في ظل هذه الفوضى، أشخاص جهلة بفهم حركة الواقع وتغيراته المستمرة، أشخاص يعيشون في الشعارات وليس في حركة التاريخ.

لذا على قيادة الائتلاف التي سيتم اختيارها بعملية ديمقراطية في آب القادم أن تدرك مقدماً أنها لن تستطيع الاستمرار في مقاعد قيادتها بدون خلق القاسم المشترك الأدنى بين السوريين، وهذا ما يجب العمل عليه كمدخل للتغيير الشامل في الوضع السوري.

2 التعليقات
  1. نزار بعريني says

    الإدّعاء بتمثيل الثورة غير موضوعي، لأنّ الثورة ، بقواها وجمهورها ، نالت شرّ هزيمة خلال ٢٠١١- ٢٠١٢ ، على يد المجموعات الطائفية المسلّحة، وداعميهم الإقليميين ، بقيادة واشنطن وموسكو.
    ما تبقّى ، مجموعات تمّ تعويهما ، لتكون جزء من مشروع الثورة المضادة.

  2. ياسر العمر says

    المطلوب هو تشكيل أو هيئة ثورية مجتمعية فاعلة تكون كحارس للثوابت ومصحح لأي إنحراف مع بقاء الإئتلاف وماتفرع عنه ككيان معترف به دوليا

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني