fbpx

مشروع الجبهة الوطنية الديمقراطية “جود”.. وشروطه الذاتية والموضوعية

0 313

ينعقد في دمشق بتاريخ 27 و28 آذار 2021 مؤتمر القوى الوطنية الديمقراطية السورية تحت مسمى تأسيس “جبهة وطنية ديمقراطية” يشار إليها اختصاراً بـ (جود). وقد جاء في مشروع الرؤية السياسية لهذه الجبهة منطلقات أساسية تحددت بإحدى عشرة نقطة.
تحلّلُ الورقة أن سبب الأزمة في سوريا، هو الإخفاق في بناء الدولة المدنية الديمقراطية (دولة المواطنة)، التي ترتكز على مبادئ أساسية، هي (الحرية والعدالة والمساواة). وتتبنى الورقة فكرة أن الحل السياسي هو الحل الوحيد الناجع، الذي يحقق التحول الديمقراطي الشامل، وهذا يتطلب بناء دولة ديمقراطية عصرية، وفق قرارات الشرعية الدولية، ذات الصلة بالصراع السوري.
وتُظهر الورقة طموحاً مشروعاً بضرورة الوحدة الوطنية، هذه الوحدة يمكن تحقيقها عبر مؤتمر وطني، يشمل جميع القوى، التي لم تشارك بقتل السوريين، حيث ينعقد هذا المؤتمر في المرحلة الانتقالية، ليقرّ ميثاقاً وطنياً.
كذلك تقول الورقة بضرورة إخراج القوى والجيوش والميليشيات غير السورية كافة، وتفكيك الميليشيات المسلحة وسحب سلاحها، وإعادة هيكلة المؤسسة الأمنية، وبناء جيش وطني مسؤول عن حماية الوطن والشعب، وتحييده عن السياسة والعمل الحزبي.
تطرح الورقة فقرة تتعلق بالقضية الكردية معتبرة إياها مسألة وطنية سورية، حيث تُحلّ وغيرها من الحقوق الثقافية المشروعة للجماعات القومية المختلفة ضمن إطار دستوري ديمقراطي على أرضية سيادة سوريا ووحدتها أرضاً وشعباً.
لم تنس الورقة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وبأن سوريا جزء من المنظومة العربية وجزء من المنظومة العالمية، وضرورة استعادة أراضيها المحتلة في الجولان السوري من إسرائيل.
إن انعقاد هذا المؤتمر يبدو ضرورة وطنية، بعدما تمّ أخذ الصراع بين قوى الثورة السورية والنظام السوري إلى مستوياتٍ، لا تمتّ لعملية التحول الديمقراطي في البلاد، فالثورة السورية، التي طيّفت وصُبغت بصبغة ذات محتوى ديني، بحاجة إلى إعادة تصحيح موقعها ومسارها، هذا التصحيح مهمة منوطة بقوى سياسية، تعمل على مبدأ دولة المواطنة والمؤسسات الديمقراطية، خارج الفهم الفئوي، أو الطائفي، أو الديني، أو الإثني.
انعقاد مؤتمر القوى الوطنية الديمقراطية ضرورة تاريخية، لأنه يخلق بؤرة تركيز القوى ذات المصلحة ببناء الدولة المدنية الديمقراطية، ويقطع الطريق على كل القوى ذات المشاريع، التي تخلق التفاوت الاجتماعي، أو الإثني، على مستوى الحقوق والواجبات الوطنية المتساوية للجميع.
إن وجود جبهة وطنية ديمقراطية سيخلق توازن قوى جديد في الساحة السورية، وبالتالي، سيمنع هذا التوازن نظام الأسد، أو القوى المعادية للديمقراطية، من تثبيت وجودها المضرّ بالشعب السوري ووحدته.
ولكن، الشروط الذاتية للقوى الوطنية الديمقراطية، بحاجة إلى تأصيل الذات، فالعمل بالنسبة لهذه القوى، ينبغي أن يأخذ شكله الواسع، ضمن إطار واحد، أي تذويب المقدمات الخلافية، الواقعة خارج مربع الوطنية الديمقراطية، وهذا أمر ممكن، ضمن صيغة التحالفات، ضمن مربع التقاطع المرحلي الأكبر.
التقاطع المرحلي يرتكز على بناء دولة مدنية عصرية، جوهرها فصل السلطات الثلاث، وتعميق الوطنية، بما هي هوية وانتماء، يحياه كل فرد سوري، بغض النظر عن دينه أو طائفته أو إثنيته.
وهذا يعني بالمحصلة، تراجع كل المشاريع السياسية، التي تتعارض مع مفهوم الوطنية العميق، ما يزيد من الترابط الوطني الطبيعي، ضمن فرص متساوية للخلق والإبداع والعمل والمساواة أمام قانون واحد للجميع.
الشروط الموضوعية لقيام الجبهة الوطنية الديمقراطية موجودة، لأنها مرتبطة بعملية الدفع التاريخي للقوى الاجتماعية ذات المصلحة بدولة مدنية ديمقراطية. فلا يمكن تطوير المجتمع وقواه بدون قانون عام يسمح بذلك، هذا القانون، ألغته سلطة الاستبداد وأحلت محله مصالحها الضيقة وقانونها الخاص، الذي أضعف التطور الاجتماعي ووضعه أمام طريق مسدودة.
إن مؤتمر القوى الوطنية الديمقراطية السورية ينبغي أن يؤسس بصورة واقعية، مبنية على نقد الواقع والذات، منحى للتغيير العميق في البنى الاجتماعية السورية، فهل يستطيع فعل ذلك، دون الوقوع بفخ الشعارات الكبرى غير القابلة للحمل والتحقق في هذه المرحلة.
نجاح المؤتمر لا يعني تسويقاً لنظام الاستبداد، حيث سيضطر هذا النظام إلى إغماض عينيه عن تجمع سياسي تفرضه المرحلة، إغماض العينين سببه عدم امتلاك هذا النظام للقرار السياسي في البلاد، حيث فقده منذ الزمن الذي سمح فيه للقوى الدولية بالتدخل لحمايته، دون أن يفكّر أن يتصالح منذ البداية مع شعبه الذي كان يريد إصلاحات حقيقية تلغي ركائز الاستبداد والفساد.
المؤتمر سيكون إعادة توزيع لميزان القوى الداخلي، وتغييراً ببنية هذا التوازن، بما ينسجم مع قوى الدفع التاريخي التي تعمل منذ زمن طويل على بناء دولة المؤسسات الديمقراطية دولة المواطنة المتساوية.
فهل سينجح المؤتمر بتحقيق أهدافه، أم ستطفو على سطحه الخلافات والتناقضات المضرّة؟.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني