ما وراء تشكيل حركة “التحرير والبناء”.. وتداعيات ذلك
من الطبيعي أن تثير خطوة اندماج فصائل عسكرية ثورية تساؤلات حول غاية هذه الخطوة وأبعادها، وكيفية انعكاس هذا الاندماج على تنسيق وإدارة العمل العسكري ضد أعداء الثورة السورية، وانعكاسه على استقرار مناطق الشمال المحرر على مستويات الأمن والاقتصاد والتعليم والمجتمع المحلي، ليغدو أنموذجاً وطنياً سورياً يحتذى به.
نينار برس طرحت سؤالين هما:
س1: تشكّلت حركة التحرير والبناء كإطار عسكري واحد يضمّ أربعة فصائل هي أحرار الشرقية وجيش الشرقية والفرقة عشرون وصفور الشام (قطّاع الشمال). ما الهدف الحقيقي وراء تشكيل هذه الحركة برأيكم؟ وهل الأمر يرتبط بتشكيل إطار عسكري يخصّ محافظات المنطقة الشرقية بسوريا؟ أم لكم رأي آخر؟
س2: يقول بعض المراقبين أن تشكيل حركة التحرير والبناء هو خطوة تبتعد بهذه الفصائل عن قيادة الجيش الوطني، كيف ترون الأمر؟ أليس توحيد الفصائل عموماً يعني اقتراب الشمال المحرر من إدارة حكومية مؤقتة ومركزية تساعد في الاستقرار الاقتصادي والأمني والمعيشي، وتشكل أنموذجاً جاذباً للسوريين؟ هل لديكم رأي مختلف عما نقدّره؟
خطوة نحو جيش سوريا المستقبل
يقول الدكتور أحمد طعمة الرئيس السابق للحكومة المؤقتة، والرئيس الحالي لوفد المعارضة إلى اجتماعات أستانا: “الهدف الحقيقي وراء تشكيل هذه الحركة هو تعزيز الجيش الوطني، وإعطاء مزيدٍ من التماسك والانسجام داخله، من أجل بناء جيش سوريا المستقبل”.
ويرى الدكتور طعمة أنه: “كانت نقطة البداية بين فصائل المنطقة الشرقية، لكي تقوم بمهمات عسكرية ومدنية لحماية المدنيين وتسهيل شؤون حياتهم، وقد تمّ الحديث عن هذا بالتفصيل في البيان التأسيسي”.
ويوضح الدكتور طعمة: “وجدنا أن ردود الفعال على خطوة الاندماج كانت طبيعية من قبل الفصائل الأخرى خارج التشكيل، وكذلك من الفيالق ومن قيادة الجيش الوطني ووزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، هذه الحركة التي أخذت اسم التحرير والباء منفتحة على انضمام فصائل أخرى إليها من جميع أنحاء سوريا، ولن تكون مقتصرة على أبناء المنطقة الشرقية”.
وفي إجابته على سؤالنا الثاني يقول الدكتور أحمد طعمة والذي يترأس وفد المعارضة إلى اجتماعات أستانا: “العكس تماماً من سؤالكم هو الصحيح، فكلما تجمّعت الفصائل في كيانات موحدة كلما أصبحت أكثر اقتراباً من قيادة الجيش الوطني”.
ويتابع طعمة حديثه فيقول: “في العام الماضي جرت خطوة مهمة جداً، عندما تخلّت الفصائل عن تمثيلها الفردي في الائتلاف الوطني، وأصبح التمثيل من خلال الجبهة الوطنية والفيالق الثلاثة، وعندما تندمج الفصائل العسكرية فيما بينها تحت راية قيادة الجيش الوطني، ويكون لها تمثيل سياسي ككتلة في الائتلاف، فهذا سيجعل منها كتلة أشدّ تماسكاً، وأكثر نضجاً، وأكثر فعالية، لإنجاز متطلبات المرحلة القادمة، وسيكون لها أثر إيجابي في معاش الناس وحياتهم واستقرار أوضاعهم الأمنية، وهذا ما يخدم بقوّة الثورة السورية، ويعطي انطباعاً لدى العالم أجمع أن المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري قادرة على تقديم أنموذج مميّز في الشمال المحرّر، يقنع العالم أجمع بالتخلي عن نظام الإجرام والإبادة”.
تشكيل الحركة مطلب شعبي
زياد الخلف عضو المكتب السياسي لفرقة أحرار الشرقية، يقول في إجابته على سؤالي نينار برس: “جاء تشكيل حركة التحرير والبناء من خلفية مطلب شعبي كبير من أبناء الثورة، وخصوصاً أبناء المنطقة الشرقية، هذا المطلب يتمثّل بأن تتوحد هذه الفصائل الأربعة (أحرار الشرقية، جيش الشرقية، الفرقة عشرون، صقور الشام “قطّاع الشمال”) تحت قيادة واحدة، تشمل اندماجاً كاملاً وبشكل تدريجي سريع نوعاً ما”.
ويوضح الخلف فيقول: “حسب علمنا أن العم جارٍ على قدمٍ وساق في هذا الأمر، والهدف الحقيقي وراء هذا التشكيل مرتبط بالواقع العسكري والسياسي والثوري للمنطقة”.
ويرى الخلف أن: “حالتنا التي تمرّ بها الثورة السورية الآن تتطلب منا توحيد الجهود، وهناك غرف كثيرة وتجمعات لفصائل عدّة، ولا بدّ أن نكون سبّاقين في مثل هكذا خطوة، وهذا خير يعود بالفضل الكبير على ثورتنا، والقصد تحقيق أهدافها، وألا تضيع دماء الشهداء الذين ضحّوا بأنفسهم”
ويعتقد الخلف وهو عضو في المكتب السياسي لأحرار الشرقية: “يساعد الاندماج في استقرار المنطقة من الناحية الاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية، وهي أهم شيء، ويعود بالخير على سكّان المنطقة المحرّرة، حيث تكون الأجهزة مرتبطة ببعضها في المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية”.
وبرأي الخلف أن ذلك سيجعل القرار موحداً، وأن حركة التحرير والبناء تفتح الباب أمام كل الفصائل الأخرى للانضمام إليها تحت هذا التجمع الكبير”.
الاندماج ترتيب لبيت المنطقة الشرقية
الكاتب والمحلل السياسي الدكتور باسل المعراوي ينظر إلى خطوة اندماج الفصائل الأربعة من زاوية مختلفة حيث يقول: “اعتقد ان تشكيل حركة التحرير والبناء من الفصائل العسكرية الاربعة التي تنتمي لمنطقة الجزيرة والفرات، يمكن النظر إليه من الابعاد التالية:
درجت العادة ومنذ بدايات تشكيل القوى العسكرية المناهضة للنظام انه تمت اندماجات بين كثير من الكتائب والتجمعات على أساس مناطقي، وهذا أسهم في قوتها، وخوفاً من ابتلاعها من فصائل وحركات مركزية كانت منتشرة على عموم الجغرافية السورية”.
ويضيف الدكتور المعراوي: “حدثت اندماجات أيضا بين فصائل السلفية الجهادية على أساس عقائدي، توجبهاً لمنهجية العمل العسكري وأهدافه التي تسعى اليها، وان تكتّل الفصائل العاملة في الشمال المحرر الآن، والتصدعات التي أصابت غرفة القيادة الموحدة عزم، وتشكيل تكتلات موازية مثل الجبهة السورية للتحرير وغيرها، يمكن أن يكون وراءها خوف الفصائل الأصغر من الفصيل الأكبر في الشمال السوري “الجبهة الشامية”، المنضوية ضمن الفيلق الثالث للجيش الوطني”.
ويتابع الدكتور المعراوي كلامه فيقول: “وبالتالي اما إخضاعها أو تفكيكها نهائياً، وبالتالي وضع كامل المنطقة تحت هيمنتها، وهذا حدث في إدلب، عندما تمكّن فصيل هيئة تحرير الشام من إخضاع أو ابتلاع الفصائل الأصغر سلماً أو حرباً، وبالتالي تفرده بالإدارة المدنية، والسيطرة الأمنية والعسكرية”.
ويعتقد الدكتور باسل المعراوي وهو طبيب أسنان وكاتب سياسي: “إن تشكيل حركة التحرير والبناء من فصائل الجزيرة والفرات، يمكن أن يؤشر الى مرحلة مستقبلية ليست ببعيدة، وهي ترتيب البيت الداخلي في تلك المنطقة، وتهيئة الأجواء التي تؤدي لانسحاب امريكي منها، بحيث يكون لعرب المنطقة والذين يشكلون الأغلبية الساحقة من السكان قوة عسكرية يمكنها حماية حوكمة للمنطقة، ..وذلك بالتشارك مع تشكيلات عسكرية موجودة في المنطقة، وتحظى القوة العسكرية العربية الجديدة بدعم أهل المنطقة وعشائرهم بالإضافة لدعم تركي وخليجي، وتستطيع ملء الفراغ الناجم عن الانسحاب الامريكي (فيما لو حصل)، وان تأخر الانسحاب، فإنها ستكون أحد عوامل الاستقرار بالمنطقة، وهي متمرسة بمحاربة تنظيم داعش، وتستطيع الوقوف بوجه الاطماع الإيرانية والروسية.
ويتابع الدكتور المعراوي إجابته على سؤالنا الثاني فيقول: “إن تجميع الفصائل العسكرية بعدة تجمعات كبرى، يمكن أن يسهم بتسهيل عملية تشكيل الجيش الوطني فعلاً، وليس اسميا كما هو حاصل الآن”.
مضيفاً: “أغلب الدول التي تحرّرت من استعمار أو خاضت ثورات، يتشكل لديها تلك الحركات والتي ليست سوريا استثناءً منها)، وبعد انتصار الثورة، أو اكتمال التحرير، تتحول تلك الفصائل تلقائياً إلى الجيش الشعبي الوطني للدولة، ولا يكون فيه بنية الجيوش المحترفة وتراتبيتها، إنما قيادات مدنية محلية، تمرّست بالنضال، وحازت على قبول شعبي، وهذا ما حصل مثلاً مع الثورة الجزائرية، عندما طردت الاحتلال الفرنسي، وتحوّلت جبهة التحرير الوطنية إلى الجيش الشعبي”.
ويرى الدكتور المعراوي أن: “لم يتم هيكلة الجيش الجزائري على أسس، وأرى أن التجمع والتكتل بين الفصائل تمهيداً لتشكيل جيش وطني موحد، يكون خاضعاً لهيئة أركان، ووزارة دفاع، تخضع لحكومة سورية، تشرف على إدارة المناطق، هو الطريق الوحيد المتاح الآن، ولا يمكن تشكيل جيوش وطنية من فراغ، إنما من أفراد الفصائل التي حاربت وتمرّست، وتنتمي إلى هذه الأرض”.
الاندماج على مراحل ضرورة
يرى الباحث في مركز الشرق للسياسات OPC الأستاذ سعد الشارع في اندماج الفصائل الأربعة (أحرار الشرقية وجيش الشرقية والفرقة العشرون وصقور الشام “قطّاع الشمال”): “أن السبب الحقيقي وراء تشكيل حركة التحرير والبناء هو الانتقال من الحالة الفصائلية التي لا يزال يعيشها الجيش الوطني، إلى حالة أكثر تنظيماً وأكثر انضباطاً، تبدأ بموضوع هذه التوحدات والاندماجات”.
ويعتقد الباحث الشارع: “ربما تختلف حركة التحرير والبناء قليلاً عن سابقاتها بموضوع التوحدات الأخيرة، وأن هذا المشروع الاندماجي يجب أن يكون على مراحل، حيث يمكن في المرحلة الأولى أن يتم توحيد المكاتب الإعلامية ثم المكاتب العسكرية والاقتصادية والأمنية”.
ويبيّن الشارع أهمية تلك المراحل فيقول: “سياسة الاندماج على مراحل تساعد الفصائل على عدم حرق المراحل، وتساعدهم على إبقاء الوضع منضبطاً في القطاعات التي يتواجدون فيها”.
مضيفاً: “إن هذه الفصائل معظمهم من أبناء المنطقة الشرقية، وأن الإعلان عن حركة التحرير والبناء جاء من منطقة تل أبيض، أي من منطقة “نبع السلام”، وهذا يشير إلى أن ثقل هذه الحركة سيكون في منطقة شرق الفرات، دون إهمالٍ للمناطق الأخرى التي يتواجدون فيها”.
ويضيف الشارع: “لا يمكن إهمال تجمّع أحرار الشرقية في المناطق الأخرى مثل ريف حلب الشمالي، وهو سبق كثير من الفصائل على قتال داعش، ولديه حضور مع جيش الشرقية، ولديه شعبية من خارج المنطقة الشرقية، ولكنه هو التشكيل الذي يضم عناصر بصورة أكبر من المنطقة الشرقية، ولهذا سيكون ثقل هذا التشكيل في منطقة عمليات نبع السلام، ولاحقاً في عمق المنطقة الشرقية إذا حدثت عمليات في تلك المنطقة”
لكن الباحث الشارع يذهب إلى أن عمليات الاندماج الخيرة تساعد في عمل وزارة الدفاع التابعة للحكومة المؤقتة، وأن الاندماج يساعد على حماية المنطقة من أي هجمات أمنية، ويعطي مساحة أكبر لعمل باقي الوزارات، لتفعيلها وإضفاء أجواء الاستقرار في تلك المناطق”.