fbpx

لقاء الدوحة في قاع الارتهان

0 105

تريد هذه الإضاءة أن توصف هذا اللقاء السياسي – ليس ندوة – وتشرحه من حيث عملية الإصرار على الطريقة ذاتها في التعامل مع الثورة السورية، واحتكار تمثيلها وفق ما يريد المشغل الدولي “الأميركي”.

ولا تريد شيطنة هذا اللقاء، أو تخوين حاضريه باعتبار نواياهم أو طبيعة علاقاتهم، وإن كنت أعتقد أن أحدهم سيستفز من عملية التوصيف – المتضمنة بيان الأثر – بشكل كبير، فيرمي الإضاءة أنها تخون أو تشيطن أو تضع العراقيل أمام الجهود المبذولة، فيتحمل بذلك هو نفسه إضفاء هذه المعاني أو بعضها على سلوكه وأدائه، لأنه غير قادر على قراءة التجربة السياسية السابقة التي تسببت بزيادة المعاناة وتعميق التبعية، ويمعن في تكرار فصولها، ويعفي ذاته من مواجهة الحقيقة التوصيفية من الزاوية الثورية السياسية.

وتعتبر مراكز الدراسات مجرد واجهة لهذا اللقاء للتعتيم المتعمد غير المنسجم مع أخلاقيات البحث العلمي على الأدوار الحقيقية المنوطة بأصحابها محلياً – أدواتياً – وإقليمياً – وظيفياً – ودولياً – مشغلاً ومشرفاً –.

وهذا لا يعني أن هذه المراكز خارج نطاق الوعي فيما تفعله وتهيئ له وتساعد عليه، بل إن بعضها بكامل وعيها وإدراك مسؤولياتها تجاه من يشرف على تمويلها باعتبار التخطيط المتبع في التعامل مع الثورة السورية – هناك اختلاف كبير بين عقليات التخطيط وآلياته، وذهنية المؤامرة وأساليبها –.

فهي لا تتجرأ على تسمية الأمور بمسمياتها ونسبتها إلى أصحابها، خاصة فيما يتصل بالاحتلالات والراديكالية وداعميها ومسارات المال القذر.

وإن أهم ما يوصف به هذا اللقاء أنه لا علاقة له بالثورة السورية مطلقاً، وإرادتها التغييرية الساعية إلى إسقاط العصابة المجرمة، وإنهاء جهازها الأمني وجيشها الطائفي، بعيداً عن الأجندات والنفوذ ووصاية المحتلين، وأكثر الحاضرين تنكراً للثورة وإرادتها السياسية، ودمائها الزكية وأعراضها الطاهرة أولئك الذين يصورون أنفسهم أنهم من حماة الثورة ومؤتمنون عليها، وحضورهم لئلا يخلوا الساحة لغيرهم من المنصات والهياكل، ولا بد من ملء الفراغ، وهي المعزوفة التي تكررت في كل المشاهد السابقة، وثبت فشلها الذريع في كل مرة، لكن بعينة مختلفة بأفرادها، واحدة في جوهرها منذ 2012، وهذه الخانة على اختلاف أفرادها مع مناصريها تتحمل المسؤولية الأولى والكبرى والمباشرة عن هذا الفشل السياسي قبل الأدوات المحلية التي قبلت أن تكون معها رغم ادعائها أنها ضد ارتهانها، وقبل الإقليمي الوظيفي، وقبل المشغل الدولي.

وسيكون لقاء الدوحة – من وجهة نظري – خاتمة المطاف لهذه العينة الديكورية لأن نتائجه السياسية ستضع الجميع أمام استحقاقاتهم:

الثورة ومن هو الجدير بقيادتها وفق الخط السيادي القوي الذي يؤمن بقدراته الذاتية وبقوة شعبه، ويستطيع أن يتعامل مع التوازنات السياسية من موقع الندية دون الخدماتية.

انبطاحية الواقعية السياسية ووضوح عناصرها من المنسجمين معها أصلاً، أو من المتوافقين معها تباعاً تحت ذرائع شتى، غير مقبولة وغير مبررة في سياق الشأن العام لثورة الحرية والكرامة؛ كالخوف على المصير ومن المجهول، وكسب الرزق لانقطاع السبل، وما شابهها.

فالأولى بهؤلاء ألا يربطوا بين هذه الأسباب ومصير الشعب العظيم، وألا يحلوا مشاكلهم الشخصية على حساب الشهداء والمعتقلين والمشردين والمهجرين.

كما يعتبر لقاء الدوحة أيضا خاتمة المطاف للحزبين التقليديين اللذين أخذا على عاتقهما قيادة الثورة منذ انطلاقتها، ويريان أنهما الأجدر بذلك، فقد قبلا طوعاً أن يمشيا وراء أمين الشعبة الحزبية الذي انتقل من العمل عند جهاز العصابة إلى العمل عند أجهزة أمنية أخرى، وقد صرح أكثر من مرة لأكثر من شخص أنه لا علاقة له بالثورة، ولم يعد هناك ثورة، وأن القضية برمتها هي بيد المنظومات الحاكمة؛ وهو يعد المسؤول الأول باعتبار صفته في هيكل الرياض-1، عن كارثة السلال الأربع وتمريرها، أما الوفد المفاوض في حينها فإن مسؤوليته تالية وليست الأولى.

ومن تأتي به الدول ليس برجل دولة، بل موظف عند تلك الدول، ولن يتأتى من ورائه إلا الدمار، والمالكي وكرزاي نموذجان حيان للدلالة على ذلك.

والثورة أكبر بكثير من أن يمثلها، أو يقودها موظف، وإذ يقدر له انشقاقه عن العصابة المجرمة، لكنه لا يفضي إلى التغاضي عن هذه الحقائق والكوارث والإخفاقات السياسية.

وجميع من سيكون في الدوحة وجاهة أو عبر وسيلة اليوم الخامس وغداً السادس – من شهر شباط – يعلم ذلك، ومن يجهله فما علاقته بالشأن السياسي!!

ولا تطالب الثورة بأن تمنح جميع المنشقين صفات قيادية متقدمة، بل تحرص على الاستفادة منهم بطريقتها دون أن تسلمهم إرادتها، ويكفي الثورة أن حررت الجميع، ومنهم المنشقون من ارتباطاتهم بالعصابة المجرمة.

ولابد من تذكر ومراعاة أن العصابات الحاكمة في بلادنا لا تضم إلى بنيتها رجال دولة، ولا تخرج مدارسها المخابراتية رجال دولة، وإذا افترضنا ذلك جدلاً، فأين كان أولاء بحكم مسؤولياتهم ومواقعهم السلطوية من المعتقلات وما يجري فيها من مآس قبل انطلاقة الثورة، وإذا كانوا وعامة الشعب سواء فكيف استحقوا لقب رجال دولة! وأين هم من الثروات الوطنية المنهوبة أمام أعينهم، والمودعة في بنوك الغرب ليتنعم بها على حساب أصحابها! رجال دولة؟! وأين هي مواقفهم من تحرير الأرض والإنسان من الاحتلال والتبعية!!

وإذ توافقت ثلة على هذا الطرح، لكنها لم تستطع أن تجاهر به، وإذ رفعت الصوت به ثلة فقد تقاعست عن بعض الخطوات المنوطة بها، وصرحت بما ينقض ما جهرت به فعدت الذهاب إلى الدوحة أمراً شخصياً!.

ولم تقل ذلك إلا لأنها تفتقد لدقة المعنى القيادي ومتطلباته، وترجح مكاسبها الضيقة وعلاقاتها على الشعب وقضيته.

وبعد هذا ربما يتفاجأ بعضهم بالقول: إن توصيف الأدوات المحلية آنف الذكر غير ذي بال مقارنة بالإقليمي الوظيفي الذي سيجر أذيال الخيبة، ويتمرغ بوحل الفشل حينما أظهر تنكره لثورة سورية الحرة، وراهن على تلك الأدوات، وكذلك المشغل الدولي الذي لا يملك القدرة على فرض صيغته السياسية بأولئك المجتمعين في الدوحة، أو بأمثالهم.

وعليه فهل نستطيع أن نتجاوز كل هذه المنظومات الحاكمة في عملنا السياسي التي توصف ثورتنا العظيمة بحرب أهلية، أو تختزلها بنظام ومعارضة يمكن الجمع بينهما وتجاوز خلافاتهما؟ نعم، بكل تأكيد، فلولا يقيني بذلك لما صدرت هذه الإضاءة للرأي العام.

فكما استطعنا أن نضرب أسس وأركان أهم المنظومات الوظيفية الخادمة للنظام الدولي في المنطقة طيلة ستين سنة – العصابة الحاكمة في سورية – والحامي الأول للكيان الصهيوني اليهودي؛ فإنه بإمكاننا المتابعة، ويبقى السؤال المتكرر كيف تكون؟

أولاً: ألا نشكل رافعة لأي هيكل تبنيه إحدى المنظومات الحاكمة أو جميعها، وألا نشرعن أو نثق بأي لقاء على شاكلة ما سيجري في العاصمة القطرية، وألا نعول على خطبهم ومخرجاتهم الورقية، والتيقن أن الوظيفي لا يعتمد عليه في بناء أو تكوين السيادي، فالذي يعمل عند الأميركي أو يخشاه، ويتحالف مع الصهيوني اليهودي أو يهادنه ويوادعه، ويتوافق مع ملالي طهران أو يواليهم ويثق بهم، لا يمكنه أن يفهم طبيعة الثورة السورية وحقيقتها، ولا يستوعب صفات من يمثلها.

ثانياً: إسقاط الطريقة التقليدية التي دأب عليها السوريون منذ 2011 في تجميع ثلاثين شخصاً أو خمسين أو مئة أو أكثر، فإن ذلك سرعان ما يتهاوى عند أول اختبار سياسي عملي.

ثالثاً: اعتماد طريقة مجموعات العمل الثوري السياسي، والتأكد أن التئام المجموعة النواة لن يكون سهلاً أبداً، ولن يكون سريعاً، ويحتاج إلى وقت لا بأس به فيما لو بدأنا العمل وتحرينا صوابه ودقته.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني