قراءة في رواية: مترو حلب
- الكاتبة: مها حسن
- الناشر: دار التنوير
- ط1، ورقية 2016
مها حسن روائية سورية مستقرة في باريس منذ 2004، لها العديد من الروايات، هذه الرواية الأولى التي نقرؤها لها.
تبدأ الرواية من حياة بطلتها الأساسية سارة التي جاءت حديثاً إلى باريس، والزمان في 2015، جاءت لزيارة خالتها أمينة المريضة بالسرطان، والتي علمت حديثاً بوجود هذه الخالة وأنها مريضة ومصرة على مشاهدتها.
سارة في الحياة المعيشة هي في باريس، أما في أحلام اليقظة؛ فهي في حلب، وتنتقل بين أحياء حلب بالمترو مفترضة وجوده من خيالها، حلب التي تركتها وهي في أسوأ حالاتها، تحت القصف والحصار والدمار وتشرد الناس، سارة تنتمي لروح الثورة السورية، وحق الناس بالحرية والعدالة والكرامة، ليست سعيدة بمسار الأحداث في سورية بعد الانطلاقة المعجزة للثورة سلمياً، وتجاوز الناس لحاجز الخوف، وقرار النظام بعد ذلك إسقاط الثورة بالعنف ولو أدى ذلك لتدمير سورية وقتل شعبها وتشريده، وليست سعيدة بعسكرة الثورة، ولا بأسلمتها، ولا تشرذم الثوار، وامتطاء بعضهم لها، أو استغلالها من كل الأطراف الإقليمية والدولية. كل شيء معيش في سورية؛ قتل، تدمير، تشريد، إلا حقوق الشعب السوري فيه فهي مستباحة، مثل استباحة حياته وأسباب وجوده.
سارة مسكونة بحلب ولها حكايتها الخاصة، لها أخت اسمها سوسن وأخ اسمه سمير أصغر منها، أمها اسمها هدهد ويدعونها في البيت أمينة، خريجة هندسة معمارية تعمل في بلدية حلب، عندما بدأ الربيع السوري والتظاهر في حلب، كانت منتمية له نفسياً، لكنها تهاب أن تكون جزءاً منه، مع ذلك شاركت في تظاهرة في الجامعة مع صديقتها هالة، وساعدت بتهريب بعض الشباب بسيارة صديقتها من يد الأمن الذي بدأ إطلاق النار عليهم ومطاردتهم، وتعيش بعد ذلك أجواء المواجهات بين النظام الذي استوحش بحق الشعب السوري وثورته، وتحول الثوار للعمل المسلح وانعكاسه على الناس، واعتماده على التدخلات الخارجية، بما يعني ارتهان لهذه الدول ومصالحها، ودخول القاعدة إلى سورية، وظهور النصرة وبعد ذلك داعش، وانعكاس ذلك الشيء على الشعب السوري، وتحول الشعب ضحية إرهاب داعش وإرهاب النظام، وتخبط الثوار وضياعهم.
ضمن هذه الظروف التي بدأت ترمي بثقلها على مجموع الناس، الذين أصيبوا وأولادهم وبيوتهم وأعمالهم، فهناك شهداء وجرحى ومشردون، وبدأت أفواج اللجوء تتحرك في كل اتجاه هرباً من الموت الأعمى، خاصة تركيا وأوروبا بالنسبة للسوريين القاطنين في شمال سورية. في هذه الأثناء، طلبت أم سارة منها أن تعد نفسها للسفر إلى فرنسا لأجل زيارة خالتها المريضة بالسرطان والتي تود رؤيتها، إن أحبت، سارة استغربت من أين خلقت هذه الخالة؟! وهي بعمر الثلاثين ولا تعلم عنها شيئاً، واسمها أمينة على اسم والدتها، أخبرتها أمها أن لذلك حكاية طويلة ستعرفها لاحقاً، المهم السفر.
استجابت سارة لطلب والدتها وسافرت لفرنسا، واستقبلتها خالتها أمينة، التي علمت أنها كانت من نجوم المسرح في باريس، وأنها كانت تعيش حياة حافلة بالمجد والشهرة، ستتابع معرفة حياة خالتها، لتكتشف أنها جاءت إلى فرنسا قبل ثلاثين سنة وأنها تركت وراءها أهلها وزوجها وطفلتها ابنة الشهرين؟!!، مطاردة حلم أن تعمل بالمسرح وتصنع ذاتها، ابنتها سارة ذاتها، سارة التي تعلم – أيضاً – أن خالتها هدهد التي كانت تحب شاباً قد تركته لتتزوج من زوج أختها، لأجل احتضان الطفلة سارة ورعايتها، ستتابع تفاصيل حياة كل من أبطال الرواية، كل يجلس على كرسي الاعتراف ويتحدث عن نفسه، سارة المسكونة بحلب فهي مشتتة بين باريس وحلب وتحلم بمترو بحلب، الأم أمينة التي تركت كل شيء خلفها بما فيها زوجها وابنتها وطاردت موهبتها المسرحية وحلمها الخاص، ثم حنينها لابنتها قبل الموت بقليل، والزوج وليد أبو سارة زوج أمينة أولاً الذي أحبها ونكب بتركها له ولابنتهما ومغادرتها له دون وداع، وزواجه من هدهد ورعاية أسرته التي توسعت؛ سارة وسوسن وسمير أولاده وأمهم هدهد، وهدهد التي ضحت بحبها لعادل لأجل احتضان الطفلة سارة وبناء حياة جديدة. الكل – الآن – يعيد إتمام صورة حياته، أمينة على أبواب الموت، وتموت، وتترك لسارة أشرطة تسجيل تخبر من خلالها ابنتها عن قصتها، إضافة لبيت ورصيد مالي أيضاً.
سارة تعيش في باريس، وروحها في حلب، التي أصبحت ضحية التدمير، وناسها – ككل السوريين – مشردون في أقطار الأرض، أهلها يرجونها ألا تعود، أبوها يموت هناك، وأمها هدهد تموت أيضاً بقذيفة على بيت مجاور لبيتهم، كانت في طريقها لزيارة الطبيب عادل – حبها القديم – الذي عاد إلى حلب لإسعاف المصابين وعلاج الناس في حلب المنكوبة، إخوتها وأقرباؤها وأصدقاؤها موزعون في العواصم الأوروبية لاجئين، وهي تعيش في أزمة نفسية سواء بسبب معرفة حكايتها الخاصة بكل غرابتها وتعقيداتها، أو بسبب مشكلة سورية ومدينتها حلب ومأساتها، ستعمل في تعليم بعضهم اللغة العربية، واستقبال بعض الأطفال كحضانة لهم حيث أمهاتهم يعملن، تؤمن لها مئات من اليوروهات لتعيش بهم، ستلتقي بأحد الثوار طارق، الذي كانت قد تعرفت عليه في إحدى التظاهرات، ومعه ومن خلال أصدقاء آخرين تخرج من ضياعها وعزلتها ومعاناتها تقرر أن تحقق ذاتها، فهي تمتلك موهبة الغناء، لم تلتقِ رغم كبر سنها بشاب تحبه ويحبها، مازالت مسكونة بحلب ولا تستطيع أن تتخلى عن باريس التي تراها قادرة أن تحقق ذاتها بها، ستتفق مع أحد الصحفيين الفرنسيين الذي تعلمه العربية، أن تنزل معه إلى حلب لتغطية الأوضاع فيها ونقل حقيقة ما يحصل بها للعالم، وتصل الى المناطق المحررة، وهكذا يحصل وتبدأ بتنفيذ حلمها؛ ركوب مترو باريس حلب ولو بالحلم. هنا تنتهي الرواية، وفي التعليق عليها نقول:
إننا إمام رواية متميزة، تشدنا من أولها حتى نهايتها، فيها التداخل بين العام والخاص قوي ومتماسك، حيوات أشخاصها ممتلئة، نستطيع القول إن جميعهم أبطال، فلا يوجد فيهم إنسان عادي هامشي، فالكل لهم حكاية يستحق أن تعرف وأن تسمع وأن نطلع عليها، فيها فرادة الإنسان وتميزه، كفرد وجماعة، انتصار لحق الإنسان أن يعيش حياته ممتلئة بالحب والأمان وفرص العيش والمثل العليا والآمال والأهداف والرسالة، وأن يستطيع تحقيقها، ويعمل لتحقيقها أيضاً.
وكذلك حق الجماعة الوطنية – كما حصل للشعب السوري – أن تنتصر إنسانيتها، وتحقق الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل، وأن تستمر بالعمل لذلك مهما وضع أمامها من عقبات، أو شوهت، أو حوربت من كل دول الأرض، فهي ثورة حق؛ والحق أحق أن يتبع.