قراءة في رواية فرانكشتاين في بغداد
- الكاتب: أحمد سعداوي
- منشورات دار الجمل
- ط 9 ورقية 2014
الرواية حاصلة على جائزة البوكر العربية لعام 2014.
تتحدث الرواية عن بغداد في عام 2005. في حيّ من أحيائها “البتاوين”. يقف هادي العتاك أمام أحد التفجيرات التي كثرت في بغداد بعد احتلال العراق وبوجود الأمريكي. ينتظر العتاك حتى تغادر الأجهزة الأمنية التي حضرت لتنظيف المكان وتجري تحقيقاتها. يتقدم حتى يحصل على أنف ينقصه لإكمال الجثة التي بدأ يركبها في البيت المهدم الذي يسكنه بعد أن تركه أصحابه وهاجروا. لا يدري متى بدأت فكرة تركيب أجزاء الأجساد المبعثرة بعد كل انفجار ليصنع منها جسدا كاملا. العتاك بعمل في شراء وبيع الأساس القديم المستعمل. يعيش منفردا يتردد دوما على مقهى الحي. لا يكاد يصحو من السكر. أهل المقهى مع النادل عزيز المصري يعرفوه. ويعرفو قدرته على التحدث وسرد الوقائع، اغلبهم يتهمه بالكذب. يتحدث عن الجسد الذي يعيد تجميعه. ويسميه (الشسمه)، لم يفكر أحد أن يذهب ليتأكد من وجوده، فهو مجرد حكاية لرجل سكّير في حانة يرتادها بشر ضائعين. في الحي ايضا ام دانيال المرأة العجوز المسيحية الاشورية التي تسكن في بيتها لوحدها. بعد ان هاجر بناتها وعائلاتهم إلى أمريكا هربا من الظروف الامنية في بغداد. ام دانيال ما زالت تنتظر ابنها دانيال الذي خُطف وأرسل للحرب قبل عشرين عاما، وعاد بعد ذلك في تابوت على انه شهيد. لم تصدق ذلك، وما زالت تنتظر عودته. ترفض دعوة بناتها لها للهجرة وترك العراق بآلامه. في الحي أيضاً الدلال، الرجل الذي استولى على بيوت المهجرين والهاربين بعقود أغلبها مزور، عمل بتجارة كل شيء بالحي. هناك أيضا صاحب الفندق الوحيد بزبائن لا يكفون مصاريفه. في الحي بعض الأسر التي تعيش حياتها منتظرة ان تموت بمتفجرة ما في طريق ما لسبب لا يعرفه أحد.
العتاك يكمل (الشسمه) بإضافة الأنف الذي حصل عليه من آخر انفجار. حارس البناء الذي حصل الانفجار أمامه فقد جسده وبحثت روحه عن جسدها؛ ولم تجده، تلبّست جسد الشسمه. أخذ اسم دانيال وعاد إلى بيت أم دانيال التي استقبلته بكونه ابنها الذي تنتظره، غضت الطرف عن شكله المشوة وكونه لا يشبه ابنها بشيء.
الشسمه يولد من حكاية العتاك، يولد حاملاً قضية. فهو يريد الانتقام لصاحب كل جزء من جسده المجمّع من خلال قتل من كان سبب قتله. يتحرك خفيفاً وسريعاً قوته أسطورية. لا يموت ولا يقتله الرصاص. بدأت حالة موت تتوزع على كثيرين من رعاة القتل الموزع في بغداد. ومن كل الأطراف. من جماعة الحكم المتفق مع الأمريكان. ومن الأمريكان أنفسهم ومن جماعة (الإرهاب) المصنع والحقيقي. أصبح الشسمه مشكلة تتطلب متابعة واهتماماً. تابعه الضابط سرور وتابعه الصحافي السوادي، وكل لأسبابه. الضابط سرور من بقايا النظام العراقي السابق. يعمل حتى يحسّن صورته ويترقى من خلال كشف سر الشسمه والقبض عليه أيضاً. والسوادي يتابع الحالة بصفتها سبق صحفي يؤدي عبر تقصيه إلى الشهرة والمجد. سنتبع بالرواية عالم ضابط الأمن وارتباطاته مع السلطة الحاكمة والأمريكان ولعبة المصالح التي تتحكم بالبلد. ونتتبع عبر السوادي ورئيسه السعدي مالك الصحيفة ورجل القوى السياسية الفاعلة والمرتبط مع الكل بخيوط المصالح. سنكتشف أن هذا التراكم الهائل من العنف والقتل والتفجير والصراع. تديره حالة مستقرة لمجموعة تتقاسم المشهد السياسي والمصالح أيضاً. وإن اختلفت فتعمل لتأكل بعضها بعضاً كما حصل مع السعدي والسوادي الذي اكتشف أنه بلا عمل بين عشية وضحاها بعدما كان موعوداً بالمجد. وذلك عندما تم التخلي عن السعدي والتضحية به بصفته فاسد وسارق أموال العراق. سيستمر الشسمه في القتل وتكبر حكايته، يتابع ويرصد ويصبح المطلوب رقم واحد من الأمريكان وكل الأجهزة. سيحولها السعدي إلى حكاية ويبيعها إلى المؤلف ببعض الدولارات ليعالج مشاكل مجلته التي تركها صابها السعدي وهرب للبنان. سنكتشف أن هناك من يستفيد مما يحصل، وأن كل الناس ضحايا، فهم إما موتى أو مشاريع موتى بتفجيرات قادمة أو صراعات أهليه أو مدفوعون للهجرة دون عودة للحفاظ على النفس الشسمه لن يكتفي بقتل القتلة فقط، سيضطّر أن يقتل أبرياء أيضا ليرمم نفسه، ويكتشف أن قائمة القتل تطول ولا تنقص. ويكتشف أن الكل ضحايا القاتل والمقتول. ويمارس القتل كوظيفة دون التفكير بالحق والعدل. ويجد من يؤمن به ومن يعتبره رسولاً ومن يراه مخلصاً. ستتشكل كتائب باسمه وتقاتل له وتتقاتل بين بعضها. سيكون له عرّافوه ومخبريه والقوى الخفية التي تستفيد من وجوده ومطاردته وقتله أو اعتقاله إن أمكن. يعتقل أخيراً العتاك بعد أن يصاب ويشوه بصفته الشسمه. وتوضع في رقبته كل الموبقات والجرائم التي حصلت.
تنتهي الرواية مفتوحة الاحتمالات، سيفرح الناس بالقبض على العتاك كونه الشسمه. ولكن الشسمه سيكون مراقباً الحالة من عل في إحدى البنايات. وهو يفكر في خططه الجديدة. أو هكذا نتصور.
في قراءة الرواية نقول: نحن أمام بناء فني روائي متميز ومتماسك للرواية. وأمام إمكانية قراءة ما وراء النص وعمقه. العراق واحتلاله واقتسام العراق بين المحتل والحكام دون وجه حق. الظلم سيد الموقف والقتل وسيلة الأطراف جميعها؛ الضحية والقاتل. الشسمه هو هذا الظلم الممتد عمودياً من المحتل حتى آخر إنسان في العراق. وجد الظلم ووجدت معه كل تبعياته. من فساد وقتل وهجرة وتفجير ودمار وفقر وفساد وخطيئة وموبقات.
لن يموت الشسمه إلّا بزوال الظلم وتبعاته وفاعلين فيه والمنتفعين منه.
هنا كان الربيع العراقي المجهض حلاً ما باتجاه المطلوب. العراق الذي يخرج من رماده كالعنقاء دائما ليعلن استمرار ثورته وبحثه عن حقوقه. كذلك الربيع العربي الذي يحارب في كل الساحات. المعركة مستمرة وحقوق الناس لن تبقى منتزعة دوماً. ولابد من انتصار الإنسان العراقي والعربي وحقه بالحرية والكرامة والعدل والديمقراطية والحياة الأفضل.
هذا ما يجب.. وما نأمل.