fbpx

قراءة في إيقاع غريزة الفراشات للروائي سامي البدري

0 147

همسة لابدّ منها: شكراً للأستاذة الفاضلة الكاتبة / الناقدة فتحية دبّش التي أثارتْ فضولي ورغّبتني بقراءة الرواية، وشكراً للأستاذ الفاضل الروائي سامي البدري (sami albadri) الذي تفضّل مشكوراً بإهدائي نسخة (PDF) دون أن أطلبها منه.

إيقاع غريزة الفراشات عنونة فيها ما يشدّك للقراءة، ويدفعك للتساؤل، إلامَ يرمز هذا العنوان؟ ما وراءه من مقصد أو مقاصد يريد الكاتب إيصالها لنا؟ فالفراشات بغريزتها تدور وترف حول الضوء / المصباح تقترب منه لتسقط منتحرة في أتون ناره وكأنّها تتقصّد الانتحار طواعية، فهل تعتمل تلك الغريزة لدى الإنسان فيحرق ذاته طواعية قاصداً أو غير قاصد، او مدفوعاً بحكم الظروف التي وضعه قدره فيها؟

يمهّد لنا الكاتب احتراق الذات “للموت سطوة كسطوة الاندفاع لأول لقاء جنسي في حياة الإنسان، اختراق صدأ الجسد بضراوة ديك أطرش” (ص7)، هذا الاندفاع الغريزي لانتحار الذات وكأنّه وصل حد الانتقام منها، ويضيف “كأنّما بُعث الأنبياء ليفسدوا علينا متعة الانهمار في الموت بحنين المفطومين إلى الأثداء التي أرضعتهم” (ص7)، فكيف يصبح الحنين إلى الموت مشروعاً؟ أتكون الظروف التي أحاطت بأبطال روايته رسمت لهم قدرهم حياة وموتاً أم رؤيته الفذة التي شكلتهم حسب فهم الواقع وتحليله؟

أحداث الرواية تسرد امتداد قرن من حياة الشعب العراقي، استخدم فيها رمزاً غير مباشر عبر السرد، رمزاً غامضاً لا يدخل دائرة الابهام، فهو يقص لنا حياة الناس وحركاتهم عبر رموز خاطفة لمرحلة الحكم الملكي، وسيطرة الطبقة الارستقراطية، وعلاقة العراق ببريطانيا، وبداية التحولات في تلك الطبقة، من خلال زواج سعاد خانم – التي رغم شططها “الطبقي وكسرها للكثير من القيم الارستقراطية إلّا أنها لم تخرج من كامل فروة السمور الطبقية” (ص 9) – من الضابط الشاب عبد الكريم ابن الفلاح الذي استهواها بوسامته وفحولته، ومحاولاتها أن تسلخه من منبته القروي كي “ترفع رصيد مؤهلاته من عضو جنسي إلى أمير مرسوم بعناية على ورق لعبها” (ص12)، هذا الزواج الذي يفتح صدامات الارستقراطية مع الجديد إذ اتضحت أنها “لم تكن أكثر من مواجهة بين فريقين …” (ص28)، وهذه الصدامات تستمر فكراً وسلوكاً مع  سعاد خانم على مدى سرد الرواية؛ ليُنتِج هذا الزواج أبناءً يمثلون حركة المجتمع العراقي الذي يمور بحركة غير منتظمة، وإن حاولت السلطة الانقلابية المستبدة الإمساك بها بفرض أيدولوجيتها العقائدية، فيعمّ الظلم، وقمع الحريات، والاعتقال، والتصفية الجسدية للمعارضين ورجالات الحكم السابق، وينتشر الفساد سرطاناً يفسّخ العلاقات السياسية والاجتماعية والثقافية في البلاد، ويقودها عبر سلسلة من انقلابات متتالية من عبد الكريم قاسم إلى صدام حسين، راسمة عهد استبداد وفساد كبيرين أسلما البلاد إلى الاحتلال الأمريكي، ومن ثم إلى الفوضى العارمة التي سادت فترة حكم  نوري المالكي.

المرأة محور الرواية، إذ منحها الكاتب دوراً كبيراً، فهي الوطن، وحركتها وتفاعلاتها حركته وتفاعلاته، وهي رمز تقلباته وما يمور فيه من صراعات بين قواه، وما انحرافها إلّا صورة من صور تقلباته، وما النسل غير الشرعي إلّا رمز لحركة الانقلابات فيه، وضعف النسل الشرعي وانحرافه دليل ضعف أبنائه وخوارهم نتيجة الفساد والاستبداد اللذين سادا تلك المرحلة من تاريخ العراق، وهذان النسلان هما اللذان جلبا الاحتلال الأمريكي، الذي تساءلت شغف الأولى عشيقة سعاد خانم “ألم يكن من الأجدر أن تأتي معجزة خلاص العراقيين بمعجزة قدريّة بدل معجزة أمريكية؟” (ص 212) ولترد سعاد على الضابط الأمريكي “الآن تأكد لي إنكم أنتم من كان وراء عملية التغرير بعبد الكريم قاسم، ليوصلكم إلى هذه اللحظة”: “أن تشككوا في ذمتنا في عقر دارنا” (ص 219)  ولتصرّح فيما بعد، إن الأمريكيين ما جاؤوا إلى العراق، وما حصل على أيديهم ما هو إلّا “اغتيال كل ما هو أصيل في هذه البلاد …” (ص 219)، ولتستمر الفوضى والصراعات وتتحوّل من عقائد أيديولوجية سياسية إلى صراعات سياسية دينية، وطائفية، وقومية أيام حكم المالكي .

أزعم أن الرواية بسردها الرمزي الساحر هي ملحمة الشعب العراقي خلال مئة عام، أجاد الكاتب رسم شخصياتها مرمّزاً لقطاعات من أناس العراق خلال قرن من حياة هذا الشعب العظيم الذي تحمّل الكثير، وما موت أفراد الأسرة الارستقراطية وانقراضها إلّا تعبيراً عن نهاية جيل وطبقة اختارت الاحتراق بإيقاع غريزتها غريزة الفراشات، تاركاً ذلك الحارس استمراراً لطبقة شعبية جديدة تكمل مسيرة حياة عراق يتشكل.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني