fbpx

في سياقات ومآلات قمة طهران!

0 134

إذا كنا لا نعرف بالضبط حقيقة ما اتفق عليه العاملون على مسار آستانة في نسختها الطهرانية الأخيرة، فإننا نستطيع أن نقرأ في السياق والنتائج، وهي أكثر من كافية لإدراك طبيعة المسار، وتوقع مآلات حلقاته القادمة!![1].

أولاً: في السياق الراهن

في مقال سابق، حاولتُ توضيح أن الهدف الرئيسي لقمة الثلاثي المتورط في حروب تقاسم سوريا، بشكل عام، وشمالها، على وجه الخصوص، إلى حصص ومناطق نفوذ منذ 2015 – في سياق تحقيق أهداف مشروع أمريكي متكامل لإعادة توزيع الجغرافيا السورية بين ميليشيات الثورة المضادة[2] – هو الوصول إلى صفقة سياسية، تُعطي ما يطالب به النظامين الإيراني والروسي من الجغرافيا والسيادة السوريتين، أو خارجها، مقابل إعطاء النظام التركي (الذي أخذ ما يشبه ضوءاً أخضر أمريكياً!)، الضوء الأخضر لتنفيذ حملته العسكرية الخامسة،[3] التي تستهدف، كما هو مُعلن إلحاق منبج وتل رفعت وعين عيسى بجغرافية المنطقة الآمنة التي تعزم تركيا إقامتها على امتداد ما يقارب 450 كم، بعرض يصل إلى 32 كم، من تخومها الجنوبية مع سوريا[4].

ثانياً: في النتائج الملموسة للقمة

من المؤلم ملاحظة أن أبرز نتائج القمة هي رسائل دموية، شكلت أكثر أشكال التواصل بين قيادات مسار أستانة وراعيه الأمريكي انتهاكاً لحقوق الإنسان، وسيادة الدول؛ تنفذها القيادة الحقيقية لما يُعرف بالمجتمع الدولي، المهيمنة على مؤسسات مجلس الأمن، وجميع المؤسسات الإمبريالية، وهي التي تورطت في الصراع ضد أهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري.

المضحك المبكي: هو تبرير تلك العقول الإجرامية لممارساتها، باتهام ضحايا إرهابها الأسود بالإرهابيين، لتصبح هي فاعلة الخير، الساعية لتخليص السوريين، وشعوب المنطقة من أشكال إجرامه[5].

  1. الرسالة الأولى، في موقع سياحي، في منطقة زاخو، محافظة دهوك، التابعة لإقليم كردستان العراق، يعج بمحبي الحياة والفرح، كانت مؤلمة جداً، لنتخيل الحالة المأساوية التي حولت افراح الناس، وتوقها للحياة، إلى جنازات جماعية، وغطت قاعات الفرح بالدم والدمار!.
  2. الرسالة الثانية، في موقع الجسر من منطقة خفض التصعيد الإدلبية، وراح ضحيتها عشرات المدنيين، نساء وأطفال؛ لا هم لهم سوى الحصول على لقمة عيش، يزداد طعمها مرارة يومياً، في ظل سيطرة أدوات النهب الميليشياوية، التي تشرعن وجودها وتحميها، اتفاقيات الدول الضامنة!.

ثالثاً: ما هو الاستنتاج؟

أحداث اليوم التالي لنهاية القمة بالغة الدلالة، فشل المتصارعين على اقتسام الجسد السوري في الوصول إلى صفقة سياسية، تلبي شروط الجميع.

رابعاً: ما هي الآفاق؟

المزيد من رسائل الموت والدمار، في محاولة كل طرف لتحسين شروطه في الصفقة السياسية الموعودة، التي كُلف الراعي الأمريكي للدول الضامنة بدعوة شركائه في صناعة المأساة السورية لاجتماع قمة جديدة؛ بعد أن يرى فخامته أن شروط الوليمة قد نضجت، وحان موعد القطاف.[6]

إلى حين حدوثها، فليُبشر مئات الإرهابيين السوريين، من نساء وأطفال وشيوخ ويتامى ومهجرين، الذين يخضعون لاحتلال سلطات الأمر الواقع، بالجنة، على أيدي المبشرين الجدد، دعاة السلام والحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية!.

لا أجد ما أختم به هذه العُجالة في قراءة بعض جوانب المشهد السياسي والعسكري الحالي أكثر تعبيراً عن حالة التفشيل التي وصلت إليها سوريا وشعبها وقواها الوطنية، ونخبها، ومعارضاتها، سوى الأمل بأن تتوقف تلك الأنظمة المتصارعة على اقتسام الجسد السوري عن توجيه رسائلها بدماء المدنيين الأبرياء!.

أما التساؤل الساذج: هل يكلف مجلس الأمن (الأمريكي) نفسه عناء الاجتماع، والتنديد بجرائم قتل المدنيين، أو العمل على إيقافها، فسأتركه لنخب المعارضات المناضلة[7].


[1]– لأنها تستخدم الجميع، رغم تناقض اهداف مشاريعهم الخاصة، قد لا يعرف معظم السوريين أن مسار أستانة، (الذي دعت له بعض أطراف المعارضة التابعة لروسيا وإيران – منصة موسكو، بزعامة الداعية الإلحادية رندة قسيس – ورعته حكومة روسيا، وقيادة كازاخستان)، هو مشروع أمريكي بامتياز، ويمثل الوجه الآخر للعمليات العسكرية التي أطلقتها الولايات المتحدة، بمساعدة روسيا بعد 2015، ويسعى، كما تبين نتائج المسارين بين 2015-2020 إلى إعادة تموضع ميليشيات الثورة المضادة (التي ادارت الولايات المتحدة، بالتنسيق مع روسيا، وبتوكيل أنظمة المنطقة، المعادية لهدف الثورة المركزي، حروبها؛ الانتقال السياسي والتحول الديمقراطي) على كامل الجغرافيا السورية، بما يؤدي موضوعياً إلى توزيع الجغرافيا والسيادة السورية بين قيادات الميليشيات التي تعتقد واشنطن بأهليتها للسيطرة والتحكم في سوريا الجديدة؛ الفاشلة.

[2]– من الأرجح أن يسعى الرئيس الروسي، (الذي أوصل بلاده في حربه الصدامية على أوكرانيا إلى حالة من الحصار والضعف، أشبه بما كان عليه العراق أثر تورط زعيمه الراحل في غزو الكويت، مطلع تسعينيات القرن الماضي)، إلى الاستفادة مما يمكن أن تقدمه تركيا لتعزيز عوامل صموده في أوكرانيا، في إطار ما تملكه تركيا من أوراق فعالة.

سينصب جهد الرئيس الإيراني على انتزاع ضمانات تركية بحماية مستعمرات حرسه الثوري في نبل والزاهراء على مشارف تل رفعت، قد تصل إلى درجة حزام أمان موضوعي، يصل إلى مشارف مدرسة المشاة!.

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=pfbid02KrPtBpMZJrHP2hM8BGVBLZTCFpsXLHnCzcc111c2eQTVQGpbDpLQ2DKXo3RUkrgSl&id=100001972017953

[3]– كانت وما تزال حجة تركيا لأسباب مشروعها الخاص هي رفض الولايات المتحدة قيام حل سياسي شامل، يشكل خارطة طريق وطنية لإعادة المهجرين بشكل آمن، وبالتالي ضرورة تنظيف كل هذه المناطق التي تريدها آمنة من جميع القوى التي تعتبرها إرهابية، وفي رأسها قسد.

على هذا الأساس، شن الجيش التركي، منذ 2016، حتى الآن، أربع عمليات عسكرية كبيرة؛ «درع الفرات» عام 2016 واحتلت المنطقة الواقعة في مثلث جرابلس – أعزاز – الباب. والثانية «غصن الزيتون» في مطلع 2018 واحتلت كل منطقة عفرين المحاذية للواء الاسكندرون، والثالثة «نبع السلام» واحتلت في أكتوبر 2020 مناطق واسعة شرق الفرات بين تل الأبيض ورأس العين. أما الرابعة فهي «درع الصحراء»، وهي أقل حجماً من سابقاتها، واستهدفت مواقع للجيش السوري واشتبكت مع القوات والطيران الروسية، وانتهت باتفاقية 5 مارس/آذار التي لم ينفذ منها شيء!.

[4]– في الجولة الراهنة من الصراع، الأسباب التركية المُعلنة لحربها الجديدة على مناطق سيطرة قوى المحور الأمريكي ترتبط بشروط صفقة إنهاء معارك نبع السلام، 2019.

في ترتيبات صفقة لإنهاء معارك نبع السلام، وفي مذكرة تفاهم بين أردوغان وبوتين في قمة سوتشي، 22 تشرين الأول 2019، تعهدت روسيا، كما جاء في البند السادس، إخراج الوحدات الكردية المسلحة كافة من منبج وتل رفعت غربي الفرات، اللتان تقعان على تخوم عفرين، وإدلب، أهم مواقع السيطرة التركية. بالطبع، لم تقم روسيا بإخراج وحدات حماية الشعب الكردية من تل رفعت ومنبج، بذريعة تراجع تركيا عن تعهدات مماثلة في إدلب.

[5]– إذا كانت روسيا، وتركيا، تبرران على سبيل المثال، هجماتها داخل مناطق يُسيطر عليها ميليشيات تعتبرها إرهابية، (وهي كذلك – أذرع الثورة المضادة الميليشياوية)، فإنها تتجاهل حقيقتين:

– إن مَن صنع ومكن تلك الميليشيات الإرهابية من رقاب السوريين هي سياسات هذه الدول ذاتها، التي نجح جهدها العدواني المشترك منذ 2011 في قطع مسار الحل والانتقال السياسي؛ الذي لو تحقق، لكان الطريق الوطني للحفاظ على وحدة سوريا، ومنع مسارات الميلشة والاحتلالات اللاحقة؛ ولكن نتائجه لا تتوافق مع مصالح تلك العصابة، التي تقودها واشنطن!.

– لا يستطيع المدنيون، ولا يملكون أدوات كسر احتكار تلك الميليشيات للسيطرة المحلية، وإن تحميلهم المسؤولية عن استمرارها هو نكوص عن جميع الاتفاقات والقيم الإنسانية والأخلاقية والديمقراطية التي شرعنتها المؤسسات الدولية، ومثلت انتصارات كبرى في مسارات التطور البشري.

[6]– قرروا عقد القمة الثلاثية القادمة في الاتحاد الروسي بدعوة من رئيس الاتحاد الروسي، فخامة فلاديمير بوتين. (بيان مشترك من رئيس جمهورية إيران الإسلامية ورئيس الاتحاد الروسي ورئيس جمهورية تركيا، طهران، 19 يوليو 2022).

[7]– رغم جميع فظاعات المشهد السوري، لا يجد السادة العاملون في السفارة الأمريكية بدمشق ما يقلقهم إلا إلغاء الجولة التاسعة من اللجنة الدستورية، كما أتى في تغريده على موقع السفارة المصون!.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني