fbpx

في دمشق.. حتى مياه الشرب أصبحت تهدد حياة المواطنين

0 172

سلام من صبا بردى أرق/ودمع لا يكفكف يا دمشق..

بهذه الكلمات عبر أحمد شوقي عن تضامنه وحنينه لدمشق إبان الاستعمار الفرنسي، لطالما كانت دمشق تتباهى بمياهها وينابيعها العذبة وخاصة نهر بردى الذي يمر من وسطها، حيث تقع ربوتها الجميلة، ويسقي بساتينها وأشجارها وصولاً إلى غوطتها التي نمت وكبرت على ضفافه فهذا النهر الذي ينبع من الزبداني رسم لوحة خضراء زينت وجه دمشق وكان ملهم الشعراء والفنانين ومقصداً للرسامين والصحفيين.

الثروة المائية كبيرة في سوريا وهي تمتلك بشكل عام الكثير من الأنهار على رأسها الفرات والعاصي واليرموك وبردى، أي لم تكن تعاني من أي نقص في المياه بل على العكس كانت تساهم في توليد الكهرباء كحال نهر الفرات.

حال قطاع المياه قبل الحرب 

مع كثرة الأنهار والينابيع والمياه الجوفية في سوريا إلا أنها كانت تعتمد بشكل كبير على مياه الأمطار للحفاظ على منسوب المياه وتأمين حاجة البلاد وكل ذلك بسبب عبثية وإهمال النظام في التعامل مع الموارد المائية وهدرها وجعلها عرضة للتلوث والجفاف، والدليل نهر بردى الذي كان يفيض فيغرق ساحة المرجة والحجاز في أواسط القرن الماضي، أصبح معدل مياهه يرى بصعوبة بالعين المجردة ناهيك عن لونه البني العفن ورائحته التي تضطرك لإغلاق أنفك عند المرور بقربه بسبب امتلائه بالأوساخ والفضلات، أما عين الفيجة التي تعد المصدر الأساسي للمياه في دمشق فقد أحسن وصفها الكاتب والناقد السينمائي المصري بلال فضل عندما كتب مقال عن زيارته لدمشق عام 2004عنونه بـ “شيء عفن في الزبداني”:

“عند وصولنا داهمتنا رائحة كريهة وكلما اقتربنا زادت حدة الرائحة وصدمنا بلون المياه الذي كان أشد خضرة من الأشجار لشدة ركوده وكثرة الطحالب وقد شرح لنا السائق أنه بسبب القصور والفيلات التي تنتشر في تلك المنطقة والمملوكة لكبار المسؤولين في الدولة حيث يقومون باستجرار المياه لمسابحهم وإفراغ مياه الصرف الصحي في منابع المياه ما حولها إلى هذا الشكل”.

وفي عام 2010 أخبرني أحد المسؤولين عن تنقية المياه بأنهم يضعون كميات هائلة من الكلور لمحاولة تحسين لون المياه ليستسيغها المواطنين.

 

في ظل الحرب تحولت المياه إلى سلاح لدى النظام، فقد استغل كل الوسائل الممكنة لتركيع الأهالي وإخضاعهم، فعمد إلى حصار المناطق ومنع كل وسائل الحياة عنها من مأكل ومشرب، وفي دمشق قطع المياه عن أحيائها المحاصرة آنذاك كالغوطة الشرقية ومخيم اليرموك والمناطق الجنوبية، وهنا لجأ الأهالي إلى مياه الآبار التي كانت منتشرة في تلك المناطق، وبعد سيطرة النظام على تلك المنطقة لم تعد المياه إلى تلك المناطق بسبب الدمار الشديدة في البنية التحتية

أما في مناطق النظام فتنقسم المياه إلى قسمين بعض المناطق تتغذى بمياه الينابيع مثل الريف الغربي للعاصمة وهي غير صالحة للشرب بسبب احتوائها على كميات كبيرة من الكلور وذرات الكلس الناتجة عن حالة الأنابيب السيئة، لذلك يلجأ سكان تلك المناطق إلى شراء مياه الشرب، أما سكان العاصمة فيعتمدون على مياه نبع الفيجة التي تعد صالحة إلى حد ما لكن عندما تفيض الينابيع في الشتاء تصبح غير صالحة للشرب بسبب اختلاطها مع مياه الصرف الصحي.

منذ أسبوع لوحظ حدوث حالات تسمم جماعي لدى سكان معضمية الشام. وصل عدد الحالات إلى 2600 حالة إضافة إلى حالة وفاة واحدة.

هذا ما أعلن عنه رسمياً لكن العدد الحقيقي أكبر من ذلك كما أخبرنا بعض المواطنين من سكان المنطقة، أما في داريا سجلت 110 حالات تسمم وكانت الأعراض الظاهرة عبارة عن ألم ومغص شديدين مع إسهال حاد وإقياء. وقد أعلن محافظ ريف دمشق أن السبب قد يكون تسرب مياه الصرف الصحي والإهمال في صيانة الأنابيب إضافة إلى النقص في مواد التعقيم ما أدى إلى وصول وتكاثر الجراثيم في مياه الشرب.


كل تلك المعطيات تبين لنا الوضع المزري الذي وصلت له مؤسسات النظام ودرجة الإهمال الكبيرة فيها، والاستهتار بحياة الآلاف من البشر وعدم قدرة المواطنين إلى الوصول لأدنى حق لديهم وهو الحصول على مياه شرب نقية.

وعند إدانة المسؤولين يلقون باللائمة على الحرب والحصار فلا تنعدم التبريرات لدى الدولة لكن تنعدم الحلول فقط والسؤال الأهم إلى متى ستبقى حياة المواطنين رهناً لاستهتار مسؤولين كل همهم ملء جيوبهم وأرصدتهم وليذهب المواطن وحقوقه إلى الجحيم.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني