في حيثيات قمّة مصر الدولية للسلام
كعادتها عند مواجهة أزمات سياسية، قد تشكل تحدياً لأدوات وخطط سيطرتها الإقليمية، تُحشد الولايات المتحدة مجدداً الشركاء والحلفاء والعاملين عليها لدفع الأحداث بما يتوافق مع، ويحقق أهداف سياساتها[1].
ليس خارج هذا الإطار تأتي مشاركة 31 دولة و3 منظمات دولية في قمة مصر الدولية للسلام، التي عُقدت في العاصمة الإدارية الجديدة المصرية يوم السبت 21 تشرين الأول 2023، وقد أكد رئيسها، الرئيس المصري، الجنرال عبد الفتاح السيسي، أن الهدف من القمة هو بحث مستقبل القضية الفلسطينية، وإعطاء دفعة قوية لمسار السلام ووقف التصعيد الجاري، وللتعامل مع الوضع الإنساني الآخذ في التدهور؛ وهي تقريباً نفس الأهداف التي وضعها السيد وزير الخارجية الأمريكي على قائمة أولويات الإدارة الأمريكية في زيارته الأولى للقاهرة قبل بضعة أيام من انعقاد القمة، في أعقاب، ومن أجل مواجهة، تداعيات هجوم السابع من أكتوبر الجاري، طبعا باستثناء، دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها![2].
في الانطباع الأولي، لا يبدو مستغرباً مشاركة الأمين العام للأمم المتحدة، الذي تشكل منظمته الدولية الموقرة، ومجلسها، مجلس الأمن الدولي، احد أدوات واشنطن الدبلوسياسية؛ ولا حضور روسيا الاتحادية العظمى، التي يبحث قيصرها، من محبسه في الكرملين، عن أي دور في الكومبارس الأمريكي، قد يساعده في رتق العلاقات مع واشنطن![3].
بيان القمة يتكلم بلسان السيد بلينكن ويظهر حقيقة الأهداف التي تسعى واشنطن لتحقيقها:
- التأكيد على أهمية حل الدولتين كخيار وحيد لتحقيق السلام في الشرق الأوسط
- الدعوة إلى وقف التصعيد في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية، وإلى العمل على إطلاق عملية سلام شاملة.
- تسهيل دخول المساعدات الإنسانية.
تاريخياً، وصل الدعم الأمريكي المُعلن لما يُسمى بحل الدولتين، وفقا لاتفاقيات أوسلو 2005، إلى درجة التبني، دون تحقيق أية خطوات عملية، علماً أن سقف الحل السياسي لم يتجاوز إقامة سلطتي حكم ذاتي، إحداهما في الضفة، والأخرى في غزة، يربطهما شريط بري ضيق، وتكون عاصمتهما الفلسطينية أبو ديس، ولم تستخدم واشنطن أية ضغوط حقيقية لتحقيقه، وغضت النظر عن دعم إسرائيلي غير مباشر، وإيراني مباشر، لحماس[4] مكنها عام 2007 من إسقاط السلطة الفلسطينية واحتلال غزة، وبالتالي إجهاض مشروع أبو ديس وتفشيل مسار أوسلو، وحل الدولتين!.
اليوم تريد الولايات المتحدة العودة إلى ما تبقى من حل الدولتين. لماذا؟
- لتلبية شرط المملكة السعودية من أجل إنجاز خطوة التطبيع مع إسرائيل، في سياق مشروع تطبيع إقليمي شامل، بات يحتل الأولوية في خطط السيطرة الإقليمية التشاركية، رغم انه يستثني رسميا أطراف المقاومة!.
- لمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها من الحرب على غزة، التي قدمت حماس ذريعتها.
ما هي أهداف الحرب الإسرائيلية على غزة؟
- إحداث أوسع تهجير فلسطيني جديد…تتويجا لجهود وسياسات إجهاض حل الدولتين.
- محاولة توريط إيران في حرب إقليمية، تُتيح ل جيش دفاعها، تجيير انتصارات غزوة حماس المُذلة في غلاف غزة، لتدمير ما بات يشكل قنبلة نووية إيرانية على الرف، وبالتالي إسقاط الاتفاق النووي الغير مُعلن مع واشنطن، وتوجيه ضربات موجعة للوجود الإيراني في سوريا، تقلب الطاولة على خطط التسوية السياسية الأمريكية، التي تقوم على علاقات سيطرة تشاركية مع النظامين الإيراني والتركي (احتلال ثلاثي!).
قد يعتقد بعضهم بوجود تناقض بين حرص الولايات المتحدة على دعم إسرائيل في مواجهة حماس، وبين عدم سماحها باستغلال الحرب على حماس لتوجيه ضربات مؤلمة لإيران، متجاهلاً أن الأولوية القصوى في سياسات واشنطن هي لحماية مصالح الولايات المتحدة العليا، وأمنها القومي.
في تقديري، لا يوجد اي تناقض، طالما حماية مصالح الولايات المتحدة العليا وأمنها القومي هو الهدف، سواء من خلال الحفاظ على تفوق إسرائيل العسكري، أو من خلال الحفاظ على شراكة سيطرة استراتيجية مع النظام الايراني، الذي أدى تمدد أذرعه الطائفية إلى تفشيل مقومات دول لبنان والعراق وسوريا وميلشة انظمتها السياسية، ووفر البيئة الأمثل لتحقيق أهداف السيطرة الإقليمية للولايات المتحدة، وبناء قواعد ارتكاز أمريكية دائمة!.[5]
هل نتعلم القراءة بين السطور؟
وفي الوقت عينه، ناقشتُ مع رئيس الوزراء نتنياهو يوم أمس ضرورة التزام إسرائيل بقوانين الحرب أثناء عملياتها. ويعني ذلك حماية المدنيين العالقين في القتال على أفضل نحو ممكن.
إذا تذكرنا حجم الجرائم التي ارتكبتها الإدارات الأمريكية ضد المدنيين، خاصة خلال غزو العراق (ملجأ العامرية، على سبيل المثال) فهل نتوقع من الرئيس بايدن أن يقول:
لقد أوضحت بكل صراحة لزميلي المجرم نتنياهو أننا، قادة الولايات المتحدة، ملتزمون بالحفاظ على أمن إسرائيل وتفوقها العسكري (تمثل الحزمة الأمنية التي أطلبها من الكونغرس التزاما غير مسبوق بأمن إسرائيل ومن شأنها أن تعزز التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، وهذا ما التزمنا به.. التفوق العسكري النوعي)، وأننا نستطيع التغطية على مجازركم ضد المدنيين (وقد اعلنتُ عدم مسؤوليتكم عن مذبحة المشفى المعمداني رغم حساسية الجريمة بالنسبة لنا![6]، مقابل التزامكم بالحرص على مصالحنا؟ إن مهاجمة إيران في هذه المرحلة يتناقض مع مصالحنا، ويهدد أمننا القومي، لأنه سيضعف عرى شباك سيطرتنا التشاركية القائمة في العراق، والتي نعمل على ترسيخها في سوريا، ولماذا عليكم القلق من وجود الميليشيات الإيرانية على حدودكم، أو امتلاك النظام الإيراني لقنبلة نووية، طالما نحن نحمي ظهركم، ونوفر كل ما من شأنه أن يُحافظ على تفوقكم النوعي؟!.
في الختام، أعتقد أنه في مواجهة عواقب هذه الجولة الأكثر دموية وخطورة من الصراع بين حماس والحكومة الإسرائيلية، جهود الولايات المتحدة الساعية لعدم انتشار النزاع ووقف الحرب على غزة وتقديم مساعدات إنسانية تصب في خدمة هدف رئيسي، يتمحور حول عدم السماح لإسرائيل باستخدام هجوم حماس لتوجيه ضربة نوعية للوجود الإيراني في سوريا، والمنشئات النووية داخل إيران، وما قد ينتج عنها من تفاقم صراع إقليمي، يقوض علاقات السيطرة التشاركية القائمة في العراق وسوريا، ويقطع مسار التطبيع الإقليمي، والتسوية السياسية السورية الأمريكية، هي الحقيقة الأخطر التي يتجاهلها الإعلام، ويرى بعض جهابذة النخب في السعي لكشف ابعادها فانتازيا، ويحارب وعيها بسيف نظرية المؤامرة!.
إذا كانت قد نجحت جهود مراكز بحوث وأبواق الدعاية الأمريكية – الإيرانية في طمس حقيقية علاقات سيطرتهما التشاركية الأكثر تدميراً لمقومات الدول، فهل تنجح سياسات التحشيد العسكري والسياسي الأمريكية، التي انضمت إليها ألمانيا في ردع سياسات الوحش الهائج، الذي بات بين سندان ميليشيات الوجود الإيراني في سوريا ولبنان وفلسطين، ومطرقة حل الدولتين!؟.
[1]– هو تراث ونهج سياسي أمريكي راسخ، يعمل على توظيف جهود الجميع لتحقيق أهداف أمريكية بحتة!.
إذا غضضنا النظر عن حلف تحرير الكويت، 1991 والتحالف الدولي لغزو العراق، 2003، والتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب 2014، وما بعدهم من تحالف دعم أوكرانيا، 2022، من المفيد لفت الانتباه إلى أخطر أشكال التحالفات الأمريكية التي استهدفت قضية الشعب السوري!.
في نهاية 2011، وقد وصلت جهود الحل السياسي التي كانت تسعى إليه المجموعة العربية التي تنافس إيران على السيطرة السورية – أنظمة قطر والسعودية ومصر بدعم تركي – إلى درجة متقدمة، عملت الولايات المتحدة على قطع مسار صيرورة الحل السياسي العربي عبر خطوتين متكاملتين:
- وضع ضغوط كبيرة على الترويكا العربية لتحويل ملف الحل إلى الأمم المتحدة، وقد تم إسقاط مشروع التسوية السياسية العربي في مجلس الأمن، بجلسة 4 شباط، 2012.
- تحشيد تحالف واسع تحت اسم الفريق الدولي لدعم سورية (19 دولة، انضمت إليه ايران في تشرين الثاني، 2015، لصياغة القرار 2254!)، قادت من خلاله الولايات المتحدة جهود تفشيل الحل السياسي عبر خطوات ومحطات ما عُرف بمسار جنيف، بدءاً من نقاط كوفي أنان، شباط – نيسان 2012، لصالح جهود الخيار العسكري الطائفي، الذي وفرت نتائجه الظروف الافضل لتفشيل سوريا، واتاحت الفرصة الذهبية للولايات المتحدة لاقتطاع حصة الأسد في شمال وشرق سورية!.
[2]– قادمون إلى القاهرة من أجل التأكيد على أربعة أهداف: إن الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل؛ وتعمل على منع انتشار النزاع إلى أماكن أخرى؛ وعلى تأمين إطلاق سراح الرهائن، بما في ذلك المواطنين الأمريكيين؛ ومعالجة الأزمة الإنسانية الموجودة في غزة، وزير الخارجية الأمريكي السيد بلينكن.
[3]– السفير الروسي في تل أبيب: نجري محادثات مع حماس لإطلاق الرهائن.
[4]– يتحدث وزير الخارجية بلينكن عن وجود علاقة وثيقة ومستدامة بين إيران وحماس، مشدداً على أن هوية حماس وأنشطتها تم تشكيلها بشكل كبير من خلال الدعم الذي تلقته من إيران على مر السنوات العديدة، لكنه، في نفس الوقت، حرص على تبرئة إيران، وانتزاع ذرائع إسرائيل لتبرير هجوم محتمل: في هذه اللحظة، ليس لدينا أي شيء يشير إلى تورط إيران مباشرة في هذا الهجوم، سواء في التخطيط له أو تنفيذه، ولكن هذا أمر ننظر فيه بعناية كبيرة، وعلينا أن نرى إلى أين تؤدي الحقائق.
[5]– مما جاء في خطاب الرئيس بايدن بشأن استجابة الولايات المتحدة لهجمات حركة حماس الإرهابية على إسرائيل والحرب الروسية الوحشية المتواصلة على أوكرانيا.
البيت الأبيض
20 تشرين الأول/أكتوبر 2023
… ولهذا أوجه إلى الكونغرس غداً طلباً عاجلاً خاصاً بالميزانية لتمويل احتياجات الأمن القومي الأمريكي، وذلك لدعم شركائنا المهمين، بمن في ذلك إسرائيل وأوكرانيا، (دعم النظام الأوكراني ودعم نظام الأبارتيد في فلسطين المحتلة، يأتي في سياق أهداف وإجراءات حماية الأمن القومي الأمريكي!). هذا استثمار ذكي سيؤتي ثماره للأمن الأمريكي لأجيال ويساعدنا على إبقاء القوات الأمريكية بعيدة عن مكامن الخطر وعلى بناء عالم أكثر أمانا، وسلاما، وازدهارا لأبنائنا، وأحفادنا. وعلينا ضمان تمتع إسرائيل بما تحتاج إليه لحماية شعبها اليوم ودائما. تمثل الحزمة الأمنية التي أطلبها من الكونغرس التزاما غير مسبوق بأمن إسرائيل ومن شأنها أن تعزز التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، وهذا ما التزمنا به.. التفوق العسكري النوعي. سنضمن استمرار القبة الحديدية في حراسة السماء فوق إسرائيل وسنتأكد من أن تعلم الجهات المعادية الأخرى في المنطقة أن إسرائيل أقوى من أي وقت مضى فنتجنب اتساع رقعة هذا الصراع. وفي الوقت عينه، ناقشتُ مع رئيس الوزراء نتنياهو يوم أمس ضرورة التزام إسرائيل بقوانين الحرب أثناء عملياتها. ويعني ذلك حماية المدنيين العالقين في القتال على أفضل نحو ممكن.
[6]– مثل الكثيرين، أنا محطم القلب من جراء فقدان الأرواح الفلسطينية الذين فقدوا، بما في ذلك الانفجار في أحد المستشفيات في غزة والذي لم يكن بتنفيذ إسرائيل.
Like so many other, I am heartbroken by the tragic loss of Palestinian life, including the explosion at a hospital in Gaza – which was not done by the Israelis.