fbpx

في أهداف وأشكال السيطرة الأمريكية

0 190

في صراع السيطرة على سورية، وفي سياق تحقيق أهداف الخيار العسكري، (في مواجهة استحقاقات ديمقراطية وطنية شاملة، جعل حراك السوريين السلمي، في ربيع 2011 من تحقيقها إمكانية موضوعية)، وفي إطار تكامل أدوات ووسائل جهد مشترك، محلي وإقليمي، قادته، على الصعيد الدولي، الولايات المتحدة وروسيا، لم تقتصر جهود تضليل الرأي العام السوري حول طبيعة الصراع وأهدافه وقواه على دعاية المؤامرة الكونية، التي صنعتها، وروجت لها أبواق محور المقاومة، وأكدت أكاذيبها دعايات، وسياسات الولايات المتحدة!!
فقد شاركت الولايات المتحدة، من موقعها القيادي في إطار تحالف الخيار العسكري، بدور فاعل في ترويج دعايتها الخاصة، التي تقاطعت مع دعاية المؤامرة الكونية، في الترويج لأفكار مضللة، تتناقص مع حقائق الصراع، وتتحدث عن وجود صراع محاور، وتناقض بين الروس والصينيين والأمريكان، تجاه قضية الشعب السوري المركزية – الانتقال السياسي والتحول الديمقراطي – وبما يضع الولايات المتحدة في خندق الدفاع عن مصالح السوريين، والسعي لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، طالما تقف روسيا في حلف النظام، وتمنع حصول انتقال سياسي!!
لقد تمظهرت الدعاية الأمريكية الروسية المُضَللِة، في شكلين رئيسين، تكاملت فيهما الاهداف، رغم التناقض الشكلي، في الافكار.
1- ظهور صراع قطبي جديد، بين تحالف عدواني، أمريكي مهاجم، وآخر وطني، مقاوم، هي الفكرة المركزية في دعاية نظرية المؤامرة الكونية، التي روجت لها ابواق المحور الروسي، والنخب المرتبطة به، وتتحدث عن حرب باردة جديدة، تضع انظمتها، في إطار تحالف عالمي، تقوده روسيا والصين، في مواجهة تحالف الولايات المتحدة، وشركائها الأوروبيين.
وفقا لنظرية المؤامرة الكونية، إياها، سبب الصراع هو السياسات العدوانية، التي تقودها واشنطن وشركائها الإقليمين والدوليين، التي استغلت حراك السورين السلمي، ودعمت الميليشيات الطائفية المسلحة، الإرهابية، من أجل فصل النظام السوري عن المحور المقاوم، الأم، ودفعة لتحسين سلوكه، بما يجعله مؤهلا للالتحاق بالمحور الأمريكي، الإقليمي من جهة، وما وجبته من الضرورة المصيرية لشن حرب دفاعية، جمعت تحت رايتها تحالف روسي/صيني/إيراني، سوري، مقاوم، لخطط ومشارع المحور الأمريكي!!

تسعى دعاية المؤامرة الكونية إلى تحقيق عدة اهداف، تتقاطع فيها سياسات واشنطن وموسكو:
– إخفاء وتغيير، طبيعة الصراع السياسي، بما هو صراع ديمقراطي إصلاحي، فجره حراك شعبي سلمي، في مواجهة سياسات قمعية، لتصبح الحرب ضد الإرهاب الإسلامي، الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية، وادواتها الإقليمية والمحلية، من الميليشيات الإرهابية، هي السبب الجوهري للصراع ؛ وهي اليافطة نفسها، الحرب ضد الإرهاب التي استخدمتها واشنطن لتبرير غزوها للأراضي السورية، 2014، ومجمل سياساتها اللاحقة!!
– إخفاء طبيعة المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة وروسيا، وطبيعة تقاطع سياسات الدولتين الإمبرياليتين، التي سمحت بقطع مسار الحل السياسي للصراع الذي تفجر في 2011، ودفعه على مسارات الخيار العسكري الطائفي، وطبيعة الأهداف المشتركة التي عملا معاً لتحقيقها.
2- من جهة ثانية، لا تنفي دعاية الولايات المتحدة وجود صراع مع روسيا والصين وإيران حول قضية الشعب السوري المركزية، بل تؤكدها، بأدوات ووسائل مختلفة، كتحميل روسيا مسؤولية تفشيل الحل السياسي، وقيادة الخيار العسكري الطائفي، ووضع نفسها في خندق المدافع عن الشعب السوري، والمناصر لقضاياه في التحرر والديمقراطية، وتعزيز ديماغوجيا الصراع بين الاقطاب، ومناخ الحرب الباردة، من خلال اتهام الروس والصينيين م بانتهاج سياسات إمبريالية، إقليميا، وعلى الصعيد العالمي (بعكس ما تمارسه من سياسات تنسيق على أعلى المستويات)، لتبرير عجزها الظاهري عن فرض متطلبات حل سياسي تاريخي للصراع!

تروج دعاية الانسحاب الأمريكي، التي أطلقها زعماء البيت الأبيض، وموظفو الوزارات الأمريكية، وخبراء مراكز بحوثها، وبمشاركة نخب المعارضة، والمقاومة، على حد سواء، لدوافع مختلفة، لحالة تراخي استراتيجي امريكي في المنطقة، نتج عن ضرورة الانسحاب شرقاً، لمواجهة القطب الصيني الصاعد، وما نتج عنه من استغلال روسي لحالة الفراغ الاستراتيجي والقفز إلى المنطقة، على طريقة القط والفأر، وبالتالي حتمية ظهور هذا الصراع السياسي القطبي، وما نتج عنه من ضعف سياسات واشنطن، وعجزها عن مواجهة سياسات الروس، وفرض تطبيق القرار 2254، أو غيرها، رغم دعمها لأهداف قضية الشعب السوري، وإلى آخر هذه الأسطوانة المشروخة، التي تتقاطع مع دعاية محور المقاومة التي تروج أبواقه لانتصارات تاريخية ضد الولايات المتحدة، اضطرتها للانكفاء، والانسحاب من المنطقة ؛ في تغيب فاضح، وتجاهل مقصود لحقيقة اهداف الانسحابات التكتيكية التي اجرتها الولايات المتحدة في العراق، في نهاية 2011، وسمحت بأطلاق المارد الداعشي، وعشرات الميليشيات الإيرانية!!
4- عززت الولايات المتحدة دعاية الحرب ضد الارهاب وقادت حلف دولي لمواجهته؛ بعد تنفيذها انسحاب تكتيكي، سمح لعصابات داعش بالسيطرة على الموصل، والضغط على شركائها الأوربيين وتركيا لتسهيل عبور الإرهابيين إلى سوريا، والعراق، وبعد أن أصبحت العراق، بفضل الانسحاب الأمريكي، بيد نور المالكي أخلص رجالات النظام الإيراني، وأكبر داعم لميليشيات الحشد الشعبي، التي كان لها الدور الرئيسي، بالتكامل مع الميليشيات الطائفية، التي صنعها شركاء واشنطن الإقليميين، على ضفة الخليج العربي، في دفع حراك السوريين السلمي الإصلاحي على مسارات العنف، وما نتج عنه!!
5- في تدخلها المباشر، العسكري، في الصراع، 2014، تحت يافطة مكافحة الإرهاب، عملت الولايات المتحدة، بالتنسيق مع روسيا، على إنشاء كانتون انفصالي، شوفيني، معاد لأهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري، من خلال وضع الأجندة القومية الكردية في مواجهة مع الأجندة الديمقراطية لعموم السوريين، في خطوة كانت الأخطر لتعززت إجراءات سلطوية/روسية سابقة، سعت لشق الصف الوطني الديمقراطي السوري المعارض، ودق إسفين بين مكونيه الأساسيين، العربي والكردي؛ إضافة إلى تمزيق وحدة الصف الكردي المعارض، ذاته، في استخدام قسد، المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، في قيادة المشروع الأمريكي – الروسي، الخاص في شمال شرق سوريا، وبما يهمش دور قوى المعارضة الوطنية التاريخية، الكردية السورية، ويجعلها مجرد ملحق بـ مشروع قسد!!

7- تقود الولايات المتحدة نشاط سياسي وعسكري محموم، (في هذه المرحلة من إعادة تأهيل النظام، وبالتكامل مع جهود عسكرية روسية ضاغطة على سلطات الأمر الواقع المدعومة تركيا، وفي محاولة لسحب البساط التركي من تحت أقدام الائتلاف وهيئة التفاوض)، لترتيب بيت المعارضات السورية وضبط نشاطها وسلوكها السياسي، بما يتوافق مع إجراءات إعادة التأهيل، والتطبيع الأخيرة، لإنهاء الصراع السياسي على السلطة – الذي استمر بأشكال وأدوات مختلفة طوال السنوات العشر الماضية، في اعقاب حراك السوريين السلمي طيلة النصف الأول من 2011 – تحت سقف، ويافطة، مسار جنيف والقرار 2254، واللجنة الدستورية، وبتمويل يتجاوز ملايين الدولارات، المنهوبة من خيرات سوريا، تحت يافطات تعزيز الديمقراطية، لدعم رموز وقوى وهياكل تم تعويمها، وتتكاثر كالفطر، في سباق زعمائها المحموم للحصول على التمويل الأمريكي، تقودها واشنطن من خلال إدارة انشطة المعارضات السورية، تعمل على جبهتين:
1- نشاط النخب السياسية والثقافية السورية/الأمريكية

(التحالف الأمريكي من أجل سوريا)، الذي تسعى قواه، بمشاركة نشطة من مجلسي النواب والشيوخ لتجميع هياكل معارضة، في توافقات مع الائتلاف، تشكل تكتل سياسي، معارض، يُخرج الجناح الرسمي من المعارضة، من تحت سيطرة تركيا، الدولة الوحيدة التي تتعارض مصالحها مع سياسات واشنطن وموسكو منذ 2011!
2- حملات إعلامية واسعة، ونشاط ديمقراطي تقوده قسد وذراعها المدني مسد، بتسهيل، ودعم لوجستي من الحكومات الاوروبية، (شكل لقاء ستوكهولم الأخير أبرز محطاته )، وروسيا، يركز على نشاط المعارضات الديمقراطية العلمانية، ساعياً لتحشيد المنصات والتجمعات الديمقراطية الناشطة في الفضاء الأوروبي/السوري!!
3- نشاط واضح، ومساعي حثيثة تجاه المعارضات الديمقراطية في الداخل السوري، التي كانت قد استعدت لهذه الخطوة، بخرقة الجبهة الوطنية الديمقراطية.

تعمل هذه القوى باتجاهين، برز منها زيارة حسن عبد العظيم المندوب السامي لجبهة اليسار الديمقراطية، التي صنفت نفسها بالمعارضة الداخلية، إلى تركيا، بضوء اخضر أمريكي روسي، للالتقاء مع رفاق النضال في الائتلاف، وفي محاولة لتوحيد صفوف المعارضة، التي أصروا على بقاءها ممزقة طيلة سنوات الصراع؛ بعد فشل محاولات سابقة للتنسيق مع قسد!!
ضمن هذا الإطار، تأتي محاولات تيار التغيير السلمي المعارض، لصاحبه الرفيق فاتح جاموس، المتعثرة، رغم حضورهم العديد من جولات الحوار الوطني المكوكية، التي دعت إليها قسد!!
 من المؤسف الاعتراف بما أصبحت عليه النخب السياسية والثقافية السورية، في جميع مواقعها، الداخلية، وتلك الناشطة في الفضاء الأوروبي والأمريكي، وتحت يافطات الديمقراطية والعلمانية، والذي لم يتجاوز دور الطابور الخامس.

في إطار، وتحت سقف المشروع الأمريكي/الروسي، الساعي، في هذه المرحلة، إلى إخراج آخر حلقات المسرحية، التي شكلت الغطاء السياسي لمسار الخيار العسكري!!

خلال سنوات الصراع العسكري، تجسد هذا الدور المرتهن لنخب المعارضات السورية في تجاهل وعيها السياسي والثقافي لحقائق كبرى، تقول بواقع قيادة الولايات المتحدة الأمريكية لخيار الحرب التي تفجرت في سوريا، في ربيع 2011، في مواجهة استحقاقات ديمقراطية وطنية، بواقع كونها المنسق العام لسياسات، وحامية مصالح النظام الرأسمالي العالمي، وقوة علاقاتها الاستراتيجية مع شركائها في مراكز النظام الرأسمالي، خاصة في الصين وروسيا، من موقع القيادة، التي حازته واشنطن في اعقاب نتائج حروب القرن العشرين، الاولى والثانية والباردة ؛ إضافة إلى عداء سياسات الولايات المتحدة وروسيا التاريخي، المشترك، لنضالات نخب وشعوب المنطقة لإنجاز اهداف المشروع الديمقراطي، التحرري، ومناصرة شتى اشكال سلطات الاستبداد، وما نتج عنها من سيطرة انظمة استبدادية، بنموذجيها السعودي والناصري، وقيام دولة الاحتلال الصهيوني!!

ضمن هذا السياق العام، كان من الطبيعي أن تغيب حقيقة تتقاطع اهداف دعاية المقاومة مع اهداف دعاية الانسحاب الأمريكي في الوعي السياسي النخبوي السوري، وهو ما جعل منه أخطر ادوات ترويج أكاذيبها:

1- يروج الفكر السياسي والثقافي النخبوي المعارض لوجود صراع روسي/أمريكي حول قضية الشعب السوري المركزية: الانتقال السياسي، ويبرز دعم الولايات المتحدة لمسار جنيف، وسعيها لتنفيذ القرار 2254، في مواجه رفض، وتسويف روسي، وإصراره على دعم النظام حتى النهاية!!
2- يروج ذاك الفكر، ومنصاته، ومنابره، وعلى السنة نخبه، لدعم أمريكي لقوى المعارضة الديمقراطية، ويتجاهل الاهداف الحقيقية التي تسعى لها واشنطن، وشركائها الأوربيين، والتي تتمحور حول إبقاء سقف تلك القوى السياسي تحت مظلة مشاريع واشنطن السياسية، وبما يمنع قيام جسم سياسي ديمقراطي موحد، يمثل جميع اطياف الشعب السوري، ويشكل البديل التاريخي، الذي تستخدم واشنطن ذريعته لتبرير عملية التدوير!!
3- يروج أيضاً لوهم قيام حل سياسي، اعتماداً على دعاية دعم الولايات المتحدة لجهود الحل السياسي، وتنفيذ القرار 2254 – الذي لا يملك الحد الأدنى من آليات التنفيذ، في التأكيد على شرط الموافقة المسبقة لحكومة النظام لتنفيذ خطواته، وبما يجعل منه مجرد مسرحية – وفي تجاهل لحقيقة تعارض سياسيات ومصالح واشنطن مع تطبيق ما يدعو اليه، وواقع كونها العامل الرئيسي في قطع مسار الخيار السياسي خلال 2011، ودفع الصراع إلى مآلاته الراهنة، التي أدت إلى الحفاظ على السلطة في المرحلة الأولى من الحرب، 2011- 2014، وإعادة تأهيلها، منذ 2015.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني