fbpx

عقود إذعان جديدة لشركات أجنبية في سوريا.. ماذا بقي للسوريين؟

0 254

يستمر نظام الأسد غير الشرعي، ببيع مقدرات ومنشآت سورية، عبر عقود إذعان يوقعها مع حلفائه، يمنحهم من خلالها حقّ السيطرة على هذه المقدّرات والمنشآت لسنوات طويلة، كان آخرها إبرام منح مشروع استثمار محطة الحجاز الأثرية بالعاصمة دمشق، لشركة خاصة لم يفصح عن اسمها بعد.
ونقلت صحيفة الوطن الموالية عن مدير المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي لدى النظام “حسنين محمد علي” قوله: إنّ مشروع الاستثمار يهدف لإقامة مجمّع سياحي وتجاري تحت اسم نيرفانا، بعقد استثمار مدته 45 عاماً.
ووفق “علي” يتألف نيرفانا من فندق بسعة 300 سرير من فئة الخمس نجوم بمساحة 5100 متر مربع، مع مجمع تجاري ومطاعم وصالات متعددة الأغراض، ويتألف البناء من 12 طابقاً للفندق بكلفة 40 مليون دولار، ومدة تنفيذه 36 شهراً من تاريخ صدور الرخصة، على أن يستثمر وفق نظام BOT.
وبحسب مدير المؤسسة فإنّ البدل السنوي للاستثمار، وفقاً للمشروع يبلغ 1.6 مليار ليرة سورية، أو 16% من الإيرادات بحسب ارتفاعها، على أن يتزايد البدل السنوي بنسبة 5% كل 3 سنوات، ليبلغ في السنوات الثلاثة الأخيرة من مدة الاستثمار إلى 3.167 مليارات ليرة سنوياً، ليعود المشروع بالكامل بعدها لملكية المؤسسة.
وطرحت المؤسسة المشروع الاستثماري منتصف تشرين الثاني 2019، ليشمل العقار 748 من منطقة القنوات بمساحة 5133 متراً مربعاً، العائدة ملكيته للمؤسسة، وذلك خلال ملتقى الاستثمار السياحي الذي أقامته وزارة السياحة لدى النظام حينها.
ولم يكن منح مشروع استثمار الخط الحجازي لشركة أجنبية هو الأول من نوعه، فقد عمد نظام الأسد خلال سنوات الثورة على توقيع عدة عقود بيع واستثمار لمنشآت ومقدرات سوريّة أخرى في مزاد بقائه في السلطة.
فبعد أن باع الأسد الأب الجولان لإسرائيل، جاء الأسد الابن ليكمل ما بدأه أبيه ويبيع أجزاء أخرى في البلاد من خلال عقود إذعان، منح خلالها روسيا استثمار مطار حميميم والقامشلي والموانئ والمنشآت البحرية وغيرها من المناطق السياحية على البحر وعقود استثمار حقول الغاز ومعامل إنتاجه وعقود استثمار الفوسفات لمدة 49 عاماً.
أما إيران فقد انتهت شباط 2019 من تجهيز المركز الإيراني في المنطقة الحرة بدمشق، لاستقبال البضائع الإيرانية وتوزيعها في سوريا ودول الجوار، وأنشأت منطقتين حرتين مشتركتين بين سوريا وإيران في حسياء بحمص واللاذقية، وتصديق عقد استكشاف البترول وتنميته وإنتاجه في البلوك رقم (12) في منطقة البوكمال بريف دور الزور، إضافة لإنشاء العديد من المعامل والحصول على امتيازات أخرى.
وفيما يعتبر النظام نفسه انتصر على قانون قيصر والعقوبات المفروضة عليه دون أي خسارة، يرى حقوقيون أن هذا الانتصار المزعوم جاء بالتخلي عن كل المنشآت والمصالح وموارد الثروة في سورية للاحتلال الروسي، الذي طرد بدوره الموظفين والعمال السوريين كافة من المطارات والموانئ والمنشآت “المبيعة” واستبدلهم بموظفين وعمال وإدارات روسيّة صرفة.
وتمنع عقود الإذعان وفق حقوقيين، حكومة النظام من إنشاء أي مرفق حيوي يقوم بنفس النشاط الاقتصادي أو العسكري لتلك المرافق والمنشآت المؤجرة قبل انتهاء العقود الموقّعة، ويتمتع الروس بحصانات قضائية من أي ملاحقة جنائية كانت أو مدنية في سورية خلال مدة هذه العقود، كما أن البضائع الروسية والمنتجات التي تدخل أو تخرج من هذه المرافق لا تخضع لأحكام القانون الضريبي أو لأحكام قانون الجمارك.
الكاتب والمحلل السياسي “صلاح قيراطة” أعرب في تصريح لموقع نينار برس، عن عدم تفاجئه بمنح حق استثمار محطة الحجاز التاريخية لشركة خاصة، متوقعاً أن تكون الشركة روسية، بل إنه يرى أن النظام مستعد للتنازل وبيع أكثر من ذلك للبقاء في السلطة، مضيفاً أن علاقات الدول تحركها المصالح، وروسيا وإيران ساندتا النظام بالعتاد والرجال، ولا أفضل لهما من ربط النظام باتفاقات وهو في وضع الضعيف ليحصلوا على أفضل الشروط.
وأردف “قيراطة” إن الشعب السوري وباختصار أمام مزيج ساقط ووقح، ما بين عقود إذعان ومقايضات، حيث يعيش السوريون مقايضة الكرسي بالحجر وربما البشر ومعها التاريخ والجغرافيا، مطالباً بوجود لجنة رفيعة المستوى قانونية واقتصادية كاملة الصلاحيات تدقق في هذه العقود وتسقطها بالطرق القانونية، وهذا وارد في نصوص القانون المدني السوري، على حد وصفه.
المحامي السوري “بسام طبلية” أشار في حديثه لموقع نينار برس، لمسؤولية المعارضة السورية حالياً أمام المجتمع الدولي، مطالباً إياها بتوضيح أن هذه العقود تم توقيعها من قبل نظام غير شرعي لدى الشعب، منح من خلالها أجزاء ومنشآت سورية لحلفائه، وبالتالي استدراك الأمور مستقبلاً من أجل التحرك ضد هذه العقود.
وأضاف أن هذه العقود من وجهة النظر الدولية هي صادرة من قبل حكومة شرعية معترف بها لديهم، وغير الشرعية من وجهة النظر الشعبية، معتبراً أن معركة قانونية ستكون للحيلولة دون الالتزام بهذه العقود، وأن الفريق القانوني يعمل جاهداً للطعن في هذه العقود وإنهائها، إلا أن هذا ليس بالأمر السهل لأنه وفي الوقت الحالي لا يمكن إقامة دعاوى ضد النظام المعترف به دولياً لانعدام الصفة القانونية، ولا يمكن القبول بالطعون والدعوات أمام المحاكم غير السورية، وإذا كان هناك دعاوى فيجب أن تقام أمام المحاكم الوطنية السورية بعد سقوط النظام، وفق قوله.
ولفت “طبلية” إلى أن هذه العقود هي محاولة التفاف على قانون قيصر، ومن جهة أخرى فإن النظام من الناحية القانونية في وضع لا يحسد عليه وخاصة أن هناك التزامات مالية تجاه روسيا وإيران وعليه سداد فواتير الحرب، لذا يريد هؤلاء أن يتمكنوا من تحصيل ما دفعوه مضافاً له أرباح خيالية وكذا الوصول لمطامع توسعية.
الخبير الاقتصادي “عبدالرحمن أنيس” رأى أن العقود المبرمة بين نظام الأسد من جهة وروسيا وإيران من جهة أخرى، هي عطايا من لا يملك لمن لا يستحق وهي خارج القوانين المرعية السارية في الدولة السورية ضمن قانون الاستثمار BOT، معتبراً محطة الحجاز من معالم دمشق الأثرية التي بدأ بناؤها في أواخر القرن التاسع عشر، لتكون مركز انطلاق القطارات من دمشق إلى عدة وجهات أبرزها المدينة المنورة ومكة المكرمة، وانطلقت منها أول رحلة في عام 1908. وبالنسبة للشركة صاحبة الاستثمار تعود ملكيتها على الأغلب لرجل الأعمال الروسي “يفيجيني بريجوزين” المعروف بـ “طباخ بوتين”.
وتابع “أنيس” أن لهذه العقود التي كُشف عن بعضها فقط ولم يكشف عن الكثير منها، أثراً بالغاً في الاقتصاد السوري إذ إنها أفقدت البلاد إيرادات تقدر بالمليارات من العملة الصعبة كانت يمكن أن تكون رافداً لخزينة الدولة وبسبب تلك التنازلات التي تتم اليوم باسم النظام هي تنازل قانوني لشركات أجنبية وبالتالي تتأثر بنود الموازنة العامة للدولة بتخفيض الإنفاق الحكومي على الخدمات الحكومية وتطوير تلك الخدمات.
وأوضح “أنيس” أنه وبعد سقوط النظام، أمامنا الكثير من العمل لإبطال تلك العقود قانونياً وإثبات اجرامه أمام المحاكم الدولية، أما إذا لم ننجح كمعارضة سورية في ذلك قانونياً فعلينا العمل لإيجاد موارد مالية جديدة وانتظار انتهاء تلك العقود.
وتسعى روسيا خلال وجودها لتمكين نفوذها العسكري والاقتصادي في سورية، من خلال توقيع عقود طويلة الأمد مع نظام الأسد الذي تستغله روسيا للهيمنة الكاملة على الموارد الاقتصادية في سوريا، وتقدم له الدعم العسكري مقابل توقيعه تلك العقود وإتمام سيطرتها على القواعد العسكرية والمرافئ ومشاريع الفوسفات والنفط وغيرها من الموارد.
وعبر التاريخ كان هناك العديد من الاتفاقيات الدولية جرت منذ مائة عام، على سبيل المثال اتفاق أنقرة 1926 ولوزان 1923 واتفاقية جزيرة هونغ كونغ واتفاقيات بين الولايات المتحدة واليابان حول استسلام اليابان وخسارتها في الحرب العالمية الثانية، بعض هذه الاتفاقيات التزمت بها الدول حتى اليوم، وبعضها الآخر تم نقضه أو تخفيف مدته، وهنا يتوجب على المعارضة السورية العمل الكثير للبحث عن أسباب نقض تلك الاتفاقيات أو تخفيف مددها، لربما تعود هذه المنشآت والمقدرات للسوريين.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني