fbpx

عزوف الشباب في درعا عن الزواج.. ما الأسباب؟

0 190

تنامت ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج في درعا بشكل كبير خاصة خلال السنوات الأخيرة الماضية، ما أدى لازدياد نسبة العنوسة لدى الفتيات بشكل ملحوظ، في ظل ظروف اقتصادية قاسية يعيشها الأهالي.

وبما أن الأسرة هي حجر الأساس الأول والثابت في بناء المجتمع، فإنّ قضية العزوف عن الزواج أو تأخره من الوسائل المدمرة لنشوء الأسرة، ويؤدي لفساد كبير، وأخطار عديدة.

أسباب العزوف عن الزواج:

يرى الشيخ “أبو ثابت الكفري” أن السبب المباشر وراء عزوف الشباب عن الزواج هو الوضع المعيشي السيء وعدم قدرة الشباب على تأمين تكاليف الزواج وما يترتب عليه فيما بعد من التزامات أسرية، مشيراً إلى أن البطالة والفقر الشديد هو ما أدى إلى انتشار هذه المشكلة في المجتمع السوري.

وأضاف “الكفري” في حديثه لموقع نينار برس، أن هناك مشكلة أخرى أدت لانتشار هذه الظاهرة وهي اعتقال واستشهاد مئات الآلاف من الشباب، ممن هم في سن الزواج أو ممن لم يمض فترة قليلة على زواجهم، وهذا أثر سلباً في كثرة الفتيات وقلة الشباب وأدى لازدياد عدد العوانس والأرامل.

ويضاف إلى الأسباب الأخرى، أنه ومنذ سيطرة قوات النظام على درعا تموز عام 2018، أصبح الطلب للخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية أمراً يعوق قدرة الشباب على العمل وتحسين مستوى معيشتهم كي يتناسب مع متطلبات الزواج، بحسب تقاليد المجتمع الذي يعيشون فيه.

ويتوافق كلام “الكفري” مع ما قالته الباحثة الاجتماعية الأستاذة “كبرياء الساعور”، فهي ترى أن الشباب هم الفئة الأبرز التي دفعت ضريبة الحرب في سوريا، والتي أدت لعزوفهم عن الزواج، خاصة مع غياب عامل الأمن والاستقرار، جراء التفجيرات والاغتيالات والاعتقال والسوق للخدمة العسكرية.

وأوضحت “الساعور” أن أحد الأسباب المهمة لهذه الظاهرة هو الواقع الاقتصادي السيء الذي يعد العامل الأبرز في انتشار هذه الظاهرة، إضافة لارتفاع معدلات البطالة وغياب قدرة الشباب على تأسيس عائلة في ظل تردي الأوضاع المعيشية وارتفاع معدلات المهور، مشيرة في الوقت ذاته أن هذه المشاكل يواجهها السوريون ليس فقط في درعا بل في سوريا عامة وخارج سوريا أيضاً.

وفي تصريح خاص لـ “نينار برس” قال المحامي “عدنان المسالمة” عضو اللجنة المركزية في درعا، لا يوجد إحصائيات رسمية عن أعداد الشباب العازفين عن الزواج أو نسب العنوسة في المحافظة إلا أن الأرقام كبيرة.

وتابع المسالمة: “إن الشباب في درعا يعيشون ظروفاً صعبة بسبب عدم تمكنهم من الحصول على وثائقهم الرسمية لأسباب عديدة منهم بشكل أساسي المنشقين عن جيش النظام (الفرار) ومستحقي السوق للخدمة والمطلوبين للاحتياط وأيضا المطلوبين أمنياً، وجميع هؤلاء لا يستطيعون الحصول على وثائق رسمية وأوضاعهم غير مستقرة لذلك هناك صعوبات كثيرة تمنعهم من تثبيت زواجهم أو تسجيل قيودهم وقيود أولادهم في حال تم زواجهم عرفياً”.

وبحسب “المسالمة” فإن صعوبات أخرى تواجه الشباب وهي أسباب اقتصادية إضافة للفقر المدقع الذي أصاب معظم الشباب بسبب عدم توفر العمل أو فصلهم من عملهم بسبب مواقفهم المعارضة للنظام وعدم قدرة هؤلاء على العودة لوظائفهم وبالتالي فإن معظم الشباب عاطلون عن العمل ولا يستطيعون الزواج.

مخاطر العزوف عن الزواج:

أشار الشيخ “أبو ثابت الكفري” إلى أن انتشار هذه الظاهرة قد يساهم إلى حد كبير في انتشار الفاحشة والحرام، بسبب الحاجة الفطرية لدى البشر والتي إن لم تضبط ضمن إطار الشرع، ستؤدي لمخاطر عظيمة، لأن الزواج يجلب العفة للناس، وإن الإسلام أمر به من أجل تأطير العلاقة بين الرجل والمرأة ضمن الأسرة الشرعية، وأمر به النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: “يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء”.

وهناك آثار مستقبلية خطيرة جداً على المجتمع السوري وعلى الشباب من مشاكل نفسية واجتماعية كبيرة وفق الباحثة الاجتماعية “كبرياء الساعور”، ما سيؤدي لتداعيات عديدة منها انتشار أنواع الزواج العرفي وغير الشرعي والذي لا يضمن حقوق المرأة ويهدد استقرار الأسرة نواة المجتمع ما يؤدي إلى تفككه.

حلول للحد من الظاهرة:

وبحسب الشيخ “أبو ثابت الكفري” فإن مسألة الزواج في الوقت الحالي تحتاج لموضوع تيسير من قبل أهل العروس، والابتعاد عن تحميل الشباب مالا يطيقون من تكاليف الزواج، والعودة إلى بساطة الزواج كما هو في الإسلام.

وأوضح “الكفري” أن إقامة الأعراس الجماعية وتكفل أهل الخير بتبنيها ودعمها وإقدام المقتدرين من الناس على تعدد الزوجات وجعله ثقافة مجتمع غير مستغربة كما هي في أيامنا، وفق قوله.

فيما رأت الباحثة الاجتماعية “كبرياء الساعور” أن هناك تغيّر بالقيم الثقافية في المجتمع بالنسبة للزواج ولكن بعض العائلات لا تزال تتمسك بالعادات القديمة وهي المهور العالية وتكاليف الزواج الباهظة، وهنا يجب على الأهالي تيسير أمور الزواج وعدم المبالغة في طلب المهور ومستلزمات منزل الزوجية.

وطالبت “الساعور” المنظمات بضرورة دراسة هذه الظاهرة للوقوف على أسبابها وتداعياتها وإيجاد الحلول للحد منها، كتقديم الدعم للشباب وتأمين احتياجاتهم من فرص عمل لتأسيس حياة وتكوين أسرة تساهم في بناء المجتمع السوري مستقبلاً.

آراء بعض الشباب في درعا حول موضوع الزواج:

وفي حديث خاص لـ “نينار برس” قال (م.ز) وهو معتقل سابق في سجون النظام لمدة 8 سنوات رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية: “لم أنهي دراستي الجامعية فقد تم اعتقالي أثناء ذهابي لتقديم مشروع التخرج، وعندما خرجت من المعتقل لم يُسمح لي بتقديم البحث والحصول على شهادتي لأنني إرهابي ومحروم من كامل الحقوق في وطني كما يقول النظام، وبالتالي خسرت كل شيء سنوات عمري في المعتقل ودراستي، وتفاجأت عند خروجي بأن الدنيا انقلبت رأساً على عقب، فالدمار منتشر في كل مكان والاقتصاد منهار والليرة السورية تراجعت لتصل لمستويات قياسية لم يسبق أن وصلتها، وأنا الآن في الـ 33 من عمري ولا أجد عملاً ولا أقوى على بناء غرفة والارتباط وتكوين أسرة”.

أما الشاب “محمد علي” البالغ من العمر 35 عاماً، فقد أشار لضيق الحال الذي يعيشه بعد دمار منزله في الحرب، وهو الآن يعيش في بيت لأحد أقاربه المقيمين في دولة خليجية ويحاول أن يؤمن قوت يومه من خلال الأعمال الحرة اليومية، ويقول: “بصراحة هناك تسهيلات من الأهالي في أمور الزواج فنحن في درعا أبناء عشائر وتجمعنا صلات قرابة ونسب، إضافة للتقارب الاجتماعي بين أهالي المحافظة وجميعنا نعرف بعضنا بعضاً لذلك هناك تسهيلات من الأهالي لكن رغم ذلك أنا لست قادراً على الزواج وتكوين أسرة، فاليوم زواج وغداً أولاد وأنا غير قادر على تكوين أسرة فالوضع من سيء لأسوأ والأسعار في ارتفاع”، واستشهد “مناف” بأحد أقاربه المتزوجين حيث أنه غير قادر على تأمين ثمن حفاضات وحليب لطفله الرضيع.

وفي ذات السياق تحدثت الشابة “أسماء. ش” عن الأمر قائلة: (أنا الآن في 37 من عمري وأعمل مدرسة في إحدى المدارس، ولم أتزوج رغم أنه لا طلبات لدي، ولكن أعداد الشباب قليلة بعد الحرب بسبب اعتقال واستشهاد أعداد كبيرة منهم إضافة إلى التهجير القسري خارج البلاد وبالتالي ازدادت أعداد الفتيات غير المتزوجات والأرامل مقارنة بأعداد الشباب، وما زاد الطين بلة هو الوضع المعيشي السيء وعدم توفر فرص عمل تشجع الشباب على الزواج).

هذا ويعتبر الشباب في محافظة درعا أن غموض الواقع الاقتصادي والسياسي والأمني في المنطقة، والتخوف الدائم من نشوب عمليات عسكرية جديدة تكون نتيجتها المزيد من التجنيد، في حين لا توجد حتى الآن أي جهة مدنية أو عسكرية تفرض نفوذها على كامل المحافظة، لتعيد إليها الأمن والاستقرار، أحد الأسباب المرتبطة بعزوف الشباب عن الزواج، إذ أن المنطقة تعيش صراعات بين عدة أطراف كإيران وروسيا والنظام ويدفع الأهالي خاصة فئة الشباب ثمن هذه الصراعات.

إضافة للعادات والتقاليد التي تزيد من عناء الشبان وتقلل من رغبتهم في الزواج، المتمثلة بتكاليف الزواج المرتفعة من مهر بمبالغ مقدمة ومؤجلة، وتجهيز بيت الزوجية (غرفة النوم وملابس العروس وتكلفة تزيين العروس وأدوات كهربائية وأدوات المطبخ…)، فيما تراجع بعض الأهالي عن اشتراط تقديم الذهب للعروس نظرًا لسعره المرتفع، أما المهر يعتبره معظم الأهالي في المنطقة حقاً وضماناً للعروس.

ويبقى موضوع عزوف الشباب عن الزواج، مسألة خطيرة تقلق الأهالي والباحثين الاجتماعيين، لما تحمله من مخاطر وآثار سلبية على الشباب والفتيات والمجتمع بشكل عام، دون وجود جهات مختصة تتابع هذا الموضوع وتقف بجانب الشباب لتكوين أسر تساعد في بناء المجتمع السوري مستقبلاً.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني