fbpx

طوفان الأقصى وطبيعة مصالح وسياسات واشنطن! (2-2)

0 80

في جميع اللقاءات الصحفية التي أعقبت طوفان الأقصى، في واشنطن أولاً، أو خلال جولاتهما المكوكية بين القدس المحتلة وعواصم المنطقة، الخط الأحمر الأبرز الذي وضعه الرئيس بايدن، ووزير خارجيته على انتشار النزاع إلى أماكن أخرى، وقد بات كل ما قامت به الإدارة الأمريكية من نشاط عسكري وسياسي ودبلوماسي وإغاثي يصب في خدمة تحقيق هذا الهدف المركزي!
في ضوء تحديد الهدف الرئيسي لواشنطن، لنحاول فهم حقيقة دوافع السياسات الأمريكية ذات الصلة من خلال طرح جملة من التساؤلات:

1- ماذا يعني عملياً، في ساحات الحرب، انتشار النزاع إلى أماكن أخرى، ولماذا تشعر الإدارة الأمريكية بالقلق عالي التوتر من احتمال وإمكانية حصوله؟.

2- هل إجراءات الولايات المتحدة الصارمة لمنع انتشار النزاع تقتصر على احتمالات تدخل أذرع إيران، أم تتضمن أيضا منع جهود وسياسات وخطط إسرائيلية، تسعى لتجيير نتائج هجوم حماس من أجل توجيه ضربات انتقامية ضد الأذرع والرأس الإيراني؟.

3- ما خلفية هذا الاهتمام الأمريكي البارز بحماية المدنيين وإغاثتهم وضرورة حصول حل سياسي، وفقا لمشروع حل الدولتين؟

أولاً، في محاولة لإعطاء مقاربة على القسم الأول من التساؤل، المرتبط بكيفية انتشار النزاع، يبدو لي أن انتشار النزاع إلى أماكن أخرى الذي تخشى واشنطن عواقبه وتعمل على منع حصوله، قد يحصل عبر سيناريوين رئيسيين:

1- غير مباشر، عبر توريط إسرائيلي لحزب الله بالصراع ردا على عمليات إعلامية، وهجمات انتقامية في سوريا، وما قد يؤدي إليه تصاعد المعارك اللاحقة إلى تدخل واسع لحزب الله، يسانده إشعال كامل الجبهة الجنوبية وامتداد الحريق إلى مناطق احتكاك أمريكية إيرانية، يجر الولايات المتحدة إلى مواجهات غير مرغوبة مع قوات النظام الإيراني وأذرعه السورية، قد يؤدي اتساع نطاقها إلى توريط أمريكي في نزاع واسع مع القواعد الإيرانية، تتجاوز ساحاتها سوريا!

2- حصول مواجهات عسكرية مباشرة، إسرائيلية- إيرانية، تستهلها إسرائيل بمهاجمة مواقع ارتكاز استراتيجية إيرانية في سورية، قد تصل إلى العراق، وداخل العمق الإيراني، توجب ردود الأفعال الإيرانية تورطا أمريكيا مباشرا في النزاع، يُعزز من حالة الخلل في موازين قوى الحرب لصالح إسرائيل، ويساعد في تحقيق أهداف سياسات إسرائيلية مُعلنة، تعمل طيلة سنوات لإلحاق خسائر كبيرة في أدوات وقواعد الارتكاز الإيرانية في سوريا، قد تفرض عليها إعادة تموضع خارج المجال الحيوي الإسرائيلي، أو حتى انكفائها إلى العراق، ولبنان!!

في كلا الحالتين، ألا يبدو جلياً، وفي ظل موازين قوى الحرب التي تميل بشكل كاسح لغير مصلحة محور المقاومة، أن انتشار النزاع سيُتيح فرصة تحقيق الأهداف المُعلنة لواشنطن، التي تضع نفسها في مواجهة الإرهاب المدعوم ايرانيا، وبالتالي تحسين سلوك النظام الإيراني، وتفكيك أذرعه الإرهابية؛ علاوة على فرض شروط تسويتها على النظام السوري، ولجم حزب الله في لبنان، وتحجيم ميليشيات الحشد الشعبي في العراق؟ فلماذا تخشى واشنطن انتشار النزاع، وتحرص على تأكيد موقفها الرافض لأية جهود قد تفجره، حتى في حالات الدفاع عن النفس؟[1]، ألا ينبغي أن تعمل على تأجيج نيرانه، واستغلال حروبه لمحاسبة أعدائها؛ اذا كانت الدعاية تعكس حقيقة السياسات الأمريكية؟![2].

لتكون خايفة من القنبلة النووية على الرف؟، أو من صواريخ ومسيرات الحوثي، أو من ردات فعل بيجين وموسكو، هدول تبع كذبة القطب الصاعد التي صنعها الأمريكان، وتركوا لنخب اليسار مهمة ترويجها؟!

ثانياً: ماهي الأسباب الحقيقية التي تجعل واشنطن تشعر بكل هذا القلق من احتمال انتشار النزاع وتعمل بكل ما تستطيع لاحتوائه عبر منع غزو غزة والتأكيد على الحل الدولي[3]؛ رغم ما يعطيها من فرصة تاريخية لتحقيق أهدافها المُعلنة، التي تضعها في مواجهة الإرهاب المدعوم إيرانياً؟.

لفهم جميع جوانب المشهد في العلاقات الجدلية بين القوى الرئيسية المتورطة، ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار مجموعة حقائق موضوعية:

الحقيقة الأولى هي أن الصراع الرئيسي الذي تمظهر في هجوم طوفان الأقصى الذي نفذته حماس، أحد أقوى أذرع مشروع السيطرة الإيراني في مواجهة التحدي الإسرائيلي، على مناطق تحت السيطرة الإسرائيلية، لم يخرج في دوافعه الإقليمية (وهذا لا يمنع وجود دوافع نضالية فلسطينية، ترتبط بمقاومة سياسات الاحتلال الإسرائيلي) عن سلسلة المعارك المتواصلة طيلة سنوات حول قضيتي الملف النووي ومواقع النفوذ والسيطرة السورية التي باتت تأخذ طابع الديمومة والشرعية في إطار إجراءات التأهيل السوري والتطبيع الإقليمي، وفي السياق العام لمشروع التسوية السياسية الأمريكية الذي تعمل واشنطن عليه مع شركاء الحروب منذ نهاية 2019، ويهدف إلى التثبيت النهائي لخارطة السيطرة الجيوسياسية التي فرضتها موازين قوى حروب تقاسم الحصص خلال العقدين الماضيين، سوريا وعلى الصعيد الإقليمي، وحصلت بخواتيمها أدوات السيطرة التشاركية الأمريكية الإيرانية على الحصتين الأولى والثانية!.

والحقيقة الثانية، التي تقول بحرص الولايات المتحدة والنظام الايراني معا على نجاح أهداف وإجراءات التسوية السياسية على الصعيد السوري، التي تضمن لهما دوام السيطرة التشاركية على الحصتين الأولى والثانية، وعلى الصعيد الإقليمي، التي تضمن سيطرة إيرانية تفرضها حالة القنبلة النووية على الرف، تحت مظلة هيمنة أمريكية مطلقة.

والحقيقة الثالثة، التي تدركها تل أبيب جيدا، هي حرص النظام الإيراني والولايات المتحدة معا، على عدم دخول النظام الإيراني في صراع إقليمي مباشر، واسع النطاق، في ظل تخندق أمريكي مُعلن إلى جانب إسرائيل، قد يورط القوات الأمريكية في حرب إقليمية واسعة ضد أذرع النظام الإيراني، وما قد ينتج عنها من مخاطر على أدوات وسياسات السيطرة الإقليمية التشاركية بين الولايات المتحدة والنظام الايراني، لن تقتصر عواقبها على الساحة السورية!!

والحقيقة الرابعة هي تناقض كل ما تضمنه شروط التسوية السياسية الأمريكية، (سورياً وإقليمياً، للنظام الإيراني، سواء على صعيد السيطرة التشاركية على سوريا أو الاتفاق النووي غير المُعلن)، مع موجبات الأمن القومي الإسرائيلي، وما ينتج عنه من أسباب استمرار الصراع، وتأجيجه![4].

في ضوء الحقائق السابقة في العلاقات الجدلية التشاركية بين أدوات وأذرع مشاريع السيطرة الإقليمية الرئيسية، الأمريكي والإيراني والإسرائيلي، نفهم حرص واشنطن وسعيها لمنع انتشار النزاع إقليميا، وحرص النظام الإيراني الشديد على عدم التورط الواسع في النزاع الحالي، مباشرة أو عبر الأذرع (وهي الرسالة الوحيدة التي حملتها جولة وزير الخارجية الإيراني)، وحرص الولايات المتحدة على توجيه ضربات رادعة لما يمكن أن تشنه الميليشيات الإيرانية من هجمات رفع العتب للحفاظ على ماء الوجه، ودون التنسيق مع إسرائيل، لكي لا يشكل ذريعة إسرائيلية إضافية لتوسيع نطاق النزاع، بما يمحور الجهود الأمريكية على أكثر من جبهتين:

  • سياسية، عبر فتح قنوات اتصال مع شركائها السياسيين في لبنان والعراق، وتوجيه رسائل إلى طهران، تحث الجميع على ضرورة ضبط سلوك الميليشيات، وتحذر من خطورة محاولات توسيع النزاع.
  • عسكرية، عبر توجيه ضربات عسكرية على مواقع وقيادات الميليشيات الإيرانية التي تبادر إلى عمليات هجومية.
  • سياسية ودبلوماسية على الجبهة الإسرائيلية، تركز على جهود رادعة لضبط السلوك الإسرائيلي بسبب خشية أمريكية حقيقية من إمكانية أن تبادر إسرائيل لتوسيع رقعة الحرب، وهي الحقيقة التي تجاهلها الكاتب الإسرائيلي عندما اعتبر أن منع انتشار المواجهة يعني منع التصعيد من جانب إيران في الأساس..؟ لقد تجسدت سياسات الردع الأمريكية تجاه الحكومة الإسرائيلية في الربط بين حصول إسرائيل على ما تحتاجه من الدعم الأمريكي لمواجهة حماس مع ضرورة وجود أفق سياسي للعمليات الحربية الهجومية التي تشنها إسرائيل ضد حماس دفاعا عن النفس، وعدم السماح لها باستغلال الصراع لغزو غزة، وما ينتج عنه من تهجير، وما قد يستجره من نزاع إقليمي. هنا، لا غرابة أن تصبح الإدارة الأمريكية أكثر دفاعاً وحرصاً على حياة المدنيين وحل الدولتين، وتعمل على تحشيد رأي عام داعم، رسمي وشعبي، إقليمي وعالمي، متجاهلة مساهمات سياساتها في تعزيز الإجراءات الإسرائيلية لتفشيله منذ 2005.

في نهاية القول، إذا استطاعت الولايات المتحدة منع توريط إيران في الحرب الإسرائيلية، وفرضت تسوية في غزة، تشكل مدخلاً لحل الدولتين، نقول إن الولايات المتحدة قد حققت الخطوة الأولى على طريق استكمال خطوات مشروع التطبيع الإقليمي الذي أطلقته خلال 2020. فقد كان استمرار إجراءات التطبيع الإقليمي في سياق مشروع التسوية السياسية الأمريكية يواجه عقبتين:

1- رفض إسرائيل لشروط التسوية السياسية الأمريكية التي تعترف بالوجود الإيراني في سوريا وتعيده إلى الحضن الإقليمي وتعترف لإيران بحق إنتاج القنبلة النووية. وقد عبرت عن هذا الرفض بهجمات عدوانية مستمرة على المواقع الإيرانية في سوريا، كانت توجب ردا إيرانيا في غزة عبر استخدام النظام الإيراني لشركائه في حماس والجهاد لتوجيه ضربات انتقامية.

2- اشتراط السعودية إنهاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي عبر شكل ما من أشكال قيام حل الدولتين لاستكمال خطوات التطبيع مع إسرائيل، وكانت ترفض إيران هذه الخطوة، طالما تستخدم حماس كأداة رئيسية في مخاطبة إسرائيل.

عندما تنجح جهود الولايات المتحدة في عدم توسيع الحرب الإسرائيلية الحالية، وحصرها في مواجهة مع حماس، لا تؤدي إلى تهجير فلسطيني واسع، وتقويض حل الدولتين.. تكون قد حققت الخطوة الأولى على طريق إيجاد صفقة تحييد دور حماس عن الصراع الإقليمي، وترتيب تسوية حل دولتين، ينهي النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، ويفتح الباب أمام تقدم مسار التطبيع الإقليمي على السكة الإسرائيلية السعودية.

ليبقى التساؤل حول مصير الخطوة الثانية: هل تنجح الولايات المتحدة في فرض صفقة تسوية إيرانية إسرائيلية، تنهي النزاع حول مواقع النفوذ والسيطرة السورية، كما حصل في لبنان، عبر مدخل المصالح الاقتصادية المشتركة؟

هو الخَيار الأفضل للقوى المتنازعة على تقاسم السيطرة ووسائل النهب المحلي والإقليمي، تحت مظلة مشروع السيطرة الإقليمية الأمريكية، وهو الحل المتاح للفلسطينيين، رغم انه يقوض أهداف تحرير فلسطين…والحل الديمقراطي في إطار دولة واحدة، لكنه يمثل تكريسا سياسيا وقانونيا لحالة التقسيم السورية بين قوى الاحتلال وسلطات الأمر الواقع، ويقوض إمكانيات وفرص ومقومات إقامة دولة سورية موحدة.


[1]– لقد حرص بيان وزير الدفاع لويد ج. أوستن الثالث بشأن الضربات العسكرية الأمريكية في شرق سوريا تشرين الأول/أكتوبر 2023 – الذي تحدث عن تنفيذ القوات العسكرية الأمريكية بناء على توجيهات الرئيس ضربات دفاع عن النفس على منشأتين في شرق سوريا يستخدمهما الحرس الثوري الإيراني والجماعات التابعة – على التأكيد على عدم سعي الولايات المتحدة إلى الدخول في صراع وليس لديها نية أو رغبة في الانخراط في المزيد من الأعمال العدائية، وأن الهجمات المدعومة من إيران ضد القوات الأمريكية غير مقبولة ويجب أن تتوقف، وأن الهدف من هذه الضربات هو الدفاع عن النفس وحماية الأفراد الأمريكيين في العراق وسوريا والدفاع عنهم، وهي ضربات منفصلة ومتميزة عن الصراع الدائر بين إسرائيل وحماس، ولا تشكل تحولاً في نهجنا تجاه ذلك الصراع. ونواصل حث الكيانات الحكومية كافة وغير الحكومية على عدم اتخاذ إجراءات من شأنها أن توسع رقعة الصراع ليصبح صراعاً إقليمياً أوسع نطاقاً.

علاوة على ذلك، حرص بيان البنتاغون، كما قال المسؤول لوكالة رويترز للأنباء، على التأكيد أن الولايات المتحدة لم تنسق الضربات في سورية مع إسرائيل.

[2]– في 20 تشرين الأول 2023، وفي آخر إطلالة على شعبه الأمريكي، في مسعى لترويج وعي التخويف من خطر خارجي افتراضي تعمل الإدارة على مواجهته، يتمثل اليوم بحروب حماس وبوتين، وتأمل من خلاله تحشيد الرأي العام خلف الرئيس الحامي، تطبيقا لنصائح وزير الدفاع الأسبق، روبرت غيتس حول الأولوية القصوى في استعادة الدعم الشعبي للقيادة العالمية الأميركية ( هل تستطيع الولايات المتحدة المنقسمة ردع الصين وروسيا؟، روبرت غيتس، إندبندنت عربية: 27/10/2023 يقول بايدن:

“إيران تقدم دعماً لروسيا في أوكرانيا وتدعم حماس ومجموعات إرهابية أخرى في المنطقة، وسنحاسبهم!”

متى سيحاسبهم، وكيف؟

المحاسبة قيد الانتظار!

لنقرأ في بيان السيد وزير خارجيته في الذكرى السنوية الأربعين لتفجير مبنى كتائب البحرية الأمريكية في بيروت، 23/10/2023:

في 23 أكتوبر 1983، قامت مجموعات حزب الله بتنفيذ تفجير إرهابي استهدف مبنى كتائب البحرية الأمريكية في بيروت، لبنان، ما أسفر عن مقتل 241 فرداً من القوات العسكرية الأمريكية، بما في ذلك 220 عسكرياً من البحرية الأمريكية و18 بحاراً وثلاثة جنود آخرين. بعد دقائق، قام انتحاري ثاني بتفجير نفسه مما أدى إلى مقتل 58 من الجنود المظليين الفرنسيين. كما فقد ستة مدنيين لبنانيين أرواحهم. يعتبر الهجوم الرهيب والصادم على مبنى كتائب البحرية في بيروت حتى اليوم أكثر الأيام فتكاً بالقوات الأمريكية.

هل ينتظر الرئيس بايدن تفجير حاملات طائراته ومراكز قيادات جيوشه التي تغطي سماء وماء، وتنتهك سيادات دول المنطقة، أم ينتظر، كما فعل أسلافه، ظهور ومحاسبة سيدنا المهدي المنتظر؟!.

[3]– البيت الأبيض، مقتطفات من تصريحات الرئيس بايدن بشأن الوضع في الشرق الأوسط في خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الأسترالي ألبانيز.

25 تشرين الأول/أكتوبر 2023

“… تتمتع إسرائيل بحق الرد على ذبح مواطنيها، بل تتحمل مسؤولية القيام بذلك، وسنضمن حصول إسرائيل على ما تحتاج إليه للدفاع عن نفسها بمواجهة هؤلاء الإرهابيين. هذا أمر مضمون.

يستحق الإسرائيليون والفلسطينيون على حد سواء العيش جنباً إلى جنب في أمان وكرامة وسلام. لا عودة إلى الوضع الراهن كما كان في السادس من تشرين الأول/أكتوبر، ما يضمن ألا تتمكن حركة حماس من إرهاب إسرائيل واستخدام المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية.

ويعني ذلك أيضا أنه ينبغي إعداد رؤية لما سيحصل في المستقبل عندما تنتهي هذه الأزمة. وينبغي أن يتمثل الحل برأينا بحل الدولتين.

يعني ذلك جهودا مركزة من كافة الأطراف – الإسرائيليين والفلسطينيين والشركاء الإقليميين والرؤساء الدوليين – لوضعنا على المسار الذي يقود إلى السلام..”.

[4]https://m.ahewar.org/s.asp?aid=802513&r=0

مُلحق:

في أبرز أسباب القلق الذي يتلبس إدارة بايدن الديمقراطية، من المفيد الاطلاع على وجهة نظر صديق كما عبر عنها ألون بنكاس، ووردت في مقال بعنوان الولايات المتحدة تتخوف من دفع ثمن أخطاء إسرائيلية في الحرب، وتراقب عن كثب 24 تشرين الأول 2023 – هآرتس، معدداً تحفظات الإدارة الأمريكية على سياسيات إسرائيلية تنتج أخطاء ذات عواقب على حسابات الدولة العظمى:

…. استعداد الولايات المتحدة لدفع ثمن أخطاء يمكن أن تقوم بها إسرائيل ضئيل جداً، ومن هنا، تأتي طريقة المراقبة الدقيقة. ليس تدخلاً وإزعاجاً، لكن من الواضح والمؤكد أنه مقعد ثابت على طاولة المجلس الوزاري الحربي المصغر. وانطلاقاً من هذا المبدأ، لدى الأميركيين 4 تحفظات مركزية وخلافات جوهرية مع إسرائيل، في محاولة التأثير فيما تقوم به:

أولاً، في رأي الولايات المتحدة، أن إسرائيل تهمل مقولة كارل فون كلاوزوفيتش الحرب هي استمرار للسياسة بأدوات أُخرى.

الغضب مما حدث يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر مفهوم، والدعم الواسع مبرر، وإبادة حماس هي هدف شرعي، والرغبة في ترميم الردع وصورة القوة طبيعية. ولكن من دون هدف سياسي ينبثق عن العملية العسكرية، لن يحدث أي تغيير في الواقع. يسألون، بأدب، علناً (وبشكل أكثر حدة في الغرف المغلقة): ما الهدف السياسي من الحرب؟ ما هي خطة اليوم التالي، حتى الآن، الإجابات التي حصلوا عليها كانت عبارة عن شعارات وإعلانات، لا خطة واضحة وسياسة منظمة.

ثانياً: الولايات المتحدة تتخوف من تصعيد عامودي، يمكن أن يتحول إلى تصعيد أفقي. التصعيد العامودي، معناه زيادة في حجم قوة النيران وتنويع الأدوات والأهداف في الساحة المركزية التي يجري فيها الصراع. التصعيد الأفقي، معناه توسع المواجهة العسكرية (أو السياسية) جغرافياً، وتحولها إلى مواجهة متعددة الساحات..

يمكن أن يجر الولايات المتحدة إلى تدخل عسكري، هي غير معنية به.

التحفظ الثالث، هو أنه في نظر الأميركيين، إسرائيل لا تملك سيطرة على التصعيد – بما معناه السيطرة والقدرة على ضبط التصعيد والمبادرة إليه من موقع المتفوق. إسرائيل تعتقد أنها تملك ذلك، والولايات المتحدة لديها فهم معاكس كلياً. الجنرال ديفيد بتراوس، قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي سابقاً (CENTCOM)، وقائد القوات الأميركية في أفغانستان والعراق سابقاً، شرح في مقابلة مطولة مع شبكة CNN أن الحرب البرية في قطاع غزة، وفي ظل الأوضاع الحالية، يمكن أن تكون أكبر تحد أمام إسرائيل تاريخياً، ويقارن بين غزة، وبين المعركة على الموصل في العراق، وبين الولايات المتحدة وداعش…

رابعاً، الولايات المتحدة لا تثق بقدرات متخذي القرارات السياسية في إسرائيل، وتفترض أنه توجد خلافات بين الجيش والمستوى السياسي وداخل الدائرتين، يمكن أن تؤدي إلى قرارات خاطئة. هذا كله، لا يعني أن الأميركيين على حق، وتوصياتهم جيدة، إلا إن الحسابات الأميركية هي حسابات قوة عظمى، وتأخذ بعين الاعتبار أبعاداً مختلفة وأولويات أوسع كثيراً من المصلحة الإسرائيلية الموضعية.

وفي نظر الولايات المتحدة، هناك تدخل روسي، وشعور بالقوة لدى إيران، وحسابات لدى الصين، ومنظومة علاقات مع السعودية والإمارات.. احتمالات التصعيد تتضمن في داخلها إزعاجاً وتحويل موارد من الساحة الروسية – الأوكرانية، وأيضاً تتطلب موقفاً واضحاً من أميركا، لأن حلفاءها في منطقة المحيط الهادي – الهندي، وفي جنوب شرق آسيا يراقبون سلوكها. ومن هنا، فإن استعداد الولايات المتحدة لدفع ثمن أخطاء يمكن أن تقوم بها إسرائيل ضئيل جداً، ومن هنا، تأتي طريقة المراقبة الدقيقة. ليس تدخلاً وإزعاجاً، لكن من الواضح والمؤكد أنه مقعد ثابت على طاولة المجلس الوزاري الحربي المصغر.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني