fbpx

طلب إنشاء محكمة خاصة عن طريق قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة لتحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم في سوريا

0 710

نظرًا للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والجرائم البشعة التي ارتُكبت في سوريا على مدى سنوات النزاع الدامي، ومع الحاجة الملحة لتحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين، وفشل مجلس الأمن لعدة مرات بإحالة ملف سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية ICC . بسبب استخدام روسيا والصين للفيتو لمنع صدور قرارات بهذا الخصوص.
وبعد أن قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنشاء الآلية الدولية المستقل لجمع الأدلة على الجرائم المرتكبة في سوريا IIIM بموجب القرار رقم 248/71/ A تاريخ 21 كانون الأول 2016. وقد قامت الآلية الدولية حتى الآن بجمع أكثر من مليون وثيقة ودليل على الجرائم المرتكبة في سوريا.
بالإضافة إلى قيام اللجنة الدولية للتحقيق التي أنشأتها منظمة حظر استخدام الأسلحة الكيماوية OPCW المحدثة بموجب قرار من الجمعية العامة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، في شهر حزيران (يونيو) عام 2018، وتم تحديد اسمها «فريق التحقيق وتحديد الهوية»، وبعد أن قامت هذا الفريق بإصدار ثلاثة تقارير تثبت ارتكاب النظام السوري لجريمة استعمال الأسلحة الكيماوية في هجومه على المدنيين السوريين في ثلاث مناطق، دوما، سراقب، واللطامنة.
ومع أهمية الخطوات التي اتخذها القضاء الأوروبي ولا سيما القضاء الألماني بفتح ملفات ضد بعض المجرمين الذين مازالوا في سوريا أو الذين وصلوا إلى أوروبا ، ونذكر هنا مذكرات التوقيف الدولية الصادرة عن القضاء الألماني في حزيران 2018 بحق نائب الرئيس السوري ومدير إدارة أمن الدولة سابقا علي مملوك وكذلك بحق جميل الحسن مدير إدارة المخابرات الجوية ، وتبعه القضاء الفرنسي بإصدار مذكرات توقيف مماثلة في تشرين الثاني 2018، كما تمت محاكمة رئيس قسم التحقيق في فرع أمن الداخلي بدمشق أمام القضاء الألماني في مدينة كوبلنتز وصدر بحقه حكم مدى الحياة لاشتراكه بارتكاب جرائم ضد الأنسانية وهي التعذيب ل 4000 معتقل على الأقل وقتل 38 معتقل على الأقل تحت التعذيب والعنف الجنسي ضد المعتقلين والمعتقلات .
كما يوجد ملفات مفتوحة في دول أخرى كالسويد والنروج وهولندا وبلجيكا والنمسا.
لكن كل ذلك وإن كان إشارة مضيئة لكن لا يلبي الطموحات لتحقيق العدالة كما يتمناها الضحايا والسوريين، ولا يرسل الإشارة الضرورية من المجتمع الدولي لإصراره على منع الإفلات من العقاب لمرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب ولا سيما على مرتكبي جريمة استخدام الأسلحة الكيماوية. وعدم إرسال هذه الإشارة القوية من المجتمع الدولي سيجعل مجرمين آخرين في دول العالم على ارتكاب الجرائم الدولية وخاصة استخدام الأسلحة الكيماوية وهم مطمأنون بأن يد العالة لن تطالهم ، وهذا حتما سيهدد السلم العالمي بأسره.
يعتبر إن تشكيل محكمة خاصة أداة فعالة لتحقيق العدالة وضروري لتعزيز المساءلة وإحقاق الحق في حالات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب التي ارتُكبت في سوريا. لتحقيق العدالة وتقديم تعويضات للضحايا. وإرسال رسالة واضحة وقوية لجميع المجرمين في العالم بأنه لا يمكن الإفلات من العقاب عن هذا النوع من الجرائم
إن مبادرة الجمعية العامة للأمم المتحدة بتشكيل محكمة خاصة ترسل رسالة قوية إلى الجميع وخاصة الشعب السوري بأن الجرائم المرتكبة لن تُترك بدون محاسبة. وتكون دليلاً على التزام المجتمع الدولي بالقيم الإنسانية وحقوق الإنسان وتعزز الثقة في النظام العالمي للعدالة.
كما أن تشكيل محكمة خاصة سيساعد في منع الانتقامات الشخصية والعنف المتواصل بين الأطراف المتنازعة. عندما يكون هناك نظام قضائي فعال وموثوق، يمكن للأفراد أن يعتمدوا عليه للحصول على العدالة بدلاً من اللجوء إلى العنف الشخصي.
كما سيكون لذلك دورا كبيرا في عملية إعادة بناء الثقة والمصالحة في سوريا. من خلال تحقيق العدالة والإفصاح عن الحقيقة وتقديم تعويضات للضحايا، يمكن تقوية الشرعية القضائية والثقة في النظام القانوني.
وسيكون لها دور كبير في تثبيت السلم الأهلي في سوريا ومنع المجرمين أن يكونوا جزءا من المستقبل.
بشكل عام، تشكيل محكمة خاصة للوضع السوري يعتبر خطوة هامة في تحقيق العدالة وإعادة الاستقرار إلى البلاد. إنها وسيلة لمعالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والتأكد من أن المسؤولين عنها لن يفلتوا من العقاب. كما أنها ستساهم في بناء مستقبل أفضل لسوريا، حيث تعزز الثقة بين الشعب السوري والسلطات القضائية وتعمل على تعزيز قيم العدالة والمصالحة في المجتمع.
للحصول على قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة لإنشاء محكمة خاصة لسوريا، هناك خطوات قانونية يجب اتباعها:
تقديم طلب رسمي: يجب تقديم طلب رسمي للجمعية العامة للأمم المتحدة لإنشاء محكمة خاصة لسوريا. يمكن تقديم الطلب من قبل دولة عضو في الأمم المتحدة أو مجموعة من الدول.
التحالف والدعم الدولي: من المهم بناء تحالفات دولية وكسب دعم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. يمكن تحقيق ذلك من خلال المشاركة في الجهود الدولية والإقليمية المتعلقة بالعدالة الجنائية، ودعوة الدول الأخرى للتعاون الدولي في محاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.
التحالف مع الدول الأعضاء: يجب تشكيل تحالف مع الدول الأعضاء الأخرى في الأمم المتحدة للحصول على الدعم اللازم للقرار. يمكن تحقيق ذلك من خلال المشاركة في المناقشات والمفاوضات مع الدول الأعضاء وشرح الضرورة القانونية والأكاديمية لإنشاء المحكمة الخاصة.
التصويت والحصول على الأغلبية: يجب التصويت على القرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة. يلزم الحصول على أغلبية الأصوات من الدول الأعضاء لقبول القرار. يجب العمل على الترويج للقرار وإقناع الدول الأعضاء بأهمية إنشاء محكمة خاصة لسوريا من خلال الحجج الأكاديمية والقانونية.
تنفيذ القرار يتضمن اتخاذ خطوات لتنفيذه على أرض الواقع. من بين هذه الخطوات:
إنشاء الهيكل التشريعي: يتعين إنشاء هيكل قانوني ينظم عمل المحكمة الخاصة، بما في ذلك التعديلات اللازمة على القوانين الوطنية أو إقرار قوانين جديدة إذا اقتضت الحاجة.
تأمين التمويل: يجب توفير التمويل اللازم لتشغيل المحكمة الخاصة وتنفيذ مهامها. يمكن أن يكون التمويل من مصادر مختلفة، بما في ذلك التبرعات الدولية والمساهمات المالية من الدول الأعضاء.
التعاون الدولي: يتعين على الدول الأعضاء والمنظمات الدولية تقديم الدعم والتعاون اللازمين للمحكمة الخاصة، سواء عبر توفير المعلومات والأدلة أو تسهيل تسليم المتهمين أو توفير الحماية والأمن اللازمين لشهود الإثبات.
تعيين القضاة والمدعين العامين: يجب تعيين هيئة قضائية ومدعين عامين ذوي كفاءة واستقلالية للعمل في المحكمة الخاصة. يمكن أن يكون التعيين بناءً على اتفاق دولي أو بالتنسيق مع الدول الأعضاء.
بدء الإجراءات القضائية: يبدأ العمل الفعلي للمحكمة الخاصة بالتحقيق في الجرائم ومحاكمة المتهمين وإصدار الأحكام واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق العدالة.
يجب أن يتم تنفيذ هذه الخطوات بناءً على التزام الدول الأعضاء بالقرار الذي تم اعتماده في الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما يمكن أن يكون هناك حاجة إلى التعاون مع السلطات الوطنية، يجب تعزيز التعاون بين المحكمة الخاصة والسلطات الوطنية في مستقبل سوريا لتسهيل جمع الأدلة وتسليم المتهمين وضمان تنفيذ الأحكام الصادرة.
حماية الضحايا والشهود: يجب توفير آليات وآليات لحماية الضحايا والشهود وتأمين سلامتهم وحماية هويتهم، بما في ذلك توفير برامج الشهادة المحمية وتوفير الدعم اللازم للضحايا للمشاركة في إجراءات المحكمة.
توثيق الجرائم وتقديم التقارير: يجب على المحكمة الخاصة توثيق الجرائم وتقديم التقارير الدورية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وذلك للحفاظ على الشفافية والمساءلة وتوثيق الجرائم المرتكبة في سوريا.
تعزيز التوعية والشفافية: يجب على المحكمة الخاصة العمل على تعزيز التوعية بأهمية عملها والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها. يجب أيضًا تعزيز الشفافية في إجراءات المحكمة وتوفير معلومات واضحة ومفهومة للجمهور بشأن أنشطتها.
إن تنفيذ هذه الخطوات يتطلب التعاون والتنسيق الوثيق بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ومؤسساتها، ويستلزم العمل الجاد والإصرار على تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في سوريا.

أنور البني
رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني