fbpx

سوريا 2025: معركة الديمقراطية تبدأ الآن!

0 55

مع سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، فتحت سوريا صفحة جديدة تحمل تحديات كبيرة وآمالاً عريضة. توّلت الإدارة الجديدة، بقيادة السيد أحمد الشرع زمام الأمور، ما أوجد واقعاً سياسياً جديداً يتطلب قراءة دقيقة واستجابة واعية من القوى الديمقراطية والسياسية وكل المؤمنين بقيم الديمقراطية والمواطنة. في هذا السياق، يبرز السؤال الأهم: ما هي الخطوات التي يجب أن تتبناها هذه القوى لضمان مسار مستقبلي لسوريا يرتكز على القيم المدنية والديمقراطية؟.

إن من أهم الأولويات في المرحلة الراهنة، الاستفادة من هذا الظرف التاريخي المهم، هو الدفع نحو تنظيم مؤتمر وطني جامع يشمل جميع مكونات الشعب السوري. ينبغي أن يضمّ هذا المؤتمر ممثلين عن القوى السياسية، الفصائل المعتدلة، المجتمع المدني، والأقليات المختلفة، بهدف التوصل إلى رؤية مشتركة لمستقبل سوريا. ويمكن الاستفادة من تجربة مؤتمر “كوديسا” ومفردة “كوديسا” جاءت من اختصار الجملة التالية باللغة الانكليزية (المؤتمر لأجل جنوب أفريقيا ديمقراطية)، هذا المؤتمر عقد في جنوب إفريقيا، وساهم في إنهاء نظام الفصل العنصري وبناء أسس جديدة للدولة.

هذا المؤتمر ليس فقط خطوة نحو بناء مؤسسات الدولة، بل هو منصة لتوحيد الصفوف والخروج من حالة التشرذم. لتحقيق هذا الهدف، ينبغي أيضاً توظيف الأدوات الدبلوماسية والإعلامية، وتعزيز الحراك المدني للتأثير على الإدارة الحالية من أجل تنفيذ هذا المؤتمر بشفافية.

ورغم التحديات القائمة، يبقى الداخل السوري المحرّك الأساسي لأي عملية تغيير. من المهم أن تعمل القوى الديمقراطية على تعزيز وجودها عبر تأسيس حركات مدنية (أحزاب وجمعيات) وشبكات شعبية، تهدف إلى نشر الوعي السياسي، وترسيخ قيم الديمقراطية. مثل هذه المبادرات يمكن أن تلعب دوراً محورياً في الضغط على الإدارة الحالية لتهيئة البيئة المناسبة لحوار وطني شامل يعكس تطلعات الشعب.

الإعلام هو أداة قوية يمكن استخدامها لبناء الوعي الشعبي، وزيادة تأثير القوى الديمقراطية في الداخل والخارج.

فمن المهم جداً أن تسعى إلى خلق فضاء إعلامي مستقل وقادر على مواجهة الروايات التي قد تروج لأيديولوجيات لا تؤمن بالديمقراطية. إن وسائل الإعلام المستقلة في الداخل والخارج يجب أن تعمل على تقديم صورة حقيقية للوضع في سوريا، وتسليط الضوء على الانتهاكات التي قد ترتكبها أي جهة كانت في حال حدوثها.

ويتعيّن على الإعلام أن يروج للقيم الديمقراطية، حيث إن الوعي العام السوري لا يزال غير مكتمل حول بعض المفاهيم الديمقراطية الأساسية، مثل حقوق الإنسان، والمواطنة والمساواة. يمكن للإعلام أن يلعب دوراً كبيراً في نشر ثقافة الحوار السلمي، وتعزيز فكرة التعايش بين المكونات المختلفة للمجتمع السوري.

إضافة إلى ذلك، يمكن للإعلام تسليط الضوء على أهمية عقد المؤتمر الوطني، والدعوة إلى الالتزام بمخرجاته كخارطة طريق لبناء دولة لجميع السوريين، وتبيان المخاطر الهائلة التي سوف تلم بسوريا في حال عدم تنفيذ المؤتمر، وتشكيل حكومة انتقالية، وكتابة دستور يعبر عن طموحات الشعب السوري في بناء دولة مدنية عصرية.

وعلى القوى الديمقراطية التركيز على مواجهة خطاب التطرف الديني والطائفي من خلال صياغة رؤية وطنية شاملة، تعزّز قيم التعددية واحترام التنوع السوري. يتطلب الأمر تقديم خطاب يؤكد على مبادئ المواطنة المتساوية، والحقوق العادلة لجميع أفراد الشعب، بغضّ النظر عن الانتماءات الدينية أو الطائفية.

إلى جانب ذلك، يمثل تعزيز المعارضة السلمية خطوة محورية في تقديم بدائل فعّالة، مع العمل على رفع مستوى الوعي بالمخاطر التي قد تنجم عن تمكين القوى العسكرية ذات التوجهات المتشددة. سوريا المستقبل يمكن أن تُبنى على أسس العدالة والحرية، بعيداً عن أي محاولات لاستغلال الدين أو الهوية لتحقيق مكاسب سياسية، مما يمهّد الطريق لدولة تحترم التنوع وتوفر مناخاً آمناً ومستقراً للجميع.

في هذه المرحلة، من الضروري أن تعمل هذه القوى على بناء علاقات مع المجتمع الدولي، وخاصة مع المنظمات الحقوقية، والهيئات السياسية الدولية مثل الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والدول الكبرى التي تساهم في تشكيل السياسات الدولية تجاه سوريا. فالضغط الدولي يمكن أن يكون أداة فعالة لدعم التحول السياسي في سوريا، من خلال الدعوة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.

لكن لا ينبغي أن يكون التعاون مع المجتمع الدولي على حساب المبادئ الوطنية والديمقراطية. فالقوى الديمقراطية يجب أن تظل ملتزمة بمبادئها، وتجنب الارتباط بأي أطراف قد تضعف من مصداقيتها، أو تدفعها نحو انتهاج سياسات غير وطنية. الدعم الدولي يجب أن يكون موجهاً نحو تحقيق الانتقال السياسي السلمي في سوريا، وتوفير بيئة آمنة للمجتمع المدني.

سوريا بحاجة إلى رؤية جديدة تتجاوز الانقسامات التاريخية، وتُعيد تعريف الهوية الوطنية على أسس مدنية وديمقراطية. المؤتمر الوطني يمكن أن يكون نقطة البداية لوضع دستور جديد، يُرسخ سيادة القانون، ويضمن العدالة للجميع، بغض النظر عن الخلفيات الطائفية أو الإيديولوجية.

في هذه المرحلة المفصلية، تقع مسؤولية كبيرة على عاتق القوى الديمقراطية للعمل بحكمة وفعالية لتحقيق أهداف الثورة السورية بعيداً عن أي انقسامات أو أيديولوجيات متطرفة. تنظيم مؤتمر وطني شامل يُعتبر خطوة أساسية في هذه المسيرة، كوسيلة لبناء دولة مدنية تحتضن جميع أبنائها.

عبر الحراك الداخلي، والإعلام الحر، والتعاون مع المجتمع الدولي، يمكن للقوى الديمقراطية أن تساهم في وضع سوريا على مسار جديد، يحقق تطلعات الشعب السوري في الحرية والعدالة والمساواة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني