fbpx

روسيا تطبق النموذج السوري في كازاخستان بسرعة مذهلة

0 177

موقع سوريا المستقبل 2022/1/7

يبدو أن موسكو أصبحت تمتلك خطة جاهزة للتدخل في أي بلد يهمها للحفاظ على النظام الشمولي متجاهلة طموحات الشعوب وحقوقها المشروعة في الحياة الكريمة. فالنظرية الروسية ترى أن أي حكم يقوم في أي بلد هو شرعي مادام ليس عدواً لها.

وتفتخر موسكو بالنموذج السوري وهو التدخل العسكري الواسع للحفاظ على سلطة الحاكم الموجود بغض النظر عن طبيعة هذا الحاكم حتى ولو كان يحكم البلاد منذ نصف قرن كما هو الحال في سوريا. ولذلك نرى أن الكريملين قام بسرعة غير مسبوقة بالتدخل في كازاخستان لقمع المحتجين بتهمة جاهزة في هذه الأوقات وهي الإرهاب، الذي يعتبر من جهة حجة مشروعة شكلياً، ومن جهة أخرى حق يراد به باطل، للتدخل الخارجي لقمع الحراك الشعبي باتهامه بالارهاب.

عن كازاخستان:

كازاخستان اليوم هي إحدى الدول النفطية الغنية في آسيا الوسطى، حيث تنتج يومياً حوالي 2 مليون برميل وعدد سكانها حوالي 18 مليون نسمة، منهم 4 مليون روسي يقطنون المناطق الشمالية المتاخمة لروسيا، وأكثر من 70% من السكان مسلمين، أما مساحتها فتصل إلى 2 مليون و700 ألف كيلوتر مربع. وحدودها المشتركة مع روسيا قرابة 7 آلاف كيلومتر.

وتفيد المصادر التاريخية بأن كازاخستان لم تتبلور كدولة إلا في عهد الاتحاد السوفييتي، حيث كانت في عهد الإمبراطورية الروسية تابعة لقيرغيزيا، وكان أغلب سكانها من الروس يحميهم الجيش القيصري الروسي. أما الشعب الكازاخي فأصله من القبائل التركية من البدو الرحل، وبقاياهم موجودة في كازاخستان حتى اليوم.

عهد الرئيس نور سلطان نزاربايف (1990-2019)

أصبح رئيساً لكازاخستان في عام 1990 أي قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، الذي أعلن عنه الرئيس الروسي بوريس يلتسين لاحقا مع نظيريه البيلاروسي والاوكراني في نهاية عام 1991، علماً أن يلتسين كان قد اعلن رئاسته لروسيا المستقلة في صيف 1990 وحينها انتقده الرئيس الكازخي نزاربايف بأنه – أي يلتسين – هو من بدأ عملية الانفصال للجمهوريات السوفييتية.

وقد بنى نزاربايف دولة شمولية مثل أغلب الجمهوريات السوفيتية التي ورثها حكام تربوا، هم أو آبائهم، في المدرسة الستالينية وأصبح نزاربايف ممسكاً بمرافق الدولة كافة من الأمن والجيش والاقتصاد. وعرف عنه كارزميته القوية وعلاقات الاحترام مع الرئيس بوتين.

وبعد حكم استمر حوالي الثلاثين عاماً قرر نزاربايف نقل السلطة السياسية بطريقة سلسة ومرنة دون عنف ودماء، وبالفعل كلف رئيس وزرائه والمقرب منه قاسم توكايف (سبق أن تقلد مناصب مهمة من وزير للخارجية ورئيس الحكومة إلى رئيس مجلس الشيوخ) كي يخلفه في الرئاسة، علماً أن ابنة نزاربايف الكبرى داريغا كانت مرشحة بقوة لهذا المنصب.

وجاءت استقالة نزاربايف مفاجئة لبعضهم ومتوقعة من قبل آخرين. ولكن هذه الطريقة في نقل السلطة لم تكن دارجة في منطقة تكثر فيها الأنظمة الشمولية. ولكن الرئيس نازابايف بقي يتمتع بصلاحيات قوية، وقد تكون أهم من منصب الرئيس، لأن نزاربايف حافظ على رئاسة مجلس الأمن القومي في كازاخستان ورئاسة حزب “نور وطن” الحاكم وعضوية المجلس الدستوري. والأهم من كل ذلك أنه يحمل لقب “رئيس الدولة الكازاخية مدى الحياة” وهذا تشريف لنزاربايف شخصياً. كما كفل دستور البلاد لـ “الرئيس الأول” الملقب بـ “زعيم الأمة” العديد من الصلاحيات حتى بعد استقالته، وينص على تنسيق المبادرات المتعلقة بأهم الاتجاهات للسياستين الداخلية والخارجية معه. أي أن نزاربايف تخلص من عبء الرئاسة ومشاكلها والانتقادات الموجهة بسبب طول جلوسه على كرسي الرئاسة، لكنه اعتقد أنه يضمن حصانته ودوره السياسي حتى مماته.

وهناك من يرى بأن هذه الطريقة جديدة إلى حد ما، علماً أن الرئيس الروسي بوريس يلتسين، عندما شعر أنه مريض ولا يستطيع قيادة البلاد أو انقاذها من الأزمات المالية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية العميقة، تنحى عن السلطة في 31 ديسمبر/كانون الأول عام 1999، وسلمها لشخص غير معروف آنذاك هو فلاديمير بوتين، الذي كان أول قرار له بعد استلامه الرئاسة هو منح الحصانة ليلتسين وعائلته، تجنباً لتعرضهم للمساءلة بسبب الفساد الذي مارسته ابنة يلتسين تاتيانا وزوجها وزير الداخلية آنذاك.

وأصبح أمراً معتاداً في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة، أن الرئيس يبقى حتى تأتيه المنية ويموت، أو يتم تنحيته بثورات شعبية كما حدث في بعض الجمهوريات في بداية الألفية الثانية (سميت الثورات الملونة).

وكان الرئيس نزاربايف على علاقة صداقة شخصية قوية مع الرئيس بوتين. وكان نزاربايف أول من طرح فكرة الاتحاد الجمركي الذي تحول إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (بين روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان وأرمينيا وقيرغيزستان) الذي يضاهي الاتحاد الأوروبي في كثير من الميزات. والملاحظ أن المسؤولين الروس حينذاك تفاجؤوا باستقالة نزاربايف. واعتبر بعض الخبراء الروس بأن ما حدث في كازاخستان عام 2019 يمكن اعتباره بروفة للرئيس الروسي بوتين بعد عام 2024، حيث يمكنه أن يستقيل ويعيّن من يشاء في الرئاسة ويبقى يحتفظ بصلاحيات أساسية في تحديد السياسة الداخلية والخارجية الروسية من خلال مجلس الدولة الروسي.

ويجب التذكير بأن ثورات الربيع العربي أثارت موجة من الاحتجاجات في الجمهوريات السوفييتية السابقة والمد الإسلامي في دول آسيا الوسطى الإسلامية لدرجة أن كل الأنظمة الشمولية فيها عانت من قلق شديد يهدد حكامهم بالسقوط وبالفعل حدثت تغيرات في بعض الدول وما زالت تتعثر ولم تصل الى مرحلة الديمقراطية ودولة القانون. وفي كازاخستان جرت احتجاجات عمالية عام 2011، أسفرت عن إطلاق السلطات للنار على العشرات من المتظاهرين السلميين ولا يزال ذلك الحدث جرحًا مؤلمًا للكازاخ. و لكن أحداث كازاخستان في يناير/كانون الثاني من هذا العام 2022 كشفت عن مفاجئات أخرى.

حول الاحتجاجات الشعبية في كازاخستان يناير/ كانون الثاني 2022

بدأت الاحتجاجات في غرب وجنوب كازاخستان وفي العاصمة القديمة ألما آتا في بداية شهر يناير/كانون الثاني ضد رفع اسعار الغاز المسال الى اكثر من الضعف، علما أن كازاخستان غنية بالنفط والغاز واستطاع المتظاهرون بسرعة فائقة السيطرة على مقر عمدة المدينة وحرق مقر الرئاسة الذي كان يقيم فيه نزاربايف سابقا، وكذلك تم الاستيلاء على مطار المدينة دون ادنى مقاومة ويقول شهود عيان انه لم يكن في المطار اي حماية امنية وهذه نقطة تثير التساؤلات. وقد تحدث عنها الرئيس توكايف قائلا: السلطة كانت في غفلة من الوضع الامني ولم ترصد تحركات الخلايا الارهابية النائمة. وهو يلمح الى انتقاد الرئيس السابق الذي كان يسيطر فعلياً على الامن والجيش في البلاد. ويبدو أن الأزمة الاقتصادية التي عانى منها الكازاخيون لمدة عامين بسبب كورونا، حيث باتوا غير قادرين على دفع المزيد مقابل الغاز ولهذا نزلوا إلى الشوراع بأعداد كبيرة لأن السلطات لم تسمعهم.

وعن مصير الرئيس السابق نزاربايف فمن المتوقع أنه غادر البلاد مع عائلته وبعض المقربين منه إلى روسيا، حيث شاهد الناس اقلاع عشرات الطائرات الخاصة من كازاخستان الى خارج البلاد ويقال أنه لم يسمح لها بدخول قيرغيزيا.

دور الرئيس الحالي قاسم توكايف:

لطالما اُعتبر توكايف من المقربين للرئيس نزاربايف وهو شخصية سياسية مدنية ودبلوماسي معروف تخرج من الجامعات الروسية وزوجته روسية.

يبدو أن توكايف تعب من هيمنة نزاربايف الفعلية على مقاليد الحكم والاقتصاد وتعب الكازاخيون ايضا من الفساد والمحسوبية والنهب لثروات البلاد الغنية. لذلك لم نستغرب أن الرئيس توكايف تحرر من هيمنة نزاربايف واعلن نفسه رئيسا لمجلس الأمن القومي في كازاخستان واستلم مقاليد السلطة واقال الحكومة ورئيس لجنة أمن الدولة التابعين لنزاربايف. كما اعلن حالة الطوارئ في كافة انحاء البلاد. وتوجه للمحتجين بأنه يدعو للحوار والغى رفع اسعار الغاز لكن الاحتجاجات استمرت وتصاعدت ورُفعت شعارات سياسية طالبت برحيل الرئيس السابق وقاموا باسقطاط تمثاله.

كما سيطر المحتجون بالتدريج على مراكز الامن والشرطة ويبدو انهم لم يلقوا مقاومة كبيرة، حيث وردت انباء مؤكدة عن تعاطف بعض قوات الامن والشرطة مع المحتجين. ويستغرب المراقبون اقدام الرئيس توكايف باصدار اوامر خطيرة جداً لقوى الامن والشرطة باطلاق النار على المحتجين دون سابق انذار.

ويرى رئيس مؤسسة ” ليبرتي” غالي أجيليولوف أن مصالح النخب الحاكمة في كازاخستان، وخاصة عائلة الرئيس السابق نازارباييف، هي السبب في الارتفاع الحاد في أسعار الغاز. ونفى الخبير السياسي وجود اي قوى خارجية وراء الاحتجاجات، كما تحاول السلطات تأكيد الدعم الخارجي لها. ويؤكد أجيليولوف إلى أن “الناس في كازاخستان سئموا من الحكم الاستبدادي، الذي لا يأخذ في الحسبان المجتمع المدني، ولا يسمح لمواطني الدولة بممارسة حقهم في حكم البلاد. إن النظام ببساطة يقمع المبادرات المدنية، واتهم الخبير السلطات بأنها “لا تحتاج إلى مجتمع مدني، بل إلى رعايا تابعين يعملون ببساطة في شركاتهم النفطية ويخدمون النخبة “.

حول التطورات في كازاخستان:

الرئيس السابق نزاربايف كان صديقا للرئيس بوتين وهو ديكتاتور مثل كل حكام الانظمة الشمولية، وبعد ان حكم كازاخستان 29 سنة، قرر عام 2019 نقل السلطة بشكل سلمي الى رئيس اخر هو توكايف ولكن نزاربايف حافظ على رئاسة مجلس الامن القومي ورئاسة الحزب الحاكم وعضوية المجلس الدستوري، وكل ذلك من المفروض أن يكون الى الابد، وبالفعل نصب نزاربايف نفسه “قائدا للامة الى الابد” على طريقة المقبور حافظ الاسد. أما الرئيس الجديد توكايف فدوره محدود ومقيد لان نزاربايف مسيطر هو وعائلته وحاشيته على مرافق الاقتصاد والحكم والامن وغيرها ولذلك ضاق الرئيس الجديد ذرعاً من هيمنة وتحكم نزاربايف من وراء الستار، من هنا فالاحتجاجات الاخيرة جاءت لمصلحة الرئيس توكايف حيث غادر نزاربايف وعائلته بالكامل اراضي كازاخستان وتحرر توكايف منه ومن عائلته. ويمكن التأكيد على النقاط التالية:

–      ما يجري في كازاخستان هو ثورة شعبية عفوية ضد الفساد ومن اجل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وهي تشبه تماما ثورات الربيع العربي

–      ما جرى في كازاخستان من فشل تجربة نقل السلطة من نزاربايف الى توكايف عام 2019 سيدفع الرئيس بوتين الى عدم تنازله عن السلطة عام 2024 خوفا من نتائجها السلبية عليه وعلى المجموعة المحيطة به.

–      هناك ظاهرة لافتة في كازاخستان وهي ان المحتجين لم يطلقوا شعارا واحدا اسلاميا او قوميا وهذا يدحض النظرية الروسية عن خطر الارهاب ويدحض اقوال الرئيس الكازاخي توكايف بأن الارهاب يهدد كازاخستان. ولكن اخترعوا مقولة الارهاب لكي يبرروا التدخل العسكري الروسي من خلال منظمة معاهدة الامن الجماعي لأن هذه المعاهدة تسمح بالتدخل اذا كان هناك خطر خارجي. علماً أن ارمينيا وقيرغيزيا سابقا طلبتا تدخل منظمة معاهدة الامن الجماعي لقمع الاحتجاجات في بلدانهم ولكن المنظمة حينها لم تتدخل.

–      هناك من يرى انه لو نجحت الثورة في كازاخستان فإن العداء للروس المقيمين في كازاخستان وعددهم 4 مليون من اصل 18 مليون سيزداد وقد يتسبب برحيل الكثير منهم الى روسيا كما في الدول الاخرى التي تحررت من الهيمنة الروسية.

–      يقول الصحفيون الكازاخيون بأن اغلب المحتجين شباب سلميين، ولكن هناك عناصر قامت بالتخريب والتدمير بهدف الكسب المادي او النقمة على النظام السياسي

–      السلطة التي كان يديرها نزاربايف ظهرت على أنها ضعيفة جدا لدرجة انها لم تتمكن من حماية المطار الرئيسي من محتجين، فهل هذا صدفة؟

وبعد أن تخلص الرئيس توكايف من الديكتاتور نزاربايف فإنه مضطر للتخلص من المحتجين الذين اتهمهم بانهم ارهابيين وقال أن عددهم فقط في ألما آتا حوالي 20 ألف ارهابي مسلح، وأنهم حسب قوله يتبعون لجهات اجنبية تلقوا فيها تدريبا عسكرياً (صرح برلماني روسي في 7 يناير ان المسلحين في كازاخستان تلقوا تدريبا في سوريا)، ولهذا السبب الذي طرحه الرئيس توكايف وهو خطر الارهاب، قام بطلب تدخل خارجي من دول منظمة معاهدة الامن الجماعي، التي تضم روسيا وبيلاروسيا وقيرغيزيا وطاجكستان. وهذا التدخل يكتسب صفة شرعية وفق ميثاق المنظمة، وبالنتيجة فقد اعطى توكايف ضوءا اخضر لروسيا لكي تتدخل عسكرياً لحمايته وحماية نظامه الضعيف.

لكن الحقيقة أن هذه الاحتجاجات حدثت ومازالت مستمرة نتيجة اسباب اقتصادية وسياسية واجتماعية، ولكن السلطات اختارت تصنيفها كأعمال ارهابية لكي تبرر قمعها بدعم خارجي وبهذا سيضرب الرئيس توكايف عصفورين بحجر واحد اي تخلص من غريمه نزاربايف، ومن المحتجين وبقي في الحكم بحماية روسية.

ظاهرة المسلحين:

هناك ظاهرة غريبة في كازاخستان ههذ الأيام تحتاج لدراسة ومعلومات وتفسير. وهي من اين ظهر المسلحون فجأة ضمن صفوف المحتجين حيث قاموا بالاستيلاء على مخازن للاسلحة واستخدموها وذهب ضحية الاشتباكات المسلحة مع قوى الامن والشرطة العشرات والجرحى بالمئات.

من جهة اخرى لا ننسى وجود تيارات اسلامية راديكالية قوية في كازاخستان وكل جمهوريات اسيا الوسطى وقد ارتفعت معنوياتها بعد وصول حركة طالبان الى السلطة في كابول. ولكن ان يكونوا مسلحين ومدربين فهذا أمر يدعو للغرابة.

ويرى بعض الخبراء أنه بالفعل يوجد تدخل خارجي لدعم المسلحين للاطاحة بالنظام في كازاخستان وهذا الرأي يحتاج لتأكيد. أما القيادة الكازاخية، فتصرفت على طريقة بشار الاسد، واطلقت سراح آلاف المسجونين من متطرفين ومجرمين (تسرب مقطع فيديو من مدون روسي صاحب موقع معروف اسمه “GULAGU-NET” تضمن رسالة مسربة من ضابط امن كازاخي يفضح فيه الخطة المدبرة في كازاخستان لاستخدام المجرمين المسجونين لتنفيذ مخطط اجرامي في الاعتداء على قوى الامن والشرطة وبالتالي تبرير القمع واستخدام القوة ضد المحتجين السلميين) واعطوهم السلاح وكلفوهم بمهمة التخريب والتدمير والاستيلاء لبعض الوقت على مواقع حكومية وحرق بعض المباني والدليل هو غياب الحماية الامنية للمطار، وبعد ان نفذت هذه العناصر الارهابية مهمتها حان وقت التخلص منها بواسطة قوات من منظمة معاهدة الامن الجماعي بقيادة روسية.

ما يجري في كازاخستان هو تدخل عسكري روسي تحت مظلة منظمة معاهدة الامن الجماعي. وتفيد معلومات من داخل كازاخستان بان قوات الامن والشرطة المحلية قامت بحماية المؤسسات الحكومية وقسم منها تعاطف مع المحتجين، لكن ما نراه في وسائل الاعلام والتصريحات الرسمية في روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان هو تسليط الضوء فقط على من يحمل السلاح وتصوير الوضع بأن هناك هجوم ارهابي خارجي على الدولة، لتبرير التدخل العسكري الخارجي.

المواقف الدولية:

رئيس جمهورية قيرغيزيا قرر إرسال 150 جنديا و19 قطعة من المعدات إلى كازاخستان بعد موافقة البرلمان على ذلك. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، في وقت سابق يوم 7يناير/كانون الثاني، عن هبوط تسع طائرات روسية من طراز “إيل-76” محملة بجنود ومعدات تابعة للقوات المحمولة جواً لقوات حفظ السلام لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي في مطار ألما آتا في كازاخستان. وفي وقت سابق قامت مجموعة من أكثر من 70 طائرة من طراز “إيل-76” و5 طائرات من طراز “أنتونوف أن-124” على مدار الساعة بنقل وحدات من الوحدة الروسية التابعة لقوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي إلى كازاخستان. وهناك تسريبات من مصادر روسية في الانترنت تفيد بان روسيا ارسلت اكثر من 5 آلاف عسكري من القوات الخاصة الى كازاخستان.

أما الموقف الأمريكي والغربي عموما فهو ضبابي ولا يفهم منه سياسة واضحة ويدعون الى الحوار وعدم التعرض للمحتجين وأنهم سيدققون بالاجراءات التي قامت بها منظمة الامن الجماعي. ولكن الرئيس الروسي يفعل ما خطط له بسرعة فائقة، شكره عليها الرئيس توكايف.

أما الصين وهي الدولة الجارة لكازاخستان والتي تربطهما علاقات اقتصادية واسعة فإن رئيسها شي جين بينغ، أعلن يوم 7 يناير في رسالة إلى رئيس كازاخستان قاسم توكاييف، أن الصين تعارض بحزم القوى الخارجية التي تتعمد إثارة الاضطرابات و”الثورة ملونة” في كازاخستان.

أما الموقف الامريكي فجاء على لسان المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، التي قالت إن هناك بعض المزاعم الروسية المجنونة حول وقوف الولايات المتحدة وراء المظاهرات. ودعوني استغل الفرصة وأقول إن تلك الادعاءات مزيفة وجزء من دليل الأخبار المزيفة التي تستخدمها روسيا.

أما تركيا فتربطها علاقات قوية مع حكومات دول آسيا الوسطى لكون شعوبها ذات اصول تركية (هناك منظمة للدول الناطقة بالتركية ومنها كازاخستان)، عدا طاجكستان ذات الاصول الفارسية. فقد اعلنت عن دعمها للرئيس الكازاخي ودعت الى الحوار وتشكيل حكومة باسرع ما يمكن وانهاء التوتر، كما دعت الخارجية التركية لعقد اجتماع لوزراء خارجية الدول الناطقة بالتركية يوم 11 يناير القادم.

والسؤال كيف ستتصرف تركيا وتثبت حضورها في كازاخستان بوجود قوات روسية علما أن البلدين تربطهما علاقات تعاون استراتيجية تشمل كافة القطاعات. وفي كل الاحوال اتوقع ان تكون كازاخستان ساحة تنافس وصراع جديدة بين روسيا وتركيا، كما هو الحال في ليبيا واوكرانيا وسوريا واقليم كاراباخ.

الموقف الروسي:

–      تربط روسيا وكازاخستان علاقات تعاون ودية والمصالح الروسية في كازاخستان أهمها في مجال الفضاء والنفط واليورانيوم ويعتبر مطار بايكانور المركز الرئيس لاطلاق الصواريخ الروسية إلى الفضاء وهي تستأجره حتى 2050.

–      إن روسيا تخشى من “الثورات الملونة” وهي ترى في اي حراك شعبي في دول الجوار ومنها كازاخستان “تهديدًا خطيرًا” لروسيا نفسها، لأن الحدود الروسية الكازاخية، والتي طولها حوالي 7 الاف كيلومتر، ليست محمية بشكل جيد.

–      انتقدت روسيا قرار تغيير الأبجدية الكازاخستانية من السيريلية إلى الحروف اللاتينية. وفي نهاية عام 2020 وصف عضو البرلمان الروسي فياتشيسلاف نيكونوف أراضي كازاخستان بأنها “هدية عظيمة من روسيا”. واحتجت وزارة الخارجية الكازاخستانية بشدة، وتراجع نيكونوف، وكتب توكاييف مقالًا دافع فيه عن استقلال كازاخستان

–      ومع بدء الأحداث اعلن الكريملين والخارجية الروسية والمجلس الفيدرالي بأنهم لا يتدخلون في الأحداث إلا اذا طلبت رسميا ذلك القيادة الكازاخية، وان ما يجري في كازاخستان هو شأن داخلي بحت. ويتمنون لكازاخستان الشقيقة الاستقرار ويدعون الى حل المشاكل بالحوار بدلا من اعمال الشغب. وقد اقلعت مباشرة طائرة حكومية روسية الى ألما آتا في كازاخستان. ويقال أن روسيا طلبت من الرئيس توكايف عدم المساس بالرئيس السابق نزاربايف وعائلته واهم المقربين منه، وبالفعل لم نسمع عن اعتقال أي مسؤول، علما ان الرئيس توكايف عزل الرئيس السابق عن منصبه كرئيس مجلس الأمن القومي وأقال الحكومة ورئيسها وكذلك اقال رئيس لجنة أمن الدولة.

–      قام المتظاهرون باحتجاز مراسل سبوتينك الروسية لاكثر من ساعة، واغلقوا قناة “مير” التابعة لرابطة الدول المستقلة وأهمها روسيا.

والخلاصة:

–      إن المشهد السياسي في كازاخستان لم تتضح ابعاده وحيثياته وخلفياته بعد. ولا توجد قيادات معروفة يمكن أن تقود الحراك في الشارع بعد سنوات من قمع المعارضة السياسية في البلاد، ما أدى إلى اعتقال المعارضين البارزين أو اجبارهم على مغادرة البلاد.

–      من المؤكد أنه حراك شعبي سلمي واسع يقوده الشباب مطالبين بشعارات اقتصادية وسياسية، ليست دينية ولا قومية.

–      ولكن توجد بين المحتجين عناصر ارهابية مسلحة وخطيرة لم يعرف منشؤها ومن يقف وراءها، لكن النتيجة هي أنها أعطت مبرراً للتدخل الخارجي وقمع الاحتجاجات الشعبية المشروعة. وهذا يذكرنا بداعش الارهابية التي جاءت تحت شعارات اسلامية طنانة بحجة اقامة الخلافة الاسلامية ودعم ثورة الشعب السوري، لكنها عمليا خدمت النظام الاسدي وقمعت الشعب والمعارضة الوطنية واعطت كافة المبررا ت للتدخل العسكري الخارجي من التحالف الغربي وروسيا بالاضافة الى تزايد الدور والتدخل الايراني والميليشيات الطائفية الارهابية والانفصالية.

–      قدمت الاحداث الاخيرة في كازاخستان حجة دامغة لروسيا حول فشل عملية نقل السلطة السياسية عام 2019 في كازاخستان من زعيم الأمة نزاربايف الى سلفه المقريب منه توكايف. فهذه الازدواجية او الثنائية لم تستمر سوى عامين ثم فشلت.

–      اذا ما انطلقنا من تصريحات الرئيس الروسي بأن تفكك الاتحاد السوفياتي هو اكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين، وزيادة روسيا قوتها العسكرية ومنافسة الغرب على التوسع ومطالبتها مؤخرا للولايات المتحدة والناتو بضمانات أمنية بعدم التوسع العسكري وبناء قواعد ونشر اسلحة استراتيجية في الجمهوريات السوفياتية السابقة، فلا نستغرب حرص موسكو على بقاء كازاخستان وغيرها في فضاء النفوذ الروسي.

–      استعجال موسكو بارسال قوات خاصة مدربة أعلى تدريب للتدخل في كازاخستان يعود إلى أن موسكو تخشى من تكرار تجربة خسارة اوكرانيا لصالح الغرب، حيث اصبحت شوكة في حلق روسيا منذ 2014، وهذا يفسر تدارك موسكو لعدم انهيار النظام في بيلاروسيا، فدعمت الديكتاتور لوكاشينكو واصبح يدور في فلكها وقد تنضم بيلاروسيا نهائيا الى روسيا بعد سنتين أو اقل.

–      كازاخستان تختلف عن بيلاروسيا فهناك شعب مختلف عن الروس قوميا ودينيا وتاريخيا، ولذلك من الصعب تصور تبعية النظام السياسي في كازاخستان لروسيا. بل الارجح ان تكون هناك علاقات جيدة حتى يستقر وضع الرئيس الجديد وقد ينقلب لاحقا على روسيا.

–      وحسب تحليل عضو في المجلس الروسي للشؤون الدولية فإن روسيا ليست “نموذجًا جذابًا” للتنمية الاجتماعية والاقتصادية لكازاخستان. فلدى القادة السياسيين والمجتمع الكازاخي “نماذج مختلفة”، من أوروبا إلى تركيا إلى سنغافورة.

–      وعلى العكس من بيلاروسيا، لا تعتمد كازاخستان الغنية على القروض الروسية، وبالرغم من علاقاتها الوثيقة، فقد حاولت الابتعاد عن موسكو في خياراتها السياسية.

–      اعتقد بأن أحداث كازاخستان أعطت مبررا قويا لروسيا لنشر نموذجها السوري، في التدخل العسكري لحماية النظام في كازاخستان بحجة دعم الشرعية كما فعلت في سوريا.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني