fbpx

رسائل روسية قذرة، مدادها دم سوري طاهر

0 338

لم ولن يلتزم الروس بأية خطوط حمراء أو خفض تصعيد كما تم اختراع هذا المصطلح في العدوان الروسي المستمر على الثورة السورية (مدنيين وعسكريين) حيث لا يوجد مقياس أو معيار لقياس شدة التصعيد، أو مدى خفضه.

ما خبره الشعب السوري على مدى الأعوام السبعة الماضية من عمر الحرب الروسية على الشعب السوري أن هناك تصعيد دائم.

عند ازدياد معدل الغارات أصبح يسألنا المواطن البسيط أين يوجد خلاف تركي – روسي على سطح الكوكب حتى يرسل الروس رسائلهم في ادلب؟. إذ إنه عند أي تقارب أمريكي – تركي تنهال الصواربخ على الأراضي المحررة، وقبل وأثناء جولات أستانة أو اللجنة الدستورية أو مفاوضات جنيف، يزداد معدل الغارات الروسية. وإذا صرح الرئيس التركي في الأمم المتحدة أن تركيا لا تعترف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم تنهال الصواريخ الروسية على إدلب، عند بيع تركيا لأوكرانيا أو أذربيجان مسيرات تركية تنهال الصواريخ على إدلب.

يبدو أن عقم السياسة الروسية وإخفاقاتها المستمرة وعجزها الدبلوماسي، وبسبب أن روسيا قوة عظمى سياسياً وعسكرياً باقتصاد دولة نامية وحكم توليتاري فردي مافياوي فإنها تستعمل عضلاتها وليس عقلها.

ومن المعروف أن السياسة الروسية الخارجية لا تنطلق من مصالح الدولة الكبرى إنما من مصالح المافيا الحاكمة ودبها الأكبر، لذلك غالباً ما تتحكم بها شخصية ومزاج الرئيس أو دسائس طباخي الرئيس، حيث لا صحافة ولا رأي عام ولا برلمان ولا معارضة ستسأله ماذا فعلت وتحاسبه على أخطائه، أو قد تجير ذلك لعدم انتخابه أو فوز حزبه بالانتخابات القادمة.

كان متوقعاً تصعيد عسكري روسي بعد التصعيد السياسي الذي قام به المبعوث الشخصي للرئيس الروسي لافرنتيف بعد نهاية جولة أستانة الأخيرة، حيث أطلق النار على العملية السياسية الأممية بخصوص الملف السوري، وأماط اللثام عن وجه موسكو الحقيقي الذي يعرفه الجميع لكن كان ينقص تأكيده كلام رسمي من المفوض الروسي الأول بالقضية السورية، حيث من المعلوم للجميع أيضاً أن الملف السوري تم سحبه من وزارتي الدفاع والخارجية الروسيتين وأضحى حكراً بالكرملين وبالتالي يمكن لنا اعتبار أن الموقف الأخير للافرنتيف هو موقف الكرملين وهو النهائي بذلك.

الأسباب المباشرة للتصعيد الأخير

يمكن لنا ما أمكن حصر ثلاثة ـسباب رئيسية لذلك:

1- من المعروف أن اتفاق الرئيس بايدن مع بوتين بقمة الصيف الماضي قد نتج عنها الاتفاق على استمرار الاتصالات بالشأن السوري وفق سياسة عرفت بسياسة الخطوة خطوة والتي التقطها المبعوث الأممي بيدرسون وبات يسوق لها، بمعنى خطوة من أصدقاء المعارضة يقابلها خطوة من حلفاء النظام ويتم البناء على تراكم الخطوات دون معرفة أين ستؤدي بالنهاية لكنها حتماً ستكون إيجابية بشأن تبريد أو حلحلة الملفات المعقدة رويداً رويداً، وتم بعد لقاء القمة ذلك تمرير الروس للقرار2585 الذي يتيح دخول المساعدات الأممية عبر معبر باب الهوى، مقابل تنازل أمريكي بإعفاء بعض الأنشطة التي تهدف لترميم البنية التحتية من عقوبات قانون قيصر على الأفراد والمؤسسات المشاركين بها بما عرف بالتعافي أو الإنعاش المبكر، وكان المؤمل بالخطوة التالية هي وقف إطلاق نار شامل تعمل روسيا على إلزام نفسها وميليشيات النظام وإيران به مقابل حزمة مهمة من تخفيض للعقوبات تتيح للنظام السوري التغلب على مشاكل معيشية واقتصادية تهدد بانفجار شعبي متوقع مع استمرار المعاناة الاقتصادية في مناطق سيطرة النظام، وكان الروس يأملون بتمييع عقوبات قيصر واخترافها سياسياً واقتصادياً عبر غض طرف أمريكي أو طلب مباشر من الحلفاء العرب ضخ بعض الأموال تحت مسميات متعددة بشرايين اقتصاد النظام اليابسة.

لم يحصل ذلك ورفض الأمريكان إدراج الطلب على جدول أعمال جولة الحوار الاستراتيجي المزمع عقدها في كانون الثاني الحالي بين لافرنتيف وماكفورك (المسؤول عن الملف السوري في مكتب الأمن القومي الأمريكي)، والرغبة الأمريكية كانت فقط بضرورة التجديد النصفي لاستمرار دخول المساعدات الأممية الذي سيجري قريباً في مجلس الأمن.

2- الحنق الروسي من تقارب تركي – أمريكي في الملف السوري قريب جداً، حيث تناول الرئيسان الأمريكي والتركي ذلك بقمتهما الأخيرة حيث تناولا موضوع التقارب بين ما يسمى قوات سورية الديمقراطية والمعارضة الرسمية السورية المدعومة من أنقرة بعد بحث شروط التقارب وتلبية المطالب التركية المعروفة وأهمها فك ارتباط قسد مع حزب العمال الكردي التركي وطرد قيادات قنديل من الأراضي السورية وشروط أخرى لا مجال لتعدادها كلها، وجرت اتصالات بهذا الشأن بين إبراهيم قالن (الناطق الرئاسي التركي) وماكفورك، وهذا ما عبر عنه مؤخراً الشيخ رياض درار (الرئيس المشترك لما يسمى بقوات سورية الديمقراطية) أن جهود التقارب وتوحيد المواقف ووجهات النظر بين قسد والمعارضة السورية (برعاية أمريكية – تركية) قد قطعت أشواطاً مهمة.

إن تشكيل جبهة أو أي نوع من أنواع التعاون في الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام، سيضعف موقف الروس والنظام على الارض أولاً، وسياسياً في أي جولة مفاوضات قادمة ستتم مستقبلاً.

يرى بعضهم أن الضغط العسكري الروسي في إدلب غايته ثني أنقرة عن المضي بهذا المشروع.

3- لا يمكن إغفال موقف السفير السعودي الأخير في الأمم المتحدة، حيث أطلق رصاصة الرحمة على المساعي الروسية لتعويم النظام عربياً أولاً ثم دولياً، فوصف النظام السوري الذي ترعاه وتسوق له موسكو، بنظام إبادة بشرية ولا يمكن فتح أي نوع من أنواع التعاون مع تلك الأنظمة وأنه يجب استئصالها عاجلاً أم آجلاً، الموقف الذي عبر عنه المعلمي أراه يلخص الموقف العربي والأوربي والأمريكي، وبالتالي فشل الروس من تحويل تقدمهم العسكري إلى إنجاز سياسي يمكن تسويقه والبناء عليه بإعادة الإعمار التي طالما انتظرها الروس.

التصعيد السياسي والعسكري الروسي الأخير، أراه يصب في خانة الإحباط والعجز الروسي عن تسويق أو إعادة إنتاج النظام، وإخذ الأمور إلى حافية الهاوية بفتح ملف تهجير ومعاناة إنسانية يخشاها المجتمع الدولي لملايين السوريين في مناطق سيطرة المعارضة السورية.

الأسباب غير المباشرة للتصعيد الأخير

1- لا شك أن الموقف الروسي محرج جداً أمام شركائه الإيرانيين والنظام السوري والحواضن الشعبية، إزاء التناغم الروسي – الإسرائيلي الواضح والجلي للعيان، باستهداف شبه يومي لمواقع وتحشدات ونقاط عسكرية تخص الميليشيات الإيرانية في سورية وأيضاً لتوابعها من القوات المحسوبة على النظام السوري كالفرقة الرابعة وغيرها، لكن القصف الإسرائيلي الأخير لمرتين متتاليتين خلال أسبوعين (وهو سابقة حيث لم يستهدف ميناء اللاذقية سابقاً) أخرج الانتقادات تلك للعلن وضجت وسائل التواصل الاجتماعي بتخاذل الحليف الروسي عن حماية مدينة توجد أنظمة دفاعه الجوي على بعد كيلومترات قليلة منها وبدا التندر بتغيير اسم الرئيس بوتين من أبو علي بوتين إلى أبو لهب بوتين، وكان مزعجاً للروس ضعف ثقة الحاضنة الساحلية بهم. وبالتالي لابد من استعراض القوة العسكرية في إدلب.

2- إن إشارة صحيفة الوطن المقربة من النظام السوري إلى أن حملة القصف الأخيرة قد تستمر أشهراً عدة، في إشارة ضمنية لها إلى المواطنين السوريين القابعين في مناطق سيطرة النظام أن المعركة مستمرة ولم يتم حسمها بعد وأن لا صوت يجب أن يعلو فوق صوت المعركة وبالتالي من المبكر الآن التحدث عن طوابير الخبز وأزمات المحروقات والكهرباء والغلاء.

3- يرى بعضهم أن تعبير القيصر نفسه ووزير خارجيته وغيرهم عن امتعاضهم بل عتبهم على تركيا بسبب مواقفها الأخيرة من قضية الأزمة الدولية في أوكرانيا وتزويد تركيا لأوكرانيا بصفقة طائرات مسبرة تركية واستعمال الجيش الأوكراني لها في المعارك مع المتمردين، واحتمال تزويد أنقرة لكييف بصفقة أخرى قد تكون رسالة روسية لتركيا بعدم الإقدام على ذلك.

ما يسعني قوله في النهاية، إن الثابت الرئيسي للسياسة الروسية في سورية أن زمن المعارك الكبرى قد ولى، ولا تغيير سيحدث بالخطوط الحالية لوقف القتال، وبالتالي لا خوف من اجتياح روسي لمتر مربع واحد على الأرض.

ولا شك أن الروس يدركون أن الموقف التركي ثابت وحازم وصلب ومستعد للمواجهة ولن يتم التفريط بمتر واحد من الأرض إرضاءً للعربدة الروسية.

ومن الثابت أيضاً أن القرار الدولي لن يسمح للروس بمعاناة إنسانية وافتعال أزمة لاجئين أخرى ومحاولة مقايضة ذلك في أماكن أخرى.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني