fbpx

دور النساء في بناء سوريا.. فرص التمكين ومواجهة التحديات

0 29

بعد سقوط النظام الاستبدادي في سوريا، الذي دام لعقود طويلة وأثر بشكل سلبي على كل جوانب الحياة السياسية والاجتماعية، يبرز سؤال جوهري: ما هو دور النساء في مرحلة ما بعد النظام؟ كيف يمكن للنساء أن يتحملن مسؤولية بناء سوريا جديدة، تحترم حقوقهن، وتوفر لهن الفرص للمشاركة الفاعلة في كافة ميادين الحياة؟

التحديات الموروثة: من القمع إلى التحرر

عاشت النساء في سوريا لعقود تحت حكم نظام استبدادي يعزز القوانين التمييزية التي كرست مكانتهن الهامشية في المجتمع، محارباً كل محاولاتهن للتمتع بحقوقهن الأساسية والمشاركة الفاعلة في الشأن العام. حتى في ظل الثورة، رغم وجودهن الفاعل في الاحتجاجات والمظاهرات، ظل دورهن مغيباً في صراع القوى السياسية، ما عكس استمرار التهميش على الرغم من التغيير الظاهر. هذه المعاناة المديدة خلفت آثاراً عميقة على مكانة المرأة، وهو ما يجعل من الصعب تجاوز تلك التحديات الثقافية والاجتماعية بسهولة بعد سقوط النظام.

إلا أنه ومع انقضاء مرحلة القمع، تفتح أمام النساء فرصة جديدة لإعادة تشكيل دورهن في المجتمع. ورغم أنهن يواجهن تحديات جديدة، تتراوح بين نظرة المجتمع التقليدية التي تحد من قدراتهن القيادية، والتجاذبات السياسية التي قد تعرقل مشاركتهن الفاعلة، فإن الواقع الجديد بعد سقوط النظام يتيح لهن إمكانية استعادة حقوقهن والمساهمة الفعالة في عملية بناء سوريا الحديثة. وبالتالي، فإن المرحلة الحالية هي لحظة حاسمة لإطلاق طاقات النساء في إعادة بناء الوطن، وتحقيق دورهن الريادي الذي طالما تم تجاهله في العهود الماضية.

تمكين النساء: الفرص التي تنتظرهن

من خلال تمكين النساء، يمكن بناء قاعدة قوية لنهضة سوريا الجديدة. فهذا لا يقتصر فقط على ضمان حقوقهن الأساسية في العمل والتعليم، بل يمتد ليشمل إشراكهن بشكل فعّال في عملية اتخاذ القرار، سواء في المستوى المحلي أو الوطني. والنساء السوريات هن جزء من النسيج الاجتماعي والسياسي الذي يجب أن يُعتمد عليه في المرحلة المقبلة.

ففي مرحلة ما بعد النظام، يجب أن تكون هناك فرص لتعليم النساء المهارات القيادية، وتوفير منصات تسمح لهن بالتعبير عن آرائهن في القضايا السياسية والاجتماعية. كما أن تفعيل دور النساء في إعادة بناء الاقتصاد السوري سيكون أمراً بالغ الأهمية. بعد سنوات من الحرب والدمار، تحتاج سوريا إلى اقتصاد مستدام، والنساء، من خلال مشاريعهن الصغيرة أو دورهن في قطاعات أخرى، يمكنهن أن يسهمن في تعزيز هذا الاقتصاد.

التغلب على التحديات الاجتماعية والثقافية

من أكبر التحديات التي تواجه النساء السوريات في مرحلة ما بعد النظام هو التغيير الجذري في الثقافة السائدة، والتي قد تظل تتعامل مع النساء في إطار تقليدي ومحدود. رغم أن المرأة السورية قد أثبتت قوتها وصمودها في الأوقات الصعبة، إلا أن المجتمع لا يزال يحتاج إلى فترات طويلة لتغيير المواقف الاجتماعية التي تمنع النساء من الوصول إلى مواقع القيادة.

ومن هنا، يجب على المجموعات المدنية ومنظمات المجتمع المدني أن تأخذ دوراً رئيسياً في التوعية بأهمية تمكين النساء، وتغيير المفاهيم السائدة عن دورهن في المجتمع. كما أن من الضروري إنشاء برامج تعليمية تستهدف النساء من مختلف الأعمار، من أجل تزويدهن بالمعرفة والمهارات اللازمة للمشاركة الفاعلة في بناء سوريا الجديدة.

هل نحن مستعدون لتمكين النساء؟

على الرغم من أن التحديات كبيرة، إلا أن هناك ضرورة استراتيجية لتمكين النساء في بناء سوريا ما بعد النظام. فهن اللواتي عايشن الحروب والنزاعات، وكن جزءاً من المقاومة ضد القمع، يمتلكن القدرة على المساهمة في صياغة مستقبل البلاد. كما أن النساء السوريات يمتلكن تجارب حياتية فريدة، سواء في الميدان الثوري أو في المجتمعات المهجرة، هذه التجارب يمكن أن تشكل أساساً لبناء مجتمع جديد ومتنوع.

إلا أن ذلك يتطلب مزيداً من الجهد في تحطيم الحواجز التي تعترض طريقهن. من خلال التعاون بين النساء والرجال في هذا المسار، يمكن تحقيق توازن يضمن العدالة والمساواة في بناء الدولة والمجتمع. السؤال يبقى: هل يمكن للمجتمع السوري، الذي شهد سنوات من القمع والاستبداد، أن يتبنى هذه التغييرات اللازمة؟ وهل يمكن للنساء أن يحصلن على الفرصة التي يستحققنها للمشاركة في بناء مستقبل سوريا الجديد؟

 سوريا الجديدة للجميع

إن تمكين النساء في سوريا بعد سقوط النظام ليس مجرد مطلب اجتماعي، بل هو ضرورة لبناء سوريا جديدة تحترم جميع مواطنيها وتستفيد من كل طاقاتها. من خلال تمكين النساء في جميع المجالات، بدءاً من السياسة إلى الاقتصاد، يمكن تحويل سوريا إلى نموذج للعدالة في منطقة الشرق الأوسط. النساء السوريات أثبتن صموداً غير مسبوق، ومن خلال تعزيز دورهن في المستقبل، سيكون لهن دور أساسي في عملية البناء والازدهار.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني