fbpx

داء الثأر

0 184

يا ديرُ صبراً على البلوى فداكِ دَمِي

صبراً على الجَورِ والأرزاءِ والألمِ

ما أنتِ إلا رفيفُ القلبِ في جسدي

فكيفَ تغفلُ عيني أو يزلُّ فمي

ريمٌ على القاعِ بينَ النهرِ والعَلَمِ

سَبَتْ فؤادي وغَلّتْ بالهوى قَدَمي

وطوّقتْ في سَناها والوفا عُنُقي

وكبّلتْ مِعصَمي واستأثرتْ بدمي

ريمٌ تجلتْ فباتَ الحسنُ يغبِطُها

وهامَ في حبِّها مَنْ كانَ ذا حُلُمِ

يا ظبيةَ العُرْبِ يا خيرَ الملاحِ ويا

رمزَ الوفاءِ ويا بوّابةَ الكَرَمِ

مليحةً كنتِ يا ديرَ الهوى أبداً

كالظلِّ في الحرِّ أو كالبدرِ في الظُلَمِ

وفي بساتينِكِ الخضراءِ مرتعُنا

وفي مراعيكِ نلقى أطيبَ النَّعَم.

الأرضُ تفرحُ إنْ بلَّ الثرى مطرٌ

وعندَ لقياكِ تعلو فرحةُ الدِّيَمِ

يا نهرُ أرضعتنا جوداً ومكرمةً

فصارَ أهلكَ اهلَ الجودِ والكرمِ

يا بلسمَ الجرحِ يا نبضَ الفؤادِ ويا

مهدَ الحنانِ ويا ريحانةَ النّسَمِ

هواؤك الرطبُ ما أندى نسائمهُ

فوقَ المُعلّقِ يجلي فوعةَ السَقَمِ

يا منهلَ الحبِّ يا نبعَ العطاءِ ويا

مستودعَ الطيبِ في جدبٍ وفي نِعَمِ

يا دوحةَ الأدبِ الصافي وروعتَهُ

يا ملهمَ الشعرِ والإبداعِ والكلمِ

فكم تألّقَ رسامٌ بريشتهِ

ومِنْ مدادِك خُطّتْ أبلغُ الحِكَمِ

لغَرْفة ٌمِنْ فراتِ الخيرِ ترويني

ومُذْ هجرتُكَ قلبي يا فراتُ ظَمِي

يا ديرُ جرحُكِ أضناني وأوجعني

وصرتُ بَعدَكِ أشكو لوعةَ السَأَمِ

إني غفوتُ على سُقْمٍ يؤرقني

وبعدَ جُرحِكِ عينُ الصبِّ لَمْ تَنَمِ

يا موطنَ العزِّ يا مهدَ الشموخِ ويا

رمزَ الإباءِ ويا أهزوجةَ الشَّمَمِ

ماذا أحدثُ عنكِ اليوم يا بلدي

وأنتِ في محنةِ الأصفادِ واللُجُمِ

أبناؤكِ الصيدُ ما هانوا ولا وهنوا

وفي المكارمِ هُمْ نارٌ على علَمِ

منْ قاسموا الأهلَ والأحبابَ دورَهُمُ

واليوم َيلوونَ في الصحرا بِلا خِيَمِ

تنازعتكِ كلابُ الأرضِ قاطبةً

ولم يراعوا فروضَ الأشهرِ الحُرُمِ

ما قاتلوكِ على تبرٍ حملتِ بهِ

أو قاتلوكِ على فيضٍ من النِعَمِ

لكنهمْ حشَّدوا للغدرِ مَكْرَهمُ

وأججوا الحقدَ بالتطبيرِ واللطمِ

مِنْ كلِّ حدبٍ أتوا والحقدُ يجمعُهمْ

صفرُ الوجوهِ بلا دِينٍ ولا قِيَمِ

مِنْ كلِّ صوبٍ صواريخٌ تدمرُنا

وطائراتٌ تصيبُ المرءَ بالصَّمَمِ

وكلّ يومٍ نرى قصفاً ومجزرةً

مِنْ عابدِ النارِ أو منْ عابدِ الصنمِ

لقدْ أتونا وجيشُ الكفرِ ينصرُهم

وقابلوا نعمةَ الإسلامِ بالنِقَمِ

وأشعلوا النارَ في ديرِ الهوى سَفَهاً

وألهبوا ظهرَها بالسَّوطِ والحِمَمِ

قدْ أحرقوا الأرضَ والأشجارَ فامتزجتْ

طهارةُ الأرضِ بالأصحابِ والرحمِ

سألتُ عنها فقالوا أصبحتْ أثراً

وليسَ فيها سوى الأطلالِ والرُّسُمِ

لمْ تبقَ فيها بيوتُ الله آمنةً

أو يبْقَ فيها جدارٌ غيرُ منهدمِ

فلا النخيلُ تسامى في حَويقتِها

ولا العصافيرُ تشدوا أعذبَ النغمِ

أرى الموازينَ في أوطانِنا قُلِبَتْ

وبُدِّلَ السادةُ الأحرارُ بالخدمِ

أرى العروبةَ أضحتْ مثلَ قافلةٍ

يسوقها العلجُ في البيداءِ كالغنمِ

وشُرِّدَ العُرْبُ في الأمصارِ وانتثروا

ووُسِّدَ الأمرُ للأذنابِ والعَجَمِ

فلا صلاحٌ لهذا الدينِ ينصرُهُ

ولا خيولٌ ولا سيفٌ لمعتصمِ

ولا قريشٌ تعيرُ الأهلَ راحلةً

ولا مِدادٌ أتى للأهلِ من قُثَمِ

وقدْ رأيتُ سيوفَ الشامِ مُشرعةً

تُهدى لبوتينَ ذي الشيشانِ والقرمِ

وساسَنا في بلادِ الشامِ طاغيةٌ

مِن المجوسِ خؤونٌ خافرُ الذممِ

ماكنتُ أحسبهُ إلا رويبضةً

وما على بائعِ الجولان ِ مِنْ عَشَمِ

دمعي عليكِ كوى خدي لحرقته

يا منيةَ الروحِ في صحوي وفي حلمي

لا لستُ أسلاكِ إن أُبعدْتُ عنكِ مدىً

فأنت سلواي في سعدي وفي ندمي

يا لائمَ النفسِ إذ زادتْ لواعِجُها

هلّا رفقتَ بقلبٍ مدنَفٍ جَشِمِ

لو كنتَ تعلمُ وهْجَ النارِ في كبدي

لكنتَ أشفقتَ لم تعذلْ ولمْ تَلُمِ

أناشدُ اليومً آساداً بها نفروا

يا خيرةَ الجندِ بلْ يا خيرةَ الأممِ

عودوا إليها بأسيًاف مجردةٍ

وأرهفوا السيفَ بالإيمانِ والهممِ

توحدوا في سبيلِ اللهِ واعتصموا

بحبلهِ وأعِزّوا السيفَ بالقلمِ

ووحدوا الصفَّ آساداً ولا تهنوا

ولا تكونوا كأشتاتٍ من الغنمِ

وحرروا أرضَها مِنْ كلِّ ذي دَنَسٍ

وطهروها مِنَ الأرجاسِ والوَخَمِ

وليعلمِ الجمعُ أنا معشرٌ عربٌ

لا نسقطُ الثأرَ بالتسويف والقدمِ

عماد الدين الثامر طبيب وشاعر من دير الزور

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني