fbpx

خبراء دستور وقانون: إلغاء الأسد للمحاكم الميدانية يُدينه وإجراء شكلي لخداع العرب

0 68

لا يبتعد إنهاء رئيس النظام بشار الأسد العمل بالمحاكم الميدانية العسكرية عن الخداع والحيل الهادفة إلى تعويمه، وذلك بعد أن استخدم النظام هذه المحاكم التي تفتقر إلى الحد الأدنى من أي أصل قانوني أداة لقمع آلاف السوريين المعارضين منذ استيلاء عائلة الأسد على السلطة.

والأحد، أنهى الأسد في مرسوم العمل بالمرسوم الصادر عام 1968 الذي يتضمن إحداث محاكم الميدان العسكرية، محيلاً القضايا المرفوعة أمام المحاكم الميدانية إلى القضاء العسكري لإجراء الملاحقة فيها وفق أحكام قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسكرية.

وبدا من توقيت صدور المرسوم أنه يأتي لغايات سياسية، فالنظام السوري يعيش في أصعب أوقاته، فهو من جهة يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، في ظل شح المساعدات الخارجية، ومن جهة أخرى يواجه احتجاجات حاشدة ضده في الجنوب، في حين يتعين عليه وقف تدفق شحنات المخدرات (الكبتاغون) إلى الخليج العربي مروراً بالأردن، وتقديم تنازلات سياسية، قبل تحصيل الفوائد من التقارب العربي.

واكتسبت المحاكم الميدانية في سوريا سمعة سيئة منذ تشكيلها عقب نكسة حزيران في العام 1968 وبعد انقلاب
“البعث على السلطة بسنوات قليلة، حيث كان الغرض من تشكيلها محاكمة الجنود الفارين من الخدمة، وفي العام 1980 شمل حافظ الأسد المدنيين بهذه المحاكم، بعد إضافة “عند حدوث الاضطرابات الداخلية” إلى مرسوم تشكيل المحاكم.
ولا يشترط مرسوم إحداث محاكم الميدان العسكرية وجود قضاة أو محامين، إذ يكفي أن تتشكل من ضابط لا تقل رتبته عن رائد (رئيس) وضابطين (أعضاء) لا تقل رتبتهما عن نقيب، بعد صدور قرار التشكيل من قبل قائد الجيش والقوات المسلحة.

وتنتهك هذه المحاكم أحد أهم حقوق المتّهم وهو “حق الدفاع”، بحيث لا تقبل أحكامها أي طريق من طرق “الطعن”، وقبل اندلاع الثورة السورية في العام 2011، كانت هناك محكمة ميدان عسكرية واحدة في منطقة القابون في دمشق، وبعد ذلك جرى تشكيل محكمتين ميدانيتين إضافيتين مطلع عام 2012، واحدة في القابون والأخرى في معسكر التدريب الجامعي بالديماس، بريف دمشق.

اعتراف بوجود المحاكم الميدانية العسكرية
وطالما أنكر النظام وجود المحاكم الميدانية، وهنا يقول الخبير الدستوري القاضي خالد شهاب الدين، إن المرسوم الأخير يعد بمنزلة “الاعتراف الصريح” بوجود هذه المحاكم، خاصة أن مرسوم تشكيلها في العام 1986 ينص على عدم نشر مرسوم تشكيلها.

ويضيف لـ”أورينت نت” أن اعتراف النظام بوجود هذه المحاكم غير الدستورية، يعني الاعتراف الصريح بالجرائم والانتهاكات المرتكبة في سوريا في عهد الأب والابن، ومن المعلوم أن هذه المحاكم تُجرى دون وجود درجات التقاضي وحق الدفاع وحق الطعن.

وبحسب شهاب الدين، يريد النظام طي صفحة الإعدامات خارج القانون التي ارتكبها النظام منذ أكثر من 50 عاماً، من خلال هذا المرسوم، معقباً: “يظن النظام أنه يستطيع الإفلات من العقاب”، ويقول: “لكن السحر انقلب على الساحر، والمرسوم يعد وثيقة لمحاكمة النظام عن جرائمه، بعد أن اعترف بها”.

ومثل شهاب الدين، يؤكد عضو “هيئة القانونيين السوريين” المحامي عبد الناصر حوشان، أن النظام يعتقد أن إنهاء العمل بالمحاكم الميدانية “الاستثنائية”، يساعده على الإفلات من العقاب، علماً أن إنهاء المحاكم الميدانية لا يقدم ولا يؤخر، لأن لدى النظام أكثر من نسخة، مثل محكمة “الإرهاب”، وهي النسخة “طبق الأصل” عن المحاكم الميدانية.

جملة أهداف وراء المرسوم
وعن أهداف النظام من إنهاء العمل بمحاكم الميدان العسكرية، يُدرج حوشان في حديثه لـ”أورينت نت” ذلك في إطار التهرب من الضغوط الدولية والإقليمية، وخاصة تلك الناجمة عن ما بات يُعرف بمقاربة “خطوة بخطوة”، بحيث يريد النظام التظاهر بأنه يقدم التنازلات على الصعيد السياسي، مقابل استكمال التطبيع معه.

وأضاف أنه بعد زيادة الضغوط الاقتصادية على النظام والمطالب الحقوقية الدولية، يقوم الأسد بهذه “الحركة المكشوفة” للتضليل.

أما القاضي خالد شهاب الدين، فيلفت إلى تزامن المرسوم مع توسع نطاق الاحتجاجات في الجنوب السوري، ومع زيادة النقمة الشعبية ضد النظام في بقية المحافظات، داعياً الحراك إلى تبني مطلب محاكمة النظام على جرائمه، بعد الاعتراف بوجود المحاكم الميدانية العسكرية.

وحسب الخبير الدستوري: “لا يحتاج النظام إلى محاكم ميدانية لاستهداف المعارضين له، وأساساً كل جرائم القتل التي ارتكبها النظام هي خارج القانون والدستور”.

من جانبه، يرى الباحث في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، أن المبكر تحديد هدف النظام من هذا المرسوم، معتبراً أنه “يجب معرفة الجهة التي تقف خلفه، والغاية منه”.

لكن، “بشكل عام يخدم إنهاء العمل بالمحاكم الميدانية، سردية انتهاء الحرب التي يروج لها النظام”، كما يقول علوان لـ”أورينت نت”، الذي أضاف: “النظام يرى أن استمرار العمل بمحاكم الميدان العسكرية التي تُستخدم في زمن الحرب، لا يخدم دعايته حول استعادة البلاد للاستقرار”.

كذلك يبدي الباحث قناعته بأن دولاً تحاول توجيه النظام لمثل هذه الإجراءات، بهدف تغيير الصورة التي كرّستها الاحتجاجات الأخيرة في السويداء، وقال: “النظام يبدو فاقداً للقدرة على ضبط الوضع الأمني، والحد من تجارة المخدرات، ولا يستطيع تقديم أي شيء للسوريين بمناطق سيطرته، ولذلك هو يحاول تصدير مشهد مغاير”.

ولا يصعب القول إن تأثيرات المرسوم تكاد تكون معدومة على مصير المعتقلين في سجون ومعتقلات النظام السوري، خاصة أن كل ما يصدر عن النظام في هذا الملف من مراسيم عفو وغيرها هي “شكلية” ولا يعول عليها.

شكلي ولا قيمة له
بدوره اعتبر المحامي غزوان قرنفل أن إلغاء بشار الأسد لمحاكم الميدان العسكرية شكلي ولا قيمة له قائلاً: “لا أرى فارقاً في وجود أو عدم وجود تلك المحاكم في ظل بقاء النظام، لأن أدواته الأمنية تملك من السلطة والصلاحية أن تفعل وترتكب من الجرائم ما هو أكثر من ذلك ودون حتى إمكانية لمساءلتها، وذلك بموجب المرسومين 14 و549 لعام 1969 اللذين يحصنان المؤسسات الأمنية من المساءلة عما يرتكبونه من جرائم”.

وعلى مدار السنوات الماضية، قضى آلاف السوريين بموجب أحكام صادرة عن محكمة الميدان العسكرية ومحكمة الإرهاب، إذ يتم تحويل أغلب المعتقلين إلى هاتين المحكمتين بعد إلصاق التهم بهم.

وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد أشارت في تقرير صدر عنها في عام 2020 إلى أن أكثر من 10 آلاف شخص كانوا يُحاكَمون حينها لدى محكمة الإرهاب، بينما نظرت المحكمة بعشرات آلاف القضايا منذ إحداثها في عام 2012.
واحدة في القابون والأخرى في معسكر التدريب الجامعي بالديماس، بريف دمشق
اعتراف بوجود المحاكم الميدانية العسكرية
وطالما أنكر النظام وجود المحاكم الميدانية، وهنا يقول الخبير الدستوري القاضي خالد شهاب الدين، إن المرسوم الأخير يعد بمنزلة “الاعتراف الصريح” بوجود هذه المحاكم، خاصة أن مرسوم تشكيلها في العام 1986 ينص على عدم نشر مرسوم تشكيلها.

ويضيف لـ”أورينت نت” أن اعتراف النظام بوجود هذه المحاكم غير الدستورية، يعني الاعتراف الصريح بالجرائم والانتهاكات المرتكبة في سوريا في عهد الأب والابن، ومن المعلوم أن هذه المحاكم تُجرى دون وجود درجات التقاضي وحق الدفاع وحق الطعن.
المصدر: أورينت

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني