حكاية بألف جذر حزن وانتظار موجع.. إلى لوليتا التي لا تشبه سوى نفسها
لم تكن البداية حين اقتحمت نظراتي بؤبؤي عينيك المخاتلتين، كان قبل ذلك زمن من وجع الياسمين، إذ تركتُ دمشق تبكي على كتف عاشقةٍ نسيت غطاء رأسها حين داهمها البكاء، لا أذكر إن كنتِ أنت من كان يبكي على ظلٍ ذاب في هواء الروح، ومع ذلك اقتحمت نظراتي جذور روحك متجاوزة متاريس عنادك الفراتي.
سألتك لماذا أتيت الآن من شرفة النسيان، فأيقظت حلماً كنت رسمته ذات زمنٍ على جذوع شجرة توت، وحين خفت أن يسرقه عابرو الطريق، حفرته بأظافري على صخر دمي، وقتذاك أحسست باختناق ورغبة بفعل شيء جنوني، لم أستطع البكاء ولكني أحسست أنني أطير في فراغ من لازورد مجهول الملامح، فرأيتك ثانية.
قلت لي أتيت لغزو دمك، فأنت قدري النهائي، وبعد ذلك سأغدو يمامة على شجرة قلبك الحزين، أهدل من أجل أن تستعيد زمنك الغابر، وربما أصير فراشة تعبث بجناحيها في نهر انتظارك القديم، فتشتعل ولا تحترق، وأصرخ فيك ألا بلى أيها الرجل المنهك استيقظ من وحشتك، هات يديك كي أغسلهما بنبض دمي فيفر الحزن عن روحك.
كنت أحدّق في محيّاك ملياً، لن أخفي الحقيقة عنك أيتها المرأة المقدودة من عشب طري وماء سلسبيل، ومن زقزقة عصافير ملونة، نسيت أن تبني أعشاشها، فنامت عارية على أغصان الليل تنتظر الصباح، أحدّق فأرى بيوت دير الزور تلتم على دمارها وتحاول أن ترسم حداء قافلة نسيت في أي الجهات ستمضي.
أحدّق فتصابين برعشة مفاجئة، ويرفض دمع عينيك أن ينبثق ليرسم لحظة تفتح روحك الذابلة، عيناك باحتا لي بسرهما، قالتا لي: كل ما أعيشه مجرد وقت بلا طعم ولا رائحة ولا لون، عيناك قالتا بصمت لعيني أن روحك عطشى لفضاءات الحب اللامتناهية، ففي تلك العذابات تنبت وردة المساء وتقول لك كم أنت عاشقة لضوء القمر أيتها الربة لوليتا.
لوليتا لم تكن امرأة من لحمٍ ودمٍ وعظامٍ، كانت فكرة دارت بمخيلة عظمى، ربما مخيلة من غابر غابر الأزمنة، كان رجل أشعث الروح يمضي بحثاً عن تفاحة في هذا القفر كي يقضمها، لعله يعود إلى جنة فقدها دون مقدمات مقنعة، ولهذا صارت الفكرة ربة، والربة طقوساً من رقص جنوني في حقول القمح المترامية قرب ضفاف النهر.
قلت للربة لوليتا: ماذا تنتظرين من هذا الخراب الفظيع؟.
ضحكت لوليتا مقدار ينبوعين من ماء زلال ونبض أشجار حور عتيقة، ضحكت حتى أحسست أني سأفقد صبري العميق، لكنها فجأة توقفت عن الضحك لتبتل عيناها بدمع يشبه ماء الينابيع الجبلية البعيدة، ثم قالت لي:
الخراب فينا، هو يولد من كريات دمك الحمراء ليصنع حروباً بلا أهداف.
قلت وماذا عنك أيتها الربة؟.
قالت لوليتا:
أبحث عن قلبي، هل رأيته يتجوّل في شوارع المدينة؟ إني أشكّ بك أيها المنهك، أشكّ بأنك أحلت قلبي إلى غيمة وعاصفة من المطر، وهذا يكفي لأدخل بوابات روحك دون استئذان ودون تردد.
لوليتا لا تزال تراقص ظلها في دم رجل أنهكه الزمان، إنها تريد أن تستعيد منه ألقه الذي غيبته السجون وجثث القتلى وبكاء العصافير الخائفة، إنها تفعل كل شيء لتحتفي بعودة ذلك البريق، ففيه تولد الحكاية من جديد.