حقيقة أهداف ودوافع وثيقة الإخوان المسلمين في سورية من النظام الإيراني
أحاول في هذا المقال فهم حقيقة أهداف ودوافع قيادة جماعة الإخوان المسلمين في سورية من إصدار وثيقة خاصّة بموقف الجماعة من النظام الإيراني تحت عنوان (رؤية جماعة الإخوان المسلمين في سورية)”، في السابع من أيلول الجاري عبر تقديم أبرز ما تضمّنه من أفكار.
تساؤلات رئيسية تطرح نفسها:
1- هل ترتبط دوافع وأسباب قيادة الجماعة في توقيت إعلان وتبنّي موقفٍ معادٍ لسياسيات ونهج النظام الإيراني الإقليمي، وللوجود الإيراني في سورية، بحاجة قيادة الجماعة لتسويق موقفٍ ما لدى قواعدها، ولجمهورها الثوري المنتفض على مناطق سيطرتها المشتركة مع الحكومة المؤقتة في معظم قرى وبلدات الشمال الخارجة عن سلطة النظام، في إعزاز والباب وجرابلس، رافضة لسياسات التقارب السورية التركية، وشركائهم في الجماعة؟!
2- أم ترتبط بطبيعة الضغوط التي تتعرّض لها قيادة الجماعة، وتحاول في بيانها الدفاع عن سياساتها ونفوذها تجاه أكثر من طرف، مثل القيادة العالمية للإخوان المسلمين، التي تتبنّى موقفاً نقيضاً، والحكومة التركية التي “تخلّت” عن الإخوان في محطات متتالية، تجاوباً مع شروط علاقاتها الإقليمية المتطوّرة؟
3- هل هي رسالة تحذير للقيادة الإيرانية من عواقب تجاهل مصالح الجماعة في ترتيبات أيّ تسوية سياسية، وتنديد بنكران جميل ما قدّمه الإخوان في تقاطع مع مشروع تطييف وتحويل الحراك السلمي إلى ميليشيا؟
4- هل هي رسالة “خاصة” لسلطة النظام السوري التي يخلق لها الوجود الإيراني تحدّيات متزايدة الخطورة داخلياً وإقليمياً؟
تمهيد ضروري:
لقد كشفت مسارات ومآلات الصراع على السلطة السورية وعلى سورية منذ ربيع 2011 غياب السياسات الوطنية المستقلة لكافة الأحزاب السياسية التقليدية، اليسارية والاخوانية، بما يضع ما قام به البعض لدعم جهود الحروب الميليشاوية في نفس إطار أجندات وجهود القوى الخارجية والسورية، التي تورّطت في جميع مراحل الصراع، ويضع المشاركين فيها من قوى المعارضة في صف القوى المعادية لأهداف السوريين المشتركة- الانتقال السياسي والتحوّل الديمقراطي.
من نافل القول أنّ تحديد السقف لايعني تساوي المسؤوليات، لأنّ درجة مسؤولية التيارات السياسية عن تعزيز جهود قوى الخَيار العسكري الميليشياوي لتغيير طابع الصراع يعتمد على عاملين رئيسيين:
1- قدرة الجماعة السياسية على الفعل الميداني، في ضوء عوامل قوّتها الذاتية وطبيعة شبكة المصالح والعلاقات الخارجية.
2- طبيعة الجهود التي مارستها على صعيد الوعي والسلوك في دفع حراك السوريين السلمي على مسارات الخَيارالعسكري الميليشياوي.
لا نحتاج إلى كبير عناء لملاحظة الدور الاوّل، وبالتالي المسؤولية الأولى، الذي لعبته جماعة الإخوان المسلمين السورية في إنجاح جهود تغيير الطابع السلمي الوطني للحراك عبر قيادة و دعم جهود “الأسلمة” و”الميلشة”، وبالتالي قطع صيرورته كثورة ديمقراطية سلمية، (وما تدّعيه أدبياتها عن “استمرار الثورة” ليس سوى محاولة للخلط بين مرحلة الحراك السلمي وآفاق تحوّله إلى ثورة ديمقراطية، وبين تحوّله عملياً إلى “ثورة مضادة”، معادية للتغيير الديمقراطي، شكّلت الميلشيات الاخوانية بعض أدواتها)؛ كما لإدراك تقاطع جهود التطييف والميلشة الأخوانية مع جهود سلطتي النظام السوري والإيراني (تماما كما هو الحال في “الصراع” السعودي الإيراني على السلطة السورية)، بما يجعل منهما موضوعياً شركاء في تحقيق أهداف واحدة، رغم تواجه الخنادق.
من هنا، نعتقد بتحمّل الاخوان المسلمين السوريين المسؤولية الأولى في صفوف المعارضات السورية عن كل ما حصل في سياقات صيرورة الخَيار الامني العسكري الميليشياوي منذ ربيع 2011 وحتى نهاية 2019، تماما كما تتحمّل سلطة النظام السوري المسؤولية الأولى على الصعيد الحكومي، وقد وضع تماثل أدوات ونهج الصراع الطائفي الميليشياوي على السلطة الطرفين المتصارعين في خندق واحد، تماماً كما وضعت النظامين الإيراني والسعودي، رغم الفارق النوعي في حجم تدّخل ميليشيات النظام الإيراني الإقليمية.
في الوثيقة:
في الأهداف العامة، أعتقد بسعي أصحاب الوثيقة إلى إنهاء الجدل حول طبيعة موقف جماعة الإخوان المسلمين السورية من النظام الإيراني، وتقديم جميع الأسباب التي تُقنع القارىء بموضوعية الاستنتاج أنّ النظام الإيراني “عدو استراتيجي”، كما ذكروا في آخر بيان لهم حول الموضوع ذاته.
في تفاصيل البيان، تأتي أفكار الوثيقة على عدّة مستويات:
1-تسويق موقفٍ إسلاميٍ وسوريٍ وطنيٍ، يقف في صف “ثورة الحرية والكرامة” ويدافع عنها، معادٍ لمشاريع السيطرة الخارجية، الإقليمية والدولية، غير طائفي، ينحاز لقضايا الشعوب في التحرر والدمقرطة:
” نحن لسنا طائفيين ونمقت الطائفية….. حفاظاً على مبادئنا الإسلامية التي تشكل ماضي وحاضر ومستقبل وطننا وأمتنا، واستمراراً لمواقفنا المبدئية، ودفاعاً عن هوية بلدنا (سورية) العربية الإسلامية ووحدة أراضيها، ورفضاً للمواقف المعادية لثورة الحرية والكرامة فيه… نحن نقف مع شعبنا المظلوم المكافح في سبيل حريته وكرامته…
2- تسويق رؤية الجماعة (والحركة الإسلامية) لطبيعة الصراع الإقليمي:
“حقيقة الأمر أنّ المشروع الإيراني يتنافس مع المشروع الصهيوني الغربي على النفوذ في المنطقة العربية…… انتهى الغرب إلى نتيجة مفادها أن المشروع الطائفي الإيراني خصم يمكن التعامل معه، أما المشروع الإسلامي الذي تمثله الحركة الإسلامية فهو عدو يجب الإجهاز عليه، وبذلك توافقت المصالح الغربية على دعم المشروع الطائفي الإيراني في المنطقة، واتخذ الغرب قراره الاستراتيجي بالسماح بتوسع نفوذ النظام الإيراني، وبالتالي تمّ التسامح مع تجاوزاته ومكّنه من تكريس نفسه دولة إقليمية محورية تحظى بمظلة دولية”.
“معركة الأمة اليوم معركة الهوية والحرية والتنمية والعيش الكريم، والوقوف صفاً واحداً أمام المشاريع الأجنبية المعادية التي تعبث بقيم الأمة وثوابت دينها وتعمل على استدامة تخلفها وتبعيتها”.
3- الربط بين شذوذ “العقيدة الدينية” وعدوانية لممارسة السياسية لإعطاء مواقفها الرافضة الوجود والسياسات الإيرانية في سوريا، ولتحالف بعض تيارات الإسلام السياسي الإخوانية مع النظام الإيراني، صبغة شرعية، تدعّم مصداقية رؤيتها و موقفها السياسي، دون الإشارة إلى حماس والحرب على غزة، رغم تناقض ذلك مع سلوك القيادة العالمية للإخوان المسلمين التي رأت،(بعد جملة الأزمات السياسية والتنظيمية التي عصفت بهم في أغلب الدول العربية، والتي أثرت على امتداد مشروعهم السياسي وشعبيتهم في الشارع العربي بالعموم)، في حماس ومعاناة الشعب الفلسطيني في غزة “رافعة الجماعة” لإعادة تموضعها في الخارطة السياسية العربية والإقليمية، شعبيّا ورسميا، فكان قرارها بالذهاب بعيدا بدعم حركة حماس في سياقها الحالي ضد الاحتلال، واستغلال الواقع المأساوي للشعب الفلسطيني لإعادة تحشيد الشارع الشعبي لصالح مشروع الإخوان السياسي.
4- مبررات موقف الإخوان السوريون من النظام الإيراني:
أ- “إن النظام الإيراني المعاصر أصبح يمثل بعداً قومياً ويحمل مشروعاً طائفياً عقدياً توسعياً لاختراق المنطقة العربية، ويوظف الوقود المذهبي الطائفي عبر مظلومية الحالة الشيعية ووجوب الانتقام لها..”.
ب- في سورية فقد اختار النظام الإيراني الوقوف مع نظام بشار الأسد…. وبذلك داس النظام الإيراني على كل القيم والأعراف والمواثيق وعلى شعاراته الإسلامية المدعاة ودعم نظاماً طائفياً بغيضاً يدّعي القومية والعلمانية وربطه معه في علاقة مصيرية، واستغل موقع سورية الجيوستراتيجي المهم كقاعدة لتدريب ميليشياته القادمة من العراق ولبنان والسعودية والبحرين والكويت، وعمل على تطوير استراتيجية شاملة لتجذير وجودها وتقنينه على نحو يعقّد من إمكانية تحجيم نفوذها في سورية مستقبلاً، ويعزز التمدد باتجاه الدول الأخرى لإحكام الطوق على الأردن ودول الخليج العربي.
ت- ….النظام الإيراني أوغل في طائفيته، وأخذ بسلوكه الممنهج في مناطق نفوذه وبقطعان ميليشياته التي تقتل وتسرح وتمرح في البلاد..
ث- التغوّل الإيراني الأمني والعسكري والثقافي والاقتصادي…. ولم يقتصر النظام الإيراني بنفوذه على الوجود الأمني والعسكري، وإنما شرع كذلك بغزو ثقافي تبشيري منظم منذ مرحلة مبكرة… مدارس شيعية حكومية…. جامعات إيرانية خاصة… وعدداً كبيراً من المراكز الثقافية الإيرانية.
5- القرار: ونحن في جماعة الإخوان المسلمين في سورية… نؤكد ما يأتي:
نرفض:
الوجود الإيراني وميلشياته على الأرض السورية…. استخدام الأراضي السورية لتكون مصدر إزعاج وتهديد وقلق للدول العربية والإسلامية وغيرها….. أساليب النظام الإيراني في التوسع داخل الدولة السورية نرفض سعي النظام الإيراني بصورة مستمرة إلى التواصل مع الحركات الإسلامية في مختلف البلاد في محاولة لكسب ود الجماهير العربية والمسلمة وإعطاء النظام الإيراني بعداً إسلامياً شعبياً يغطي على جرائمه ويغسل أيديه الملطخة بدماء المسلمين.. وندين سياسات النظام الإيراني المعتدي على أهلنا وشعبنا ووطننا، فنحن نقف مع شعبنا المظلوم المكافح في سبيل حريته وكرامته…”
ثالثاً: تساؤلات نقدية
في أخطر ما أتى به البيان حول طبيعة الصراع الإقليمي، يتم تغييب حقيقة أنّ المشروع الطائفي الإيراني هو جزء من أدوات السيطرة الإقليميّة الأمريكية التي تشكّلها الحركة الإسلامية الجهادية، بجناحيها الشيعي والسني، الاخواني والجهادي، ولا يضعف واقعية هذه الحقيقة تنافس المشروع الإيراني مع المشروع الصهيوني، أو تعارض أهداف وسياسات الإخوان السوريين في الصراع على السلطة مع سياسيات النظام الإيراني، وما القول باعتبار الغرب أنّ الحركة الإسلامية ” عدو “، والتأكيد على علاقات الصراع التناحرية، ليس سوى محاولة لإخفاء تلك الحقيقية في أدوات مشروع السيطرة الإقليمية الأمريكية!
فهل تنكر قيادة الجماعة السورية أنّ اهم مراكز تمويل وقيادة الحركة الإسلامية موجودة في “الغرب”، وهل تنكر انحياز الحركة الإسلامية تاريخيا لجانب الغرب في حربه الكونية ضد الشيوعية وقتال السوفيات في أفغانستان تحت سقف مشاريع السيطرة الغربية؟
إذا كانت تختلف تكتيكياً مع النظام الإيراني حول سوريا، فكيف تفسّر ما يحظى به النظام الإيراني من تأييد ودعم معظم تيارات الحركة الإسلامية في الإقليم والمراكز العالمية؟
إذا كان صحيحاً أنّ مظلّة الحماية الغربية هي التي سمحت بتوسّع نفوذ النظام الإيراني وتمدد أذرعه حتى داخل فلسطين المحتلة، أليس صحيح أيضا أنّ نفس مظلة الحماية الغربية هي التي رسّخت سلطات انظمة الحركة الإسلامية في الإقليم، وهي التي سمحت لبعضها الآخر في الوصول إلى السلطة مؤقّتا خلال مواجهة تحدّيات الربيع العربي؟
لماذا تتجاهل قيادة الجماعة السورية طبيعة العلاقات التاريخية بين الإخوان المسلمين والنظام الايراني؟ ألم تكن طائرة الإخوان الخاصة، التي استأجرها يوسف ندا، المفوَّض السابق للعلاقات الدولية في جماعة الإخوان المسلمين، ثاني طائرة تصل إلى طهران، للتأكيد على دعم الجماعة ومباركتها الانتصار التاريخي؟